حذرت هيئة علماء المسلمين في العراق من ان المعارك الجارية في الفلوجة كبرى مدن محافظة الانبار تحت عنوان (تحرير الفلوجة)، ما هو الا شعار للتستر على عملية الانتقام من المدينة التي اذاقت المحتل الامريكي مرارة الهزيمة منذ الايام الاولى لدخوله ارض العراق عام 2003، وليست هناك حاجة في اثبات الانتهاكات المرتكبة ضد اهلها من قتل وتعذيب ونتكيل وتغييب، فقد اضحت واضحة للقاصي والداني، وهذا ما يضع مسؤولية ما يحدث في الفلوجة وباقي المدن العراقية – المستباحة من ميليشيات الحشد الطائفي – على عاتق المجتمع الدولي الذي سكت على احتلال امريكا للعراق وما جر بعدها من ويلات، وكذلك دول الجوار وسلبيتها، التي ستنال نصيبها هي الاخرى مما يجري في العراق، لأنها ضمن المرحلة القادمة من مشروع التوسع الايراني.
وأصدرت الهيئة بيانا شديد اللهجة تناول ما يجري في الفلوجة منذ بدء عملية ما يسمى (تحرير الفلوجة) التي تستهدفها اسلحة القوات الحكومية وميليشيات الحشد الطائفي المدعومة بطيران التحالف الدولي من جهة، و(تنظيم الدولة) من جهة اخرى، وان سبب هذه العملية جهادها ضد الاحتلال، ورمزيتها في وجدان الامة، ولما لها من تاريخ مشرف لدى المسلمين عامّة ولدى العراقيين خاصة.
كما اوضحت الهيئة ان مظاهر الانتقام من هذه المدينة كان بالقتل والتعذيب والاعتقال والتغييب لأهلها، وما حصل في ناحية (الصقلاويّة) ليس ببعيد، اضافة الى التشهير والتجاوز على النازحين من المدينة، وهدم المساجد كما في (الكرمة) وغيرها، بل ان ابرز مظاهر التنكيل ضد المدينة واهلها هي تعيين مسؤولين في ما يعرف بـ (الحشد الشعبي) في لجنة التحقيق بالانتهاكات التي جرت وتجري في المدينة.
وأشار البيان الى ان عمليات الانتقام الاجرامية المنهجية في مدينة الفلوجة، ستستمر وفق نفس الذرائع التي استخدمت في مناطق اخرى، كـ(بيجي وتكريت ويثرب) في صلاح الدين، ومدن ديالى، و (جرف الصخر) في بابل، بحسب استقراء الهيئة لتطورات الاحداث، والتصريحات الطائفية التي يطلقها قادة الميليشيات، وان مسؤولية جريمة العدوان وتبعاتها على الفلوجة وغيرها، لا تقتصر على الميليشيات المجاهرة بحقدها والمتبجحة بانتهاكاتها فحسب، وانما تقع على عاتق جميع من شاركها وايدها، في هذه العملية.
وبيّنت الهيئة ان معركة الفلوجة هذه المرة مختلفة عن المعارك السابقة التي شنها الاحتلال الامريكي وحكوماته عليها، فرغم عدم التكافؤ في المعارك السابقة، من حيث العدة والعدد، الا ان قرار ادارة المعركة كان متخذا من قبل اهلها، وهو ما جعل المسؤولية تضامنية لدى الجميع، واليوم تفرد بقرار المعركة من هم غير اهل المدينة، ولكن ان آثار ما جرى ويجري سيقع على اهلها بالدرجة الرئيسة.
وجددت الهيئة تأكيدها بان المأساة في العراق ستستمر باستمرار اصول المشكلة، ولابد من عطاء كل ذي حق حقه، وهذه مسؤولية المجتمع الدولي الذي كان سببا مباشرا لما حل في العراق من كوارث، لسكوته على العدوان الامريكي عام (2003) اولا، وتغاضيه عن الهيمنة الايرانية عليه ثانيا، وكما ان دول الجوار ليست في حلّ من المسؤولية، التي رأت العملية السياسية وصندوق انتخاباتها هي الحل في العراق.
وختم البيان بالتحذير من وصول نيران المشروع الايراني التوسعي الى جيران العراق، دون استثناء، وهم ليسوا ببعيدين عن مسؤولية المشاركة في المجازر التي ارتكبتها الميليشيات الارهابية الايرانية، او سترتكبها لاحقا، وان (للإرهاب) وجوها متعددة لا ينبغي التعامل معها بانتقائية.
وفيما يأتي نص البيان:
بيان رقم (1184)
المتعلّق بدخول القوات الحكومية وميليشيات الحشد
مدينة الفلوجة، والتحذير من انتهاكات متوقعة لحقوق الإنسان فيها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعد:
فمنذ 22/5/2016 ورحى المعارك تطحن بمدينة الفلوجة بأسلحة القوات الحكومية وميليشيات الحشد الطائفي، مدعومة بطيران التحالف الدولي من جهة، و(تنظيم الدولة) من جهة أخرى، وقد بيّنا منذ بداية المعارك أنّ الهدف من العدوان على المدينة ليس ردَّ الفلوجة لأهلها كما هو معلن؛ وإنّما كان الانتقامُ من المدينة وأهلها هو الهدفَ؛ بسبب جهادها ضدّ الاحتلال؛ ولرمزيتها في وجدان الأمة؛ ولِما لهذه المدينة الباسلة من تاريخ مشرّف لدى المسلمين عامّة ولدى العراقيين خاصة، وهذا أمر ظاهر جلي لا يحتاج إلى مزيد بيان، وقد تحقّق هذا الانتقام عبر كثير من الانتهاكات الموثقة من: قتل وتعذيب واعتقال وتغييب للأشخاص كما حصل في ناحية الصقلاويّة، وتشهير وتجاوز على النازحين من المدينة، وهدم للمساجد كما حصل في الكرمة وغيرها.
ومن أبرز مظاهر الإمعان في التنكيل بالمدينة وأهلها والاستخفاف بدماء الناس تعيينُ مسؤولين في ما يُسمى (الحشد الشعبي) في لجنة التحقيق بالانتهاكات التي جرت وتجري في المدينة.
إنّ تطوّر الأحداث الجسام التي عصفت بمحافظة الأنبار وغيرها من مدن العراق طيلة الشهور الماضية، وتصريحات قادة الميليشيات ذات الأبعاد الطائفية، تُنذر باستمرار عمليات الانتقام الإجرامية المنهجية وتكرارها في مدينة الفلوجة، والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي تستهدف المدينة وفقَ الذرائع نفسها التي استخدمت في مناطق أخرى، مثل: مدينة بيجي وتكريت ويثرب في محافظة صلاح الدين، ومدن محافظة ديالى، وجرف الصخر في محافظة بابل.
ولابد هنا من البيان والإعلان بوضوح تامّ أنّ مسؤولية جريمة العدوان على الفلوجة وما آلت إليه الأمور فيها وفي غيرها، لا تقتصر على الميليشيات المجاهرة بحقدها، والمتبجحة بانتهاكاتها فحسب؛ وإنّما تقع على عاتق جميع مَن شاركها وأيّدها وسار معها في ركاب ما يُسمى زورًا وبُهتًا (تحرير الفلوجة).
لقد كانت معركة الفلوجة هذه مختلفة عن المعارك السابقة التي شنّها الاحتلال الأمريكي وحكوماته عليها، فعلى الرغم من أنّ المعارك السابقة لم تكن متكافئة في العدد والعدة أيضًا؛ إلا أنّ أغلب أهلها كان لهم الرأي في إدارتها، ويتحملون مسؤولية تصرفاتهم وقراراتهم، وهو ما جعل المسؤولية تضامنية لدى الجميع، وكان ذلك سببًا من أسباب دفع العدوان وردّه، بخلاف ما حصل في هذه المعركة التي تفرّد بالقرار فيها غيرهم، علمًا أنّ آثار المعركة ستقع بالدرجة الرئيسة على سكنة المدينة.
وإنّنا نؤكد مجددًا أنّ المأساة في العراق ستستمرّ باستمرار أصول المشكلة، وأنه لابدّ من حلّ جذري شامل يقوم على إعطاء كل ذي حقّ حقه، ومسؤولية تحقيق هذا الحلّ تقع على المجتمع الدولي الذي كان سببًا مباشرًا لما حلّ في العراق من كوارث يندى لها جبين الإنسانية؛ بسبب سكوته على العدوان الظالم عليه من الولايات المتحدة الأمريكية عام (2003) أولًا، وتغاضيه عن الهيمنة الإيرانية عليه ثانيًا، وليست دول الجوار في حلّ من المسؤولية إذ لم ترَ الحلّ في العراق إلا عَبر العملية السياسية، وصندوق انتخاباتها المقرّر أمريكيًا سلفًا، وبرلمانها المصنوع من الدمى على عين الراعي الأمريكي، وبمباركة الشريك الإيراني.
ونُجدّد تحذيرنا من وصول نيران المشروع الإيراني التوسعي إلى جيران العراق، ولا نستثني أحدًا منهم، وعليهم أن يعلموا أنهم ليسوا بعيدين عن مسؤولية المشاركة في المجازر التي ارتكبتها الميليشيات الإرهابية الإيرانية أو سترتكبها لاحقًا، ونُنبّه إلى أن (للإرهاب) وجوهًا متعددة لا ينبغي التعامل معها بانتقائية.
الأمانة العامة
17 رمضان/1437هـ
22/6/2016م
*المصدر : موقع المسلم