مقالاتمقالات مختارة

همم في القمم (1-4)

همم في القمم (1-4)

بقلم محمد عبد الرحمن صادق

إن الإنسان لا يخلو من آمال وطموحات وأهداف يود أن يحققها ويسلك في سبيل ذلك شتى السبل، وتختلف همة الإنسان حسب عِظم هذه الآمال والطموحات والأهداف، فكلما كانت الآمال طموحة وعظيمة عظمت الهمة وقويت الإرادة وجد السعي لتحقيقها، وكلما كانت الآمال والطموحات والأهداف دنيئة وضيعة حقرت الهمم ووهنت الإرادة وكان السعي حسيساً لا يحقق هدفاً ولا يبلغ آمالاً.

إن هناك من البشر من يُولد عالي الهمة، مُتقد الذكاء، لا يرضى بسفاسف الأمور، وهناك من يُولد ضعيف الهمة، محدود الذكاء، يرضى لنفسه بأي حال تضعه فيه الظروف، وبين هذا وذاك إنسان يحاول أن يطور من نفسه ويتغلب على ظروفه ويتحدى ما يواجهه من مصاعب وعراقيل ولا يرضى بالقمة بديلاً.

يقول ابن القيم رحمه الله: “وقد عرفت بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات فإذا حثثت سارت ومتى رأيت في نفسك عجزاً فَسَلِ المنعم أو كسلاً فالجأ إلى الموفق، فلن تنال خيراً إلا بطاعته، ولن يفوتك خير إلا بمعصيته”.

إن صاحب الهمة العالية لا تتوقف آماله ولا تنتهي طموحاته فهو كالطائر الذي اعتاد أن يُحلق في فضاء رحب فسيح فهو لا يرضى بالدون مها كانت العقبات ومهما تكاثرت الملمات ومهما غلت التضحيات.

قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: “إنّ لي نفسا تواقة، وما حققت شيئًا إلا تاقت لما هو أعلى منه؛ تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها. ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن تاقت نفسي إلى الجنة. فأرجو أن أكون من أهلها”.

ولقد ذكر لنا التاريخ الإسلامي نماذج من علو الهمة صعب أن يجود الزمان بمثلها:

فالصديق رضي الله عنه كان طموحه أن يدخل الجنة من أبوابها الثمانية.

والصحابي الجليل عكاشة بن محصن يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعوا الله له ليكون مع من يدخلون الجنة بغير حساب.

والصحابي الجليل ربيعة بن كعب الأسلمي لم تكن له غاية دون مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.

والصحابي الجليل سواد بن غزية يحتال ليُقبل بطن النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر وعندما سأله النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: “ما حملك على هذا يا سواد؟” قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى؛ فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك.

إن كل هؤلاء جعلوا الآخرة هي همهم الأول بل الأوحد فلم يتعلقوا بحطام الدنيا الزائل ولم يطلبوا سفاسف الأمور بل أحسنوا الظن بربهم وتشبثوا بمعالي الأمور. فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم.

أولاُ: تعريف علو الهمة:

جاء في معجم المعاني الجامع: الهِمَّةُ: ما هُمَّ به من أَمر ليُفْعل. وعالي الهِمّة: أي: يسمو إلى معالي الأمور.

قال الرّاغب الأصفهاني رحمه الله: “الكبير الهمّة على الإطلاق هو من لا يرضى بالهمم الحيوانيّة قدر وسعه فلا يصير عبد بطنه وفرجه بل يجتهد أن يتخصّص بمكارم الشّريعة”.

جاء في التعريفات للجرجاني رحمه الله: والهمة: توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق، لحصوله الكمال له أو لغيره”.

عرف الإمام بن القيم – رحمه الله – علو الهمة في كتاب “مدارج السالكين”: بقوله: “علو الهمة ألا تقف -أي النفس- دون الله وألا تتعوض عنه بشيء سواه ولا ترضى بغيره بدلاً منه ولا تبيع حظها من الله وقربه والأنس به والفرح والسرور والابتهاج به بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور لا يرضى بمساقطهم ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم، فإن الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات”.

قال الخضر حسين رحمه الله: علوّ الهمّة: هو استصغار ما دون النّهاية من معالي الأمور.

ثانياً: بعض الآيات التي وردت في القرآن الكريم بشأن الهمة العالية:

1- قال تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران 133].

2- قال تعالى: ﴿قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [طه 72 – 73].

3- قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب 23].

4- قال تعالى: ﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس20 ].

للحديث بقية إن كان في العمر بقية إن شاء الله

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى