مقالاتمقالات مختارة

هل تمتلك تركيا مقومات التمويل الإسلامي؟

هل تمتلك تركيا مقومات التمويل الإسلامي؟

بقلم أحمد ذكر الله

على الرغم من التباطؤ الملحوظ لصناعة التمويل الإسلامي التركية في العام الماضي نتيجة لصدمتها المزدوجة من تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار النفط إلى مستويات تاريخية، فإن كل المؤشرات وبيوت الخبرة العالمية تشير إلى العودة إلى مستويات نمو ما قبل الجائحة التي بلغت 13% في عام 2019.

وأشار تقرير لموقع “غلوبل فاينانس” إلى أن إجمالي أصول التمويل الإسلامي في العالم بلغ 2.88 تريليون دولار بنهاية العام 2020، ويطابق هذا الرقم تقريباً الرقم المسجل العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل إلى نحو 3.69 تريليون دولار بحلول 2024 بمجرد تعافي الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية الناتجة عن كورونا.

ومما يدلل على توافر الإمكانات والحظوظ المستقبلية الكبيرة للتمويل الإسلامي ما نشره موقع “بيو” للأبحاث، مؤخراً حول نمو عدد المسلمين حول العالم بمعدل أسرع مرتين من بقية السكان في العالم، وتوقع بلوغ عددهم 3 مليارات مسلم بحلول 2060 بزيادة قدرها 70% على عام 2015، لافتاً إلى أن الأجيال المقبلة من المسلمين سيهتمون بالقطاعات التكنولوجية وتطبيقاتها المالية مما سيدفع المؤسسات المالية الإسلامية إلى تصدر المشهد التمويلي العالمي، ويجعل استقطاب عملياتها مطمعاً تنافسياً بين عديد من الدول لا سيما الأوروبية منها.

وقد خطت تركيا خطوات واسعة في هذا السباق، إذ أشارت وكالة موديز في تقرير صدر بمنتصف فبرارير/شباط الماضي إلى أن أصول الخدمات المصرفية التشاركية في تركيا البالغة نحو 7.2% من إجمالي الأصول المصرفية في البلاد، ارتفعت بنسبة 54% العام الماضي، متجاوزة إجمالي نموّ أصول القطاع المصرفي الذي بلغ نحو 36%، وأنها بدأت التضاعف بنهاية العام الماضي وستستمر في التنامي على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وجاء ازدهار ونموّ قطاع التمويل الإسلامي في تركيا نتيجة للبيئة التنظيمية والإدارية المصرفية والمالية المتطورة، وحرصها على تعزيز مكانتها في الأسواق المالية الدولية من خلال إدخال أدوات مالية جديدة في مجال التمويل التشاركي.

وتَجلَّى هذا الحرص باستصدار مجموعة من القوانين تستكمل البنية التحتية القانونية المتعلقة بالبنوك التشاركية، ومن بين تلك الإجراءات منح وكالة التنظيم والرقابة المصرفية في البلاد في فبراير/شباط 2019، ترخيصاً مصرفياً لبنك “تركيا أملاك” التشاركي، مما رفع عدد البنوك الإسلامية في البلاد إلى ستة بنوك.

وكان آخر تلك الإجراءات إصدار مرسوم رئاسي نُشر في الجريدة الرسمية في 8 فبراير/شباط 2021 عن إنشاء قسم جديد داخل مكتب الشؤون المالية الرئاسي، يركز على رفع مستوى الوعي بالتمويل التشاركي وتطوير استراتيجيات العمل فيه، إضافة إلى تعزيز التعاون بين المؤسسات العامة والقطاع الخاص والجامعات والمنظمات غير الحكومية من أجل تحسين قطاع التمويل الإسلامي.

ولا شك أن تركيا تمتلك حالياً مقومات كبيرة لدعم قطاع التمويل الإسلامي، إذ يتوافر عدد لا بأس به من البنوك المتخصصة التي تراكمت لديها الخبرات المصرفية الإسلامية خلال السنوات الماضية، علاوة على الدعم القانوني والمؤسسي من الدولة، إضافة الى الموارد البشرية المؤهلة، لا سيما بعد توسُّع الجامعات التركية في استحداث أقسام للتمويل الإسلامي في الدراسات العليا، بالإضافة إلى استقرار عدد كبير من الكفاءات العربية المتخصصة على الأراضي التركية، الذين يمكنهم المساهمة في بناء الكوادر اللازمة لترسيخ أقدام هذا القطاع على المستوى العالمي.

ويعود الاهتمام التركي بالتمويل الإسلامي فضلاً عن موافقته للشريعة إلى إمكانية مساهمته في حل كثير من المشكلات الاقتصادية التركية التي برزت مؤخراً، إذ يمثل أداة مالية لشحن الفوائض المالية لدي طبقات عريضة من الجماهير الإسلامية المهمشة التي تمتلك عواطف جياشة نحو الإدارة والشعب التركي، وهو ما يمثّل رافداً جديداً من الاستثمارات الأجنبية التي يمكن أن توجّهها السلطة إلى القطاعات المستهدفة، علاوة على كون كسب ولاءات هؤلاء المساهمين يزيد القوة الناعمة للبلاد.

ويمكن كذلك أن ينقذ التمويل الإسلامي الشركات التركية المدينة للخارج والتي تستحوذ علي أكثر من 65% من الديون الخارجية التركية، والتي تفاقمت أزمة مديونيتها بعد تراجع قيمة الليرة مؤخراً، بأن تستخدم أدوات التمويل الإسلامي للتخلص الفعال من أعباء تلك الديون، عن طريق المشاركة أو المرابحة، أو أي من صيغ التمويل التي تتناسب مع طبيعة ديونها، فضلاً عن توسيع آفاق توسعاتها المستقبلية.

كما يُعَدّ التمويل الإسلامي أكثر مناسبة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني دوماً من نقص التمويل وانصراف البنوك عن تمويلها لضعف الجدارة الائتمانية، وهو ما يساهم في حل مشكلة البطالة التركية التي بلغت في عام 2020 نحو 13.2%، بعدد عاطلين بلغ 4 ملايين و61 ألف نسمة.

يمكن كذلك للتمويل الإسلامي أن يساهم في الحدّ من عجز الموازنة العامة للدولة، من خلال التوسع في استصدار الصكوك التي تموّل مشروعات البنية التحتية، وهو الأمر الذي تتخطى أهميته حدود توفير التمويل اللازم لتلك المشروعات إلى خفض عجز الموازنة وما يتبعه من زيادة الاعتماد على التمويل من خلال أدوات الدَّين المحلية، التي تُعتبر أموالاً ساخنة تلهث وراء أسعار الفائدة المرتفعة مهدّدة بعدم استقرار العملة المحلية.

كما أن للتمويل الإسلامي مجموعة مميزات خاصة تتحصل تلقائياً حين تطبيقه، إذ يعمل على التوزيع العادل للدخل والثروة وتقليل الفوارق بين الطبقات، وذلك من خلال ارتباطه الوثيق بالاقتصاد الحقيقي وتقاسم مخاطر التمويل، كما أنه يساعد على زيادة استقرار القطاع المالي، كما يمكنه أن يجذب إلى النظام المالي الرسمي أناساً مستبعَدين منه حالياً لأسباب ثقافية أو دينية، محقّقاً معدلات أعلي من الشمول المالي.

ورغم امتلاكها لمقومات التمويل الإسلامي، فلا تزال تركيا في بداية الطريق، وتحتاج إلى تعزيز الانسجام بين اللوائح التنظيمية وإنشاء مؤسسات تقدّم المعلومات الائتمانية، علاوة على تطوير منتجات أسواق رأس المال والصكوك، وتوفير مناخ تنظيمي وإشراف مصرفي ملائم، وتدعيم رأس المال البشري، علاوة على إسراع الخطى في تحقيق ذلك في ظل عالم يتصارع على اختطاف كل تلك المزايا.

(المصدر: تي آر تي TRT العربية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى