مقالاتمقالات مختارة

ورثة الأنبياء وصدارة الحدثاء

بقلم فضيلة د. حكمت الحريري

“عن عبد الله بن مسعود قال: كنت بحمص فقال لي بعض القوم: اقرأ علينا، فقرأت عليهم سورة يوسف، قال: فقال رجل من القوم: والله ما هكذا أنزلت، قال: قلت ويحك والله لقد قرأتها على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال لي: أحسنت، فبينما أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر، قال: فقلت أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب؟! لا تبرح حتى أجلدك، قال: فجلدته الحد\”. [رواه البخاري، كتاب فضائل القرآن، ومسلم كتاب صلاة المسافرين].

معاني الألفاظ:
حمص: مدينة مشهورة في بلاد الشام، فتحت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، ودخلها ابن مسعود غازياً.

فقال رجل من القوم: قيل إنه نهيك بن سنان البجلي كوفي. [1]

والله ما هكذا أنزلت: ظاهره أنه أثبت إنزالها ونفى الكيفية التي أوردها ابن مسعود.

ويحك: كلمة رحمة، والمقصود بمعناها هنا ويلك – كلمة عذاب-.

لا تبرح حتى أجلدك: لا تذهب ولا تنصرف حتى أقيم عليك حد شارب الخمر.

أحكام فقهية ودروس مستفادة من الحديث:
1- استحباب استماع قراءة القرآن والإصغاء لها والبكاء عند تدبرها كما دلت عليه أحاديث أخرى غير هذا.

2- استحباب طلب القراءة ممن يتقنها وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءة الشخص بنفسه.

3- تواضع أهل العلم ولو مع أتباعهم.

4- وجوب احترام العلماء وتوقيرهم وعدم التطاول عليهم.

5- وجوب إقامة الحد على شارب الخمر.

6- للإمام مباشرة القيام بتطبيق الحدود بنفسه أو من ينيبه عنه.

7- وجوب الصدع بالحق، والتمييز بين الحق والباطل، ومعرفة المخطئ من المصيب، ووضع الأمور موضعها المناسب.

8- وجوب إيقاف كل إنسان عن حده، وتعريفه بقدره.

9- الاهتمام بمعرفة البيئة وتأثيرها على الفكر والسلوك.

من الدروس المستفادة من الحديث:
في خضم الأحداث التي تشهدها ساحة العمل الإسلامي، وارتفاع الأصوات والصيحات التي تدعو للعودة إلى تحكيم شريعة الإسلام والجهود والتضحيات التي بذلها علماء الأمة الإسلامية والدعاة المخلصون، إذ كان للعلماء الصادقين مع ربهم ومع أمتهم المخلصين في نواياهم الدور الرائد والفعال في كل ما يجري على هذه الساحة، ولا يشك عاقل في هذا. فالعلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم، وهم السرج التي تنير الظلمات، ولا يمكن أن يكتب النجاح لأي عمل، إلا إذا كان قائماً على أساس العلم.

لما كان لهم هذا الدور الهام في قوة التوجيه والتوعية الإسلامية، سيكثر بالتالي وبطبيعة الحال الكلام عن العلماء كل بحسب موقفه إما مدحاً وإما قدحاً. هذه المواقف تكون دقيقة في حال استقرار الأحوال، ومعالجة الأمور بالطرق المناسبة المجدية، وذلك عندما تتم الإحاطة بالموضوع الذي يراد إصدار الحكم عليه من كل جوانبه، سواء كان الحكم على شخصية، أو الحكم في قضية.

إلا أنه في حالة وقوع الفتن تلتبس الأمور، ويصعب تحديد القضايا وقياسها بموازين دقيقة والحكم عليها بعدل وإنصاف، لا بظلم وإجحاف، فكيف ونحن في آخر الزمان والفتن كقطع الليل المظلم؟ نسأل الله السلامة والعافية في الدين والدنيا.

كثر الكلام حول العلماء ومواقفهم من قضايا المسلمين المهمة والمؤثرة، فاشتط كثير من المنسوبين للعمل الإسلامي في مواقفهم من العلماء، حتى عادوا ينحون باللائمة عليهم في كل ما تعانيه الأمة من مصائب ونكبات، ولم يعد هؤلاء – المنسوبين – لجهلهم وقلة علمهم، أو لضيق صدورهم، أو لضعف عقولهم، يميزون بين العلماء الصادقين، المتبعين لسنن المرسلين، المتمسكين بكتاب رب العالمين، وبين علماء السلاطين الذين استمرءوا التجارة بالدين، وجعلوا القرآن عضين. ثم ازداد تمادي هؤلاء الطواغيت في العلماء والدعاة الصالحين، فأقاموا منابر يلقون عليها الخطب ويصدرون البيانات، ازداد تماديهم لما لم يجدوا رادعاً من سلطان مؤمن، فإن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن. ولكن ((إن ربك لبالمرصاد)) فمن يجرؤ على أذى ورثة الأنبياء؟!. من تسول له نفسه معاداة الله العزيز الجبار القوي المتين؟! فقد جاء في الحديث القدسي: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: \”إن الله – تعالى – قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب\”.

هذه الفوضى وهذا الاختلال في مواقف بعض المنتسبين إلى العمل الإسلامي تؤلم كل مؤمن تقي ولذلك نشطت في المطالعة والبحث والاستفسار للتعرف على حقيقة هذه الحالة المرضية الخطيرة هل حصلت من قبل؟ فاستوقفني هذا الحديث كثيراً، إنه لأمر يبعث على الدهشة. عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل، أعلم الناس بكتاب الله، وأفقه صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد معاذ بن جبل يقال له هذا؟! عبد الله بن مسعود الذي أخذ بضعاً وسبعين سورة من في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وله الفخر في ذلك – يعترض عليه في قراءته لسورة يوسف رجل سكير مخمور ويقول له: والله ما هكذا أنزلت!! ولم تكن هذه الحادثة هي الأولى والأخيرة من نوعها في تاريخ هذه الأمة، بل حدث قبلها وبعدها أحداث شبيهة بها وربما أشد إيلاماً منها.

نعم أشد إيلاماً لأنه في تلك الحادثة التي جرت لابن مسعود عليه رضوان الله عرف الحق وحكم بالعدل، وعُرفت أقدار العلماء، ولكن في زماننا هذا وهو زمان الرويبضات يصعب أن تقيم الحد على مجرم أو على كل أفاك أثيم، بل هو أمر متعمد أن تساء سمعة العلماء، ورثة الأنبياء أمر متعمد مخطط له أن تحدث الشروخ بين العلماء وبين الشباب، فيعود الخصم هو الحكم، والظالم هو المظلوم.

أحداث سابقة:
– عن جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر – رضي الله عنه – فعزله واستعمل عليهم عماراً، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن أن تصلي، قال أبو إسحاق: أما أنا فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه ويثنون معروفاً، حتى دخل مسجداً لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، قال: أما إذا نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية ولا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياءً وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه بالفتن، وكان بعد إذ سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن [2].

وثالثة الأثافي كانت في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذ يتنطع في الاعتراض على رسول الله صلوات الله وسلامه عليه من هو شر من قتلة الحسين. يطلب من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يعدل وينصف في القسمة!!.

– عن أبي سعيد الخدري قال: بعث علي – رضي الله عنه – وهو باليمن بذَهَبَةٍ, في تربتها إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقسمها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري، وعلقمة بن عُلاثة العامري – ثم أحد بني كلاب، وزيد الخير الطائي – ثم أحد بني نبهان. قال: فغضبت قريش فقالوا: أيعطي صناديد نجدº ويدعنا؟! فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم. فجاء رجل كثٌّ اللحية، مشرق الوجنتين، غائر العينين، ناتئ الجبين، محلوق الرأس، فقال: اتق الله يا محمد. قال: فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: فمن يطع الله إن عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني؟ قال: ثم أدبر الرجل، فاستأذن رجل من القوم في قتله \”يرون أنه خالد بن الوليد\” فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: \”إن من ضئضئ هذا قوماً يقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرميَّة، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد\”. (مسلم بشرح النووي 7/162).

داء الأمم:
حذر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من اتباع سنن أهل الكتاب اليهود والنصارى، المغضوب عليهم والضالين: \”لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قيل اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن؟! \”. حذر أمته من الوقوع فيما وقع فيه اليهود والنصارى وما ارتكبوه من الذنوب، ومما ارتكبوه عدم طاعتهم لأنبيائهم وعصيانهم وإهانتهم وقتلهم بغير حق، قال – تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً)). قالوا عن موسى – عليه السلام – أنه \”آدر\” أي منتفخ الخصية، ولما مات أخوه هارون – عليهما السلام – قالوا: إن موسى قتله وغيبه!! ودعاهم موسى للجهاد، فقالوا: ((فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)). قتلوا الأنبياء بغير حق، حتى قتلوا في يوم واحد سبعين نبياً في أول النهار، وأقاموا السوق آخره، كأنما جزروا غنماً [3].

هذا النوع من الكفر الناجم عن عدم اتباعهم للحق، بل كتموه ولم يعملوا به نتج عنه أن حلت عليهم لعنة الله وغضبه، ومسخهم فجعل منهم القردة والخنازير، وسلط عليهم الذل وقطعهم في الأرض أمماً، والجزاء من جنس العمل. قال الله – تعالى -: ((قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله، من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت)) [المائدة/60].

وأما النصارى فقد عبدوا الله بغير علم فضلوا وغالوا في الأنبياء بعكس أفعال اليهود، فكفروا بسبب غلوهم الذي نهاهم عنه الله بقوله – سبحانه -: ((يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته)) [النساء/171]. ولذلك فقد كان بعض علماء السلف يقولون: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى [4].

فالخوارج والتكفير ومن تنطع تنطعهم وتعنت تعنتهم وقف موقف اليهود، ودعاة التصوف والمتعصبون من المقلدة ومن كان على شاكلتهم وقفوا موقف النصارى. والأحاديث في النهي عن اتباع سنن اليهود والنصارى كثيرة ومواقف السلف في ذلك شهيرة، قال – عليه الصلاة والسلام -: \”لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم\” \”لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد\”… وعن عاصم بن ضمرة أنه رأى أناساً يتبعون سعيد بن جبير فنهاهم وقال: إن صنيعكم هذا مذلة للتابع وفتنة للمتبوع [5]. فلا تقصير ولا مغالاة، ولا طاعة إلا في المعروف.

هيبة العلماء:
ينبغي للمسلم وخاصة الداعية وطالب العلم أن ينظر للعالم نظرة التوقير والإجلال والهيبة والاحترام، وألا يحدث بحضرة من هو أولى منه سناً أو علماً.

عن ابن عباس قال: \”مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجع فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة فوقفت له حتى فرغ ثم سرت معه، فقلت يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أزواجه فقال: تلك حفصة وعائشة، قال: فقلت له والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة فما أستطيع هيبة لك، قال: فلا تفعل ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه فإن كنت أعلمه أخبرتك… \” [6].

ما أعظم تلك النفوس وما أشد حياء أولئك الرجال!! وهل صحيح ما يقول له القائل في هذا الزمان: \”هم رجال ونحن رجال\”؟.

وذكر الحافظ أبو خيثمة في كتاب العلم قال: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم قال: قال عبد الله: \”إنكم لن تزالوا بخير ما دام العلم في ذوي أسنانكم، فإذا كان العلم في الشباب أنف ذو السن أن يتعلم من الشباب\” [7].

وقال علامة المغرب ابن عبد البر – رحمه الله -: \”وحقيق على من جالس عالماً أن ينظر إليه بعين الإجلال وينصت له عند المقال وأن تكون مراجعته له تفهماً لا تعنتاً\”. [8]

أيها القارئ الكريم: لم يعد خافياً عليك أن من أقحم نفسه فيما لا يعنيه فقد أوردها المهالك، ومن اشتغل في غير فنه جاء بالعجائب كما قال ابن حجر – رحمه الله – من قبل في رده على الكرماني. قال الإمام مالك – رحمه الله -: \”لا خير فيمن يرى نفسه بحالة لا يراه الناس لها أهلاً، وما جلست بالمسجد حتى شهد لي سبعون شيخاً من أهل العلم بالتأهل\”. [9]

وقال الإمام الشافعي – رحمه الله -: \”إذا تصدر الحدث فاته علم كثير\” [10]. وسئل الإمام أحمد عن حرف من الغريب فقال: \”سلوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بالظن\”[11]. فلله در سلف هذه الأمة ما أورعهم وما أتقاهم لله.

وقد تكلم ابن خلدون عن مسألة التخصص في مقدمته المشهورة [12] حيث ذكر في الفصل الثاني والعشرون من الباب الخامس ما نصه: \”فيمن حصلت له ملكة في صناعة فقل أن يجيد بعدها ملكة أخرى\”، ومثال ذلك الخياط إذا أجاد ملكة الخياطة وأحكمها ورسخت في نفسه فلا يجيد من بعدها ملكة النجارة أو البناء إلا أن تكون الأولى لم تستحكم بعد ولم ترسخ صبغتها. والسبب في ذلك أن الملكات صفات للنفس وألوان فلا تزدحم دفعة، ومن كان على الفطرة كان أسهل لقبول الملكات وأحسن استعداداً لحصولها، فإذا تلونت النفس بالملكة الأخرى وخرجت عن الفطرة ضعف فيها الاستعداد باللون الحاصل من هذه الملكة فكان قبولها أضعف، وهذا بين يشهد له الوجود، فقل أن تجد صاحب صناعة يحكمها ثم يحكم من بعدها أخرى ويكون فيهما معاً على رتبة واحدة من الإجادة، حتى أن أهل العلم الذين ملكتهم فكرية فهم بهذه المثابة، ومن حصل منهم على ملكة علم من العلوم وأجادها في الغاية فقل أن يجيد ملكة علم آخر على نسبته بل يكون مقصراً فيه إن طلبه إلا في الأقل النادر من الأحوال، ومبني سببه على ما ذكرناه من الاستعداد وتلوينه بلون الملكة الحاصلة في النفس، والله – سبحانه وتعالى- أعلم وبه التوفيق، لا رب سواه\”.

أليست من المصائب والمنغصات أن يتصدى رجل مخمور سكران لعبد الله بن مسعود ويخطئه في قراءته لما سمعه من فم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ويقول له: والله ما هكذا أنزلت؟! أليس من الجور والشطط أن يقف كوفي ويتهم سعد بن أبي وقاص – وهو من العشرة المبشرين بالجنة – أنه لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية، ولا يسير بالسرية!! ولا يحسن يصلي!! كوفي!! ويقول: أما إذا نشدتنا، فتأمل بالله جواب هذا الكوفي الذي يظهر أن الورع يتقاطر من جوابه!! فما تكلم ولا شهد إلا بعد أن أنشد!! ولا أجاب إلا بعد أن سئل!! كم هو كاظم لغيظه ذاك الكوفي!! فالله المستعان.

وهل من الدين والأمانة أن يقف من كان من عقبه من خرجوا من الإسلام ومرقوا منه كما يمرق السهم من الرمية ثم يطلب من رسول الله أمين الله على وحيه ورسول الله إلى الناس كافة، ثم يقول: اتق الله يا محمد؟!!.

ولكن نشدتك الله ماذا عسى أن تقول عن مجموعة من الشباب رغبوا بطلب العلم ووفقوا في استئجار مبنى وأطلقوا عليه اسم مركز في بلد أعجمي يدين شعبه بالإسلام، ثم جعلوه منبراً لشخصيات نكرة مجهولة حسباً ونسباً وعلماً وعملاً، يتكلمون في مسائل لا يفهمونها، ويفتون في قضايا لا يعرفون أحكامها، صار هؤلاء المجاهيل يلقون الخطب والمحاضرات يرددون أقوال علمائنا وصلحائنا وأساتذتنا ويطعنون ويجرحون ويفتون وينظّرون وعشرات من الرعاع لهؤلاء يستمعون!! ومن بين هؤلاء المجاهيل شخصية نشأت في إحدى المنظمات الفلسطينية العلمانية ومن شب على شيء شاب عليه. ويدعي أنه كان أستاذاً لعلمين من أعلام الجزائر المعاصرين ودعواه تلقى القبول. وأراد أن يصلح بين فئتين مصريتين!! وإذا ما توجهت لأحد هؤلاء – المتعنتين والمتنطعين من المنتسبين للعمل الإسلامي- بالنصيحة على ألا يقحم نفسه فيما لا يحسنه ولا يتكلم فيما لا علم له به، أجاب بأنه لا كهنوت في الإسلام، ومن حقي أن أدلي بدلوي. فانظر في بعض ما جادت به قرائحهم من بحر العلم الزاخر:

– كنت أجلس مرة في مجلس فيه من طلبة العلم، فسأل أحد الأفاضل عن مسألة حقوق الطبع وكونها محفوظة ومدى الالتزام بذلك، فأجبته بما أعرف من آراء العلماء في المسألة وذكرت له قول الشيخ ناصر الدين الألباني وذمه لمن لا يراعي حقوق الطبع وكونها محفوظة للمؤلف.

فاعترض شخص من الحاضرين وبدأ يتكلم ويهرف بما لا يعرف فليس الكلام في هذا من شأنه، لكنه تطفل مؤخراً على بعض كتب العلوم الشرعية، فأجاب لإثبات عدم كون حقوق الطبع محفوظة بأنه كان يمشي في الشارع ووجدك تلبس قميصاً، فذهب واشترى قطعة قماش وذهب بها إلى الخياط ليخيط له مثل الثوب الذي تلبسه فهل في ذلك اعتداء على حق أحد؟! وهل تعد هذه سرقة؟! هذا هو جوابه. وتذكرت مقولة ابن حجر – رحمه الله -: \”من اشتغل في غير فنه جاء بهذه العجائب\”.

– وسئل شخص آخر من المتطفلين على كتب العلم الشرعي، سؤالاً في العقيدة ونص السؤال كالتالي: لمن تنسب فرقة الأشاعرة؟ فأجاب وجوابه تباب: تنسب الأشاعرة إلى أبي موسى الأشعري، وأكد عليه السائل، من أبو موسى الأشعري؟!! فقال: أبو موسى الأشعري الصحابي المعروف، وشاءت الأقدار أن يحصل المذكور على شهادة الماجستير، لا على حسابه بل على حساب غيره!! ولا يتسع المقام لذكر المزيد من الأمثلة على هذه الطامات…

—————————————-
[1] – له ترجمة في تعجيل المنفعة.
[2] – رواه البخاري في كتاب الأذان وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها [فتح الباري 2/236].
[3] – انظر هداية الحيارى لابن القيم، ص 606
[4] – انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1/7.
[5] – كتاب العلم لأبي خيثمة ص 134 تخريج ناصر الدين الألباني
[6] – رواه مسلم – كتاب الرضاع – باب بيان أن تخيير المرأة لا يكون طلاقاً إلا بالنية.
[7] – ص 140 تخريج الشيخ ناصر الدين الألباني.
[8] – رسالة في الأخلاق الشرعية والآداب الإسلامية.
[9] – الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي ص 31.
[10] – فتح الباري 1/166.
[11] – انظر الباعث الحثيث لأحمد شاكر.
[12] – مقدمة ابن خلدون ص 405

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى