مقالاتمقالات المنتدى

“وآخرون يضربون في الأرض”.. رواية بنبض عربي

“وآخرون يضربون في الأرض”.. رواية بنبض عربي

 

بقلم صبغة الله الهدوي (خاص بالمنتدى)

 

قالوا بأن البوصلة التي لا تتجه نحو القدس مشبوهة، نعم إنه كذلك، فعندما تكون القدس نبض القصائد وعنوان الرواية يكتمل الحديث ويتزن، فرواية “وآخرون يضربون في الأرض” منسوجة من تلك الفكرة التي تقود شيخا ورفاقه نحو تحقيق هدف معين مقدس، هو نهاية الاحتلال الصهيوني وتحرير الأقصى  وليس إلا، وقد نجح  صلاح الدين الأيوبي الروائي الشاب من كيرالا الهندية في تصوير المشاهد الجسيمة والأحداث التاريخية  التي تلعب فيها عدة شخصيات ملهمة بقلم نابض حي، وذلك عبر صور فلسفية عميقة ودروس قرآنية وتاريخية تدعو القراء إلى أعماق التاريخ التي شهدت للمعارك بين المسلمين واليهود.

وخلال الصفحات يربط الروائي المعالم اليهودية والإسلامية بسلسلة الأحداث التي تجري في الرواية، فيتحدث عن الحاخامات والكنائس والشمعدان ورقم السبعة والمساجد والقيامة لينستنشق القارئ مع ما يغلبه الشغف بنكهة التاريخ والحاضر.

وعلى حد تعبير الروائي ” لقد نسجت هذه القصة على منوال الحقائق التاريخية، وبعضها حقيقة تماما والأخرى من وحي خيالي ليكون هناك واقع وأسطورة وحقيقة وما وراءها”، وقد ألهمه فدائي القلم غسان كنفاني ولحن المقاومة محمود درويش وأديب الدعوة أبو الحسن علي الندوي كما مر الكاتب بكتب التاريخ التي رسمت تاريخ فلسطين والقدس واليهود ليولد من كلها رواية بصبغة فلسطينية توجب على كل من يحمل هم الأقصى والمسرى قراءتها كما قال الروائي ” الرواية تعزف على وتر العربية والإسلامية معا”.

فخيوط الرواية تنسج من ويلات الاستعمارات التي تركها عدة دول على وجه الأمة الإسلامية لا سيما بعد أن سقطت الخلافة العثمانية وقسمت أراضيها واغتصبت فلسطين ليعدها من لا يملك لمن لا يستحق، وعلى مدى الرواية يحس الكاتب الوجع والحنين، ويرى النور والنار ويتأمل من جدران التاريخ المجد الذي عاشه المسلمون زمانا والضياع الذي أصابهم بين عشية وضحاها، وينسق الفصول عبر دروس من التاريخ والقرآن ويترك إشارات خفية نحو الآيات القرآنية ليتلقاها من يتلقي، فهاجر بقلمه على العواصم الإسلامية من بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد وقدس حاملا رسالة الجامعة الإسلامية التي تهدم أسوار القومية والعرقية والعنصرية وتعلوها الإسلامية التي لا غبار عليها.

تبدأ الرواية من حبات برتقال “الرامي” التي راحت رمز النضال والانتقام من الظالمين لتنتقل القصة سريعة إلى بيت الشيخ الطيب الذي يعيش مع حيواناته الأليفة التي لا تهمه سوى تربيتها وتغذيتها حتى أتى ذلك اليوم المنحوس الذي عكر صفو الشيخ المسكين ويطيح به إلى قاع المصائب والأزمات، وتحرك عجلات الرواية أحلام الشيخ وأفكاره التي تحمل في رحمها آلافا من الصور والانعكاسات.

 وجاءت الرواية بشكل حواري غالبا يجري بين الشيخ وتلميذه فرحان الذي أصبح رفيق دربه بعد أن توفي والده، فيحدث الشيخ إلى فرحان تلك الأحاديث تارة ليلهمه وأخرى لينومه، فببراءة الطفل الصغير يستوقف فرحان الشيخ لإضافة مزيدا من المعلومات حول القصص المذكورة، فيطيل الشيخ كلامه ولا يكمله بل يترك فرحان ورفاقه في فكرة وحيرة.

 وبعد منتصف الرواية تتحول القصة بكاملها إلى مشهد عظيم، حيث تحكي عن أخوين  توأمين هما صباح وفراح الذين فوجئا باختفاء والدهما الذي كان يعمل صحافيا حتى أيسا منه وبدءا يدخلان في حياة جديدة لينشب الخلاف بينهما وتحدث بينهما مشادات كلامية، ففي نهاية المطاف تفرقا نهائيا ليكون فراح لسان المظلومين وصباح عميل الاحتلال، وأصبحا معروفين لصراعاتهما الفكرية وظل صباح الكاتب المنظر الذي يؤسس أرضية الاحتلال ويبلط طريقه نحو تأسيس دولة صهيونية، ومرت السنين بينهما على حال من الجدال والصراع، ثم يأتي ذلك اليوم الشديد الوقع على فراح حيث يعثر على خبر صادم يعلن استشهاد أخيه صباح في نفس الحفلة التي أقيمت لتكريمه والاحتفاء بخدماته من أجل الصهيونية ثم الأمر الذي صعقه هو ما رأى من العنوان ” مقتل شاب حاول قتل زعيم الدولة”، فبينما ظل متسمرا من هول ما شاهده رأى رسالة متروكة على عتبة داره، خطها أخوه الراحل الشهيد، يبين فيها ما جرى في حياته من الانقلابات والمتغيرات التي تبناها لتقضي على قاتل والده المرحوم”، فلما قرأ فراح هذه الرسالة ظل يبكي ويبكي، وقد هزه الحنين إلى أخيه الذي فدى بحياته وفعل ما كان يتمناه منذ زمل بعيد، وقد أجاد الروائي في تصوير هذا المشهد مع ما يؤكد خلال كل سطور أن على الأمة الإسلامية أن تعرف طرق توظيف أسلحة العدو نحوهم ليرد كيدهم في نحورهم ويكون تدبيرهم في تدميرهم.

 وفي الصفحات الأخيرة للرواية يلج الروائي إلى غار يكتنفه الغموض والوحشية، وتلتف باقي الحكايات حول هذا الغار الذي يقال عنه غار النداء الذي لا يدخله أحد إلا ومات في عمقه جائعا عطشانا، شكله مثل شمعدان اليهود الذي يتفرع إلى سبعة، لكن الشيخ ورجاله هم فقط يعرفون أسرار هذا الغار العجيب التي طالما سعى الاحتلال في فك طلاسمه والكشف عن ستاره لكن الاحتلال باء بالفشل الذريع، ويلعب الضابط الصهيوني تيتيس الألماني الدور الكبير في الصفحات الأخيرة، حيث يمر تيتيس بمراحل عدة، مرحلة العداء والكره الذي قاده نحو العرب والمسلمين لينقلب رأسا على عقب بعد أن تعرف على الشيخ سالم الذي يملي عليه دروسا إيمانية.

فكلما تشتعل القدس ثورة وصمودا تزداد هذه الرواية أهمية، لأنها بمثابة وقود  للمرابطين الذين يسهرون على ثغور القدس الشريف، رواية بخطي النور والنار، تستتنهض الهمم الرواكدة وتمطر غيثا على الأراضي القاحلة لتنبت منها جيلا يأبى الاستسلام ولا يوقفه سوى الانتصار.

 

صورة رواية (وآخرون يضربون في الأرض) بلغتها الأصلية المليبارية

 

صورة رواية (وآخرون يضربون في الأرض) مترجمة باللغة العربية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى