مقالاتمقالات المنتدى

هل يجوز إطلاق لفظ الشهيد على غير المسلمين

هل يجوز إطلاق لفظ الشهيد على غير المسلمين

بقلم أ. د. صالح حسين الرقب (خاص بالمنتدى)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وبعد …..
منزلة الشهيدة والشهادة في الإسلام:
الشهادة اصطفاء واختيار إلهي: قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) آل عمران:140. ولَقَدِ اقْتَضَتْ سُنَّةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْطَفِيَ مِنْ عِبَادِهِ مَنْ يَشَاءُ فَيَرْفَعُ دَرَجَاتِهِمْ، وَيُعْلِي مِنْ شَأْنِهِمْ، وَيَمُدُّهُمْ بِعَطَايَاهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَقَامَ الشَّهَادَةِ مِنْ أَعْلَى مَقَامَاتِ الِاصْطِفَاءِ وَالِاجْتِبَاءِ الَّتِي يَمْتَنُّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، حَيْثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ:(وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) النساء: 69. والشهيد في الإسلام هو من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وقتل على ذلك، وأما من قاتل أنفةً وغيرةً وحميَّةً وليس لإعلاء كلمة الله ولا دفاعاً عن حق يبتغي وجه الله فليس بشهيد، ومن قتل دفاعاً عن بلده في حقٍ أو دفاعاً عن مالِه فهو شهيدٌ، بشرط أن يكونَ مسلمًا. فعن أبي موسى الأشعري رضي: قد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله قال :من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله… “. رواه البخاري ومسلم .

روى البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، ولَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا ولَا فِضَّةً، إنَّما غَنِمْنَا البَقَرَ والإِبِلَ والمَتَاعَ والحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى وادِي القُرَى، ومعهُ عَبْدٌ له يُقَالُ له: مِدْعَمٌ، أهْدَاهُ له أحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبيْنَما هو يَحُطُّ رَحْلَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، حتَّى أصَابَ ذلكَ العَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا له الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتي أصَابَهَا يَومَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عليه نَارًا. فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذلكَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشِرَاكٍ -أوْ بشِرَاكَيْنِ- فَقَالَ: هذا شَيءٌ كُنْتُ أصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: شِرَاكٌ -أوْ شِرَاكَانِ- مِن نَارٍ”.

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل” قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: “من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد……”. رواه مسلم في صحيحه برقم 1915.

وعن راشد بن حبيش رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبادة بن الصامت يعوده في مرضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتعلَمون مَن الشَّهيدُ مِن أُمَّتِي؟” فأرَمَّ القَومُ، فقال عُبادةُ: سانِدُوني. فأسنَدوهُ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ! الصَّابرُ المُحتَسبُ. فقال رسولُ اللهِ: “إنَّ شُهداءَ أُمَّتِي إذًا لقَليلٌ، القَتلُ في سبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ شَهادةٌ، والطَّاعونُ شهادةٌ، والغَرَقُ شهادةٌ، والبَطنُ شهادةٌ، والنُّفَساءُ يجرُّها ولدُها بسرَرِه إلى الجنَّةِ”، “قال: وزادَ أبو العوامِ سادِنُ بيتِ المقدسِ: “والحَرقُ، والسُّلُّ”. (صحيح الترغيب والترهيب؛ رقم 1396). وهذا من فضل الله العظيم على عباده المسلمين، فهو الذي خلق الداء وقدَّر على عباده الفناءَ، وتفضل على من مات منهم بهذه الأوصاف أن يمنحه أجر الشهادة، لما يحصل لهم من الألم والمعاناة نتيجة الإصابة بهذه الأمراض وما ترتب عليها من خروج روحه إلى بارئها سبحانه وتعالى.

أسباب الشهادة ومراتبها:
إنَّ أسباب الشهادة ليست محصور في عدد خمسة أو سبعة، كما ذهب بعض أهل العلم، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: “وَلَمْ يَقْصِدِ الْحَصْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدِ اجْتَمَعَ لَنَا مِنَ الطُّرُقِ الْجَيِّدَةِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ خَصْلَةٍ فَإِنَّ مَجْمُوعَ مَا قَدَّمْتُهُ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ خَصْلَةً وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ يُنْكَبُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا مَنْ وَقَصَهُ فَرَسُهُ أَوْ بَعِيرُهُ أَوْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ عَلَى أَيِّ حَتْفٍ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ شَهِيدٌ وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث بن عُمَرَ مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا مَاتَ شَهِيدا”. (فتح الباري 6/43). وليسوا هم في المرتبة سواء، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري” :والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدلُّ عليه ما روى أحمد وابن حبان: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أيُّ الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه. رواه الحسن بن علي الحواني في كتاب المعرفة له بإسناد حسن من حديث ابن أبي خالد قال: كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل، وأضاف: “ويتحصل مما ذكر من هذه الأحاديث أنَّ الشهداءَ قسمان: شهيد الدنيا وشهيد الآخرة، وهو من يقتل في حرب الكفار مقبلاً غير مدبر مخلصًا. وشهيد الآخرة وهو من ذكر، بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء، ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا”.(فتح الباري 6/43).

أسباب تسمية الشهيد بالشهيد، ولا تنطبق إلاَّ على المسلم:
– ذهب كلٌ من الحنفيةُ والشَّافعيةُ إلى أن الشهيدَ سمي شهيدًا؛ ذلك أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وملائكته يشهدون له بالجنة والمغفرة بإذنه.( ابن عابدين: الدر المختار (1/848)، الخطيب الشربيني: مغني المحتاج (1/350).

– لأَنَّ رُوحَهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامِ وهي الجَنَّة؛ فإنَّهُ يَدخلُهَا قبل الْقِيَامَةِ بِخِلَافِ رُوحِ غَيْرِهِ؛ فإنها لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ صَاحِبِهَا، ولا يكون هذا إلا بَعْدَ الْقِيَامَةِ. أفاده النووي عن النضر بن شميل. (النووي: شرحه على صحيح مسلم 2/136)، حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني 1/526).

– إن الشهيدَ يُبعث يوم القيامة وله شاهدٌ بقتله، وهو دمه؛ لأنه يُبعث وجُرحه يتفجر دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك.(زكريا الأنصاري: أسنى المطالب في شرح روض الطالب 1/315).

– ثم إذا رأوه يُؤثِر القتل على الحياة من أجل بقاء هذا الدين؛ تأثروا به، وساروا على نهجه، وسموه شهيدًا؛ لشهادته بأن هذا الدين الجميل خيرٌ من الحياة ذاتها، بعد أن قام بشهادة الحق في أمر الله حتى قُتِل.(في ظلال القرآن 1/374).

– ذكر النووي وغيرُهُ أن الصالحين شهدوا للمقتولِ في سبيل الله بالإيمان في حياته، وبخاتمة الخير عند موته، على ما ظهر من عمله.(النووي: شرحه على صحيح مسلم 2/136)، عبد الرحمن النجدي: حاشية الروض المربع 3/25).

– لأن الشهيدَ حاضرٌ شاهدٌ حيٌّ عند ربه، ليس بميت. (ابن عابدين: الدر المختار1/848، الخطيب الشربيني: مغني المحتاج 1/350).

– لأن الشهيد يشهد حاضرًا بنفسه ما أعدَّ الله تعالى له من الكرامة بالقتل؛ فقد أخبرنا القرآن أن عموم الشهداء أحياءٌ عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، ألا خوفٌ عليهم، ولا هم يحزنون. وأضاف الفقيه الشافعي زكريا الأنصاري أن ملائكة الرحمة يَشْهَدُونَهُ فَيَقْبِضُونَ رُوحَهُ، فسمي شهيدًا لشهادتهم له، وحضورهم عنده. (زكريا الأنصاري: أسنى المطالب في شرح روض الطالب 1/315).

وقد جاءت هذه الأسياب مجملةً فيما ذكر ابن حجر في فتح الباري (قوله باب الشهادة سبع سوى القتل). اختلف في سبب تسمية الشهيد شهيدا: فقال النضر بن شميل: لأنَّه حيٌ، فكأنَّ أرواحَهم شاهدةٌ أيْ حاضرةٌ. وقال بن الأنباري: لأنَّ الله وملائكته يشهدون له بالجنة. وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة. وقيل: لأنه يشهد له بالأمان من النار. وقيل: لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا. وقيل: لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة. وقيل: لأنَّه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل. وقيل: لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة. وقيل: لأنَّ الأنبياءَ تشهدُ له بحسنِ الاتباع. وقيل: لأنَّ الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه. وقيل: لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره. وقيل: لأنَّه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة. وقيل: لأنه مشهود له بالأمان من النار. وقيل: لأنَّ عليه علامة شاهدة بأنه قد نجا. وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله، وبعضها يعم غيره، وبعضها قد ينازع فيه”..(فتح الباري: ابن حجر العسقلاني 6/42). وبالنظر في هذه الأسباب جميعًا فإنَّها خاصةٌ بالمسلم، لا يمكنُ بذلك إطلاقَ اسمَ الشَّهيدِ على غيرِ المسلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى