هل تعتبر المنظمات الداعمة لفقراء المسلمين جيدة بالنسبة لنا؟
ترجمة: نوضا عبد الرحمن، تحرير: المها العصفور
في الصيف الماضي، سافرت إلى هارفارد لدراسة مادة عن تطبيق التنمية المستدامة على يد أحد الأساتذة الرائدين في هذا المجال. وقد عملتُ شخصيا على دعم المشاريع التنموية للمسلمين في الشرق الأوسط، وكانت تلك المادة فرصةً لمساعدتي على إدارة هذه المشاريع. عليّ أن أعترف أن تلك المادة أعطتني أكثر بكثير مما كنت أؤمل.
أحياناً، كنتُ أجلس بصمت، أضع يداي على فمي، وأحدّق في عيون الأستاذ وهو يشرح لي بحرص كيف أساهم في إبعاد المسلمين عن الإسلام. كان الأمر جنونيًّا، أعلم هذا. لقد أتيتُ لأتعلم كيفية إدارة المشاريع التنموية، وتلبية الحاجات الأساسية للمجتمعات، وانتشالهم من براثن الفقر. لقد أتيتُ لأتعلم أموراً مثل كيفية فتح المشافي في مخيمات اللاجئين، أو توفير الماء النقي للمجتمعات الريفية، أو بناء مرافق الصرف الصحي في المناطق المدنية المكتظة، ولم آتِ لأتعلم كيفية “تمكين” المرأة، أو تشجيع المثلية الجنسية، أو محاربة القوانين التي تجرّم الزنا. لكن تلك المحاور كانت دائماً حاضرةً في كل النقاشات التي أجريناها.
في الفصول الأولى، كنا نقرأ عن أسس الاستدامة وأسس النسوية معاً، لماذا؟ تبيّن لي أن تلك المحاور لم تكن محاور مختلفة في سياق الحديث عن التنمية المستدامة. أركان التنمية المستدامة هي ثلاثة: الاقتصاد، البيئة، والمساواة. ويتمثل الهدف هنا في بناء المجتمعات بناءً اقتصادياً بطريقةٍ مستدامةٍ من الناحية البيئية مع ضمان المساواة المجتمعية. تكمن الخطورة في الركن الأخير “المساواة”. لا يمكنك أن تضمن المساواة في مجتمعٍ ما إن كانت هناك أدوار مختلفة للرجال والنساء في ذلك المجتمع، أو إن تم التعامل مع الشذوذ الجنسي بطريقة مختلفة عن العلاقات الجنسية الطبيعية، أو إن تم اعتبار الزنا مختلفاً عن الزواج. تتضمن جميع مقترحات المشاريع التنموية فصلاً خاصاً لهذا الركن الأخير. ما هي الخطة لصنع مجتمعٍ يحقق المساواة؟ كم من الموارد المالية يتم تخصيصها لذلك؟ ومن هي الأطراف المشاركة؟
الرجعيون
بين الحين والآخر، كان الأستاذ يبدي تذمّره من أولئك الرجال المسلمين الرجعيين الذين كانوا يقاومون مشاريعه في بنجلاديش حيث كان يطمح لخروج النساء جميعاً من منازلهم للعمل. لم يكن هدفه يقتصر على إنقاذهم من براثن الفقر، بل كان يريد إعادة هندسة المنطقة اجتماعياً حتى تصبح نموذجاً لـِ “باريس” في وسط بنجلاديش.
وفي أحيانٍ أخرى، كان يروي ذكرياته حين انفتحت أوغندا على المثلية الجنسية، حيث توقفت المنظمات غير الحكومية عن دعم أوغندا بملايين الدولارات المخصصة لتخفيف وطأة الفقر لتجريمها المثلية الجنسية. كانت تلك المنظمات ترغب في إبقاء المجتمعات كاملةً في فقرٍ مدقعٍ إلى أن يتم السماح علناً بممارسة الجنس الشرجي بين الرجال.
ومع اعتبار معظم الدول الإسلامية دولاً ناميةً، فإن الأموال تتدفق من المنظمات غير الحكومية حول العالم لتنمية تلك الدول. لكن كيف علينا أن نتصرف نحن المسلمين؟ لنأخذ بيل جيتس على سبيل المثال، والذي يقوم بمفرده بدعم المشاريع التنموية حول العالم بمليارات الدولارات، وقد كان تقريره الأخير واضحاً جداً بشأن تلك الأولويات: إعادة صياغة المعايير الغربية للمساواة حتى لو كان ذلك يعني تدمير الثقافة وقلب نظام القيم والدين بأكمله رأساً على عقب.
على سبيل المثال أيضاً، الاتحاد الأوروبي لديه مليارات مدّخرة لتنمية سوريا حال انتهاء النزاعات هناك، لكن ما هي شروطهم لتحويل تلك الأموال؟ توضح هذا بعض المنظمات غير الحكومية التي بدأت عملها بالفعل في سوريا:
“واجه العشرات من الأفراد أحكاماً بالجلد بسبب السرقة والاعتداء، وكذلك على أفعال لا يجب تجريمها بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. ومن تلك الأفعال حضور الاحتجاجات السلمية، والتجمعات الثقافية، وإقامة علاقات خارج إطار الزواج، وحضور حفلات مختلطة من الجنسين”. إما أن تتخلى عن دينك، أو تموت جوعاً.
بدون قيود
دراسة كل تلك الأمور في هارفارد كان بمثابة صحوة عنيفة لي. الأخلاق والتنمية ليسا منفصلين. لا يمكن للدول الغربية أن تقوم بمساعدة المجتمعات المسلمة الفقيرة بدون أن تعيد هندستها اجتماعياً بتلك الطريقة. إذاً، كيف علينا أن نتعامل مع ذلك؟ بالطبع، لا يمكن أن يُتجاهل الأمر. تتم دراسة كل مشروع على حدة لتحديد الخطوات الصحيحة لتنفيذه وفقاً للظروف المحيطة به، لكن علينا أن ندرك أن القيم الغربية التي تمثل لعنةً على الإسلام يتم تصديرها بشكلٍ مباشر ضمن كل تلك المشاريع. ولتوضيح ذلك، التنمية والأخلاق ليسا منفصلين أيضاً بالنسبة لنا نحن المسلمين، في أي موقف يتيح للمسلمين تقديم المساعدة. لكن الفرق يكمن في أن المسلمين يشجعون الناس على أن يزدادوا قرباً من الحق، بينما التنمية الليبرالية الغربية تدفعهم للباطل، والفاحشة، ولتدمير الأخلاق.
أحد النماذج المسلمة المعاصرة هو عبد الرحمن السميط رحمه الله، الطبيب الكويتي الذي قضى 29 سنة في العمل التنموي في أفريقيا. وقد اعتنق أحد عشر مليوناً الإسلام بفضل الله ثم بفضل جهوده. كما قام ببناء 5700 مسجداً، وقدم الدعم اللازم لـِ 95 ألف طالب، وكفل 15 ألف يتيم، وشيَّد 860 مدرسة، و4 جامعات، و124 مشفى، 9500 بئراً.
هذه هي النماذج التي نطمح إليها لمساعدة إخواننا وأخوتنا ممن يعانون الفقر حول العالم، وليست تلك المنظمات غير الحكومية “اللاإنسانية، اللادينية، وغير السياسية” بقيودها تلك.
(المصدر: موقع أثارة / نقلاً عن موقع muslim skeptic)