مقالات مختارة

هل الخطأ الشرعي يمكن أن يترتب عليه خير قدري ؟

بقلم خبَّاب بن مروان الحمد

هل الخطأ الشرعي يمكن أن يترتب عليه خير قدري ؟ و بافتراض اﻹمكان .. هل يلحق مقترفه اﻹثم رغم حصول الخير القدري ؟! و هل يجوز التعلل بحصول الخير القدري ﻹضفاء الصوابية على الفعل بدعوى غلبة المصلحة ؟!

الجواب:

نعم يحصل للإنسان أن يخطئ في عمل من الأعمال الشرعيّة ويكون نتيجته خيراً قدرياً.

ومن ذلك:

1) أن يعصي آدم ربّه فينتج عنه الإثم؛ فيتوب آدم، فيكون هو بعد التوبة خيراً منه قبل التوبة، كما قال تعالى : ( وعصى آدم ربّه فغوى * ثم اجتباه ربّه فتاب عليه وهدى) وكذلك عن داود قال تعالى عن داود :(فغفرنا له ذلك وإنّ له عندنا لزلفى وحسن مئاب)

2) وقد يعصي العبد ربّه؛ ويكون آثماً فإن تاب تاب الله عليه، وإن لم يتب يقضي الله عليه بعقوبة تكفر عنه بالمصائب الماحية كما قال ابن تيمية.

3) قد تكون الأخطاء تكون نعمة من الله، ويجني المرء بسببها من الفوائد ما لا يحتسب، فهي نعمة إذا قادتنا إلى الصّواب، وإذا أحسّنا التعامل معها.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ” إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا النَّارَ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَيَدْخُلُ بِهَا الْجَنَّةَ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْمَلُ الْحَسَنَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ وَيَعْجَبُ بِهَا، وَيَعْمَلُ السَّيِّئَةَ فَتَكُونُ نُصْبَ عَيْنِهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إلَيْهِ مِنْهَا ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (10/ 45).

وقال أيضا :” التَّوْبَةُ النَّصُوحُ الَّتِي يَقْبَلُهَا اللَّهُ يَرْفَعُ بِهَا صَاحِبَهَا إلَى أَعْظَمَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: ” لَوْ لَمْ تَكُنْ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ لَمَا ابْتَلَى بِالذَّنْبِ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَيْهِ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (10/ 293).

4) قد يسرق المرء طعاماً يكون سبباً لشفائه من مرض ويحصل به تقوية لجسده، لكنَّ الإثم يلحقه؛ إلاّ إن تاب تاب الله عليه؛ ولربّما يُكفّر الله عنه ذنوبه وخطأه بالمصائب الماحية.

يبقى أن أقول: أنّ الخير القدري – لا يعرفه المرء- فالله تعالى يقول: (لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير) ويقول: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فقد يكون الخير القدري عند الله تعالى غير ما نراه في أنفسنا كذلك.

إلاّ أن التعلُّل بحصور الخير القدري – الذي نراه لأنفسنا – لإضفاء الصوابية على الفعل باطل، لا لأن نتائج الخطأ كانت خيرا؛ بل لأنّ لله تعالى حكمة في تسيير الأمور، أو أن المرء استفاد من الخطأ ليفعل بعده الخير؛ لكن أن يتعلّل بحصور الخير القدري بعد المخالفة الشرعية فهذا باطل؛ بل هو دين وديدن الكفار – عافانا الله وإياكم – لهذا قال الله تعالى : ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنْ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ )) ثُمَّ تَلَا صلوات الله وسلامه عليه قول الله تبارك وتعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ وكذلك فمن كان صاحب الجنّتين ظنّ أنّ هذا الخيرالذي أعطاه الله إياه مع كفره بالله؛ لكنّه كان ذلك استدراجاً من الله له، وهكذا فقد يكون ذلك استدراج من الله تعالى للعبد وإمهال فإن أحسن في التعامل مع قضاء الله الكوني القدري بعمل شرعي ديني فقد أصاب؛ وإن لم يُحسن فقد جانب الصواب وعرّض نفسه لعقاب الله.

المصدر: صيد الفوائد.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى