هزيمة يونيو/حزيران ودورها في صناعة الشَّرق الأوسط الجديد 3من 6
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
محفِّزات اندلاع المعركة الطَّاحنة
شنَّت إسرائيل في نوفمبر من عام 1966م، عمليَّة تأديبيَّة لأهل القرى الفلسطينيَّة في الجليل لمساعدتهم وإيوائهم الفدائيين من حركة فَتَح، أملًا أن يدفع العدوان أهل تلك القرى للتوسُّل إلى الحسين بن طلال، عاهل الأردن، لكي يوقف حركة فَتَح عن أعمالها المستفزَّة لإسرائيل. تركَّزت المعركة في بلدة السَّموع في الضفَّة الغربيَّة، الخاضعة للسِّيادة الأردنيَّة حينها، وأصابت القوَّات الإسرائيليَّة أهدافها، وأسقطت عددًا كبيرًا من الجرحى، وعددًا من القتلى، كما هدمت عشرات المنازل. حينها، ثار الفلسطينيُّون وطالبوا بإسقاط الحسين، بدلًا من أن يستغيثوا به؛ “فعمَّت الاضطرابات المنطقة: من الخليل إلى القُدس إلى نابلس في الشَّمال”، وأحرق المتظاهرون صور الحسين وحطَّموا تماثيله، ممَّا أغرى جنود الفيلق العربي الأردني بإطلاق النَّار، موقعين قتلى وجرحى (ص82). افتخر قادة إسرائيل بالنَّصر المؤزَّر، وأشاروا إلى “هشاشة الفيلق العربي الأردني”، وإلى إثارة بلادهم الرَّأي العام العالمي حيال “مخاطر الإرهاب العربي” (ص84). يتغزَّل أورين في وصْف الحسين بن طلال رغم عدوانه على الفلسطينيين، موضحًا أنَّه تعرَّض لعشرات محاولات الاغتيال والانقلاب (ص85):
كان قصير القامة ذا سلوك مهذَّب، يخفي وراءه عنادًا داخليًّا وذاكرة قويَّة تمكّنه من تلافي التَّهديدات المتوالية من العربيَّة السَّعوديَّة والعراق وسوريا ومصر. وكان مقتنعًا أنَّ الإسرائيليين لم يتخلُّوا أبدًا عن حلمهم في التَّوسُّع الإقليمي على حساب الأردن. قال للسَّفير الأمريكي، فندلي بيرنز الصَّغير (Findley Burns Jr.) “إنَّهم يريدون الضَّفَّة الغربيَّة، وينتظرون فرصة سانحة للاستيلاء عليها، وسوف يستغلُّوننا ويهاجموننا”.
هل يُعدُّ توتُّر العلاقات المصريَّة-الأردنيَّة من أسباب الهزيمة؟
كأنَّما أورين أراد إدانة تلك المحاولات، والتنديد باتِّهامات إذاعة القاهرة له بالتآمر على مصر، وتآمره مع إسرائيل برفضه نشْر قوَّات عراقيَّة وسعوديَّة في الضفَّة الغربيَّة، ومحاولة الاستيلاء على سوريا بمساعدة وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة (CIA)، وأدَّى ذلك إلى وصول العلاقات المصريَّة-الأردنيَّة حينها إلى نقطة اللاعودة. شعر الحسين بالإهانة، خاصَّة مع ما كان يتمتَّع به خصمه الحالي وحليفه السَّابق، جمال عبد النَّاصر، من شعبيَّة عريضة في العالم العربي؛ نظرًا لفصاحته، وقوَّة خطاباته، حتَّى أصبحت شهرته “أسطوريَّة”، بوصفه “محرِّرًا لمصر، ومدافعًا عن العرب ضدَّ الغرب الجشع” لدرجة وصفْه بأنَّه “صلاح الدِّين في هذا العصر” (ص90). غير أنَّ عام 1967م كان يحمل لزعيم العروبة وأوَّل رئيس “مصري المولد يحكم مصر” منذ عشرات السنين، ما نال من تلك الصُّورة المبهرة وحطَّم مفهوم الصُّمود والمَنَعة أمام بطش الإمبرياليَّة الغربيَّة وذراعها الصُّهيوني؛ فقد أصبح الرَّئيس الذي شارف على الخمسين من العُمر حينها “سريع الغضب يشعر بالعظمة” (ص90). ثأرت الإذاعة الأردنيَّة للإساءة إلى الملك الحسين بن طلال، بأن أذاعت عن وجود قوَّات الطوارئ الدُّوليَّة التَّابعة للأمم المتَّحدة، وعبور السُّفن الإسرائيليَّة من مضيق تيران، الأمر الذي كان يخفيه الرَّئيس المصري عن غالبيَّة شعبه (ص91). وبرغم “شعور عبد النَّاصر بالمهانة”، رفض الزَّعيم العروبي اقتراح القائد العام للجيش، المشير عامر، بطرد قوَّات الطوارئ الدُّوليَّة من مصر، وإعادة قوَّات الجيش المصري إلى سيناء، وإعادة منْع ملاحة السُّفن الإسرائيليَّة وعبورها مضيق تيران (ص92). أمَّا عن سبب الرَّفض، فهو أنَّ تلك الإجراءات كانت بمثابة إعلان الحرب على إسرائيل، ما لم يكن في استطاعة عبد النَّاصر فعله، في ظلِّ وجود 50 ألف فرد من القوَّات المسلَّحة في اليمن (ص93). يُضاف إلى ذلك فشل الدُّول الأعضاء في القيادة العربيَّة الموحَّدة في الوفاء بالتزاماتهم؛ حتَّى أنَّ قائد القيادة الموحَّدة قال “إذا ما خُضنا الحرب في هذا التوقيت فإنَّنا سوف نخسر مزيدًا من الأرض، بدلًا من أن نهزم إسرائيل” (ص93).
“فساد” عامر من أسباب ورطة اليمن
يلقي أورين الضُّوء على دور المشير عبد الحكيم عامر، “الرَّجل النَّحيف، داكن البشرة، المعروف بالكسل وقلَّة الخبرة”، شديد القسوة مع معارضيه، في توريط مصر في “مستنقع اليمن” لسنوات، أنهكت ميزانيَّة الدَّولة وقضت على خيرة أجنادها، وعن ذلك يقول أورين (ص94-95):
بدت تلك القسوة لعبد النَّاصر في العام 1962 لدى وصول أوَّل تقارير عن فساد عامر في اليمن، ورفضه قبول المزيد من الهيمنة المدنيَّة على الجيش. وعندما حاول عبد النَّاصر تشكيل مجلس رئاسي ليشرف على الأنشطة العسكريَّة، هدَّد الضُّبَّاط الموالون لعامر بالتَّمرُّد. تراجَع عبد النَّاصر، وبدلًا من أن يحدَّ من سلطة عامر، انتهى به الأمر إلى تعزيزها. أصبح عامر الآن النَّائب الأوَّل لرئيس الجمهوريَّة المسؤول عن القوَّات المسلَّحة؛ استخدم عامر هذا المنصب لتحويل الجيش إلى إقطاعة خاصَّة به، يرفع الضُّبَّاط على أساس الولاء، وليس على أساس الشَّجاعة والبراعة، محيطًا نفسه بعصبة من “أهل الثّقة” الإمَّعات، ورفَّع نفسه كذلك إلى رتبة مشير، وهي أعلى رتبة عسكريَّة في العالم العربي.
توتَّرت علاقة عبد النَّاصر بعامر بسبب ما سبق ذِكره عن إساءة الأخير استغلال السُّلطة وقلَّة خبرته نسبيًّا وانشغاله بالأبَّهة وإمتاع الذَّات، ولم يستطع الرَّئيس المصري رفْض اقتراح المشير بإجلاء قوَّات الطَّوارئ الدُّوليَّة مباشرةً؛ فأمر بتشكيل لجنة تدرس مسألة إخراج تلك القوَّات من البلاد.
غموض الموقف السُّوري
استطاع عبد النَّاصر منْع سوريا من جرِّ المنطقة إلى مواجهة حربيَّة مع إسرائيل من خلال معاهدة الدِّفاع المشترك آنفة الذِّكر. غير أنَّ سوريا كانت تغلي من الدَّاخل، رغبةً في الرَّد على معركة السَّموع، التي وقعت في 13 نوفمبر 1966م؛ فشنَّت دبَّاباتها كيبوتز الماغور مطلع يناير 1967م، لتنشب مواجهة عسكريَّة لمدَّة أسبوع. يرى أورين أنَّ أسباب ذلك التَّصعيد كانت “غامضة غموض النِّظام السُّوري نفسه”، خاصَّةً بعد أن حملت صحيفة البعث الرَّسميَّة عنوانًا يقول “شعبنا البطل يغنِّي أغاني الحرب، توقًا لبدء المعركة النِّهائيَّة. فليس هناك من سبيل لإزالة الاحتلال سوى سحْق قواعد العدوِّ وتدمير قوَّته” (ص97). وقد يرجع ذلك الحشد السُّوري إلى تلقِّي تحذيرات في أكتوبر ونوفمبر 1966م، ثمَّ في يناير 1967م، من السُّوفييت من ضربات إسرائيليَّة محتملة بعد حشد إسرائيل العسكري على الحدود الشماليَّة، ما نفته إسرائيل حينها. اتَّهم الإسرائيليُّون السُّوريين في لجنة الهدنة المنعقدة في 25 يناير 1967م باللعب على الحبلين، بالاستمرار في الحرب الشَّعبيَّة على إسرائيل، مع محاولة إعادة المزارعين العرب إلى المناطق منزوعة السِّلاح. أيَّدت سوريا كذلك العمليَّات الفدائيَّة الفلسطينيَّة، وصرَّح نظامها الحاكم رسميًّا في 8 أبريل 1967م بقوله “إنَّ هدفنا المعروف هو تحرير فلسطين وتصفية الوجود الصُّهيوني هناك. وإنَّ جيشنا وشعبنا سوف يدعم كلَّ مقاتل عربي يعمل على استرداد فلسطين” (ص101). وأفضى هذا التأييد السُّوري العلني للعمليَّات الفدائيَّة الفلسطينيَّة، التي يصفها أورين بالاستفزازيَّة، إلى امتناع أمريكا عن “معارَضة قيام إسرائيل بالرَّد الانتقامي”، ممَّا منح الكيان الصُّهيوني ضوءً أخضر لتنفيذ هجماته تحت ذريعة الدِّفاع والرَّدع (ص102).
دخلت سوريا في صراعات دامية متكرِّرة مع إسرائيل في الأشهر الأولى من عام 1967م، بسبب دفاع الأولى عن الفدائيين الفلسطينيين في هجماتهم على المستوطنات الإسرائيليَّة. وقد نشبت معركة عنيفة في محيط هضبة الجولان، بواسطة قوَّات الدِّفاع الجويِّ، لقيت فيها سوريا ضربة قويَّة لتفوُّق إسرائيل عليها، ممَّا عظَّم من الثِّقة الإسرائيليَّة في قدراتها الحربيَّة، وهذا ما أثبتته أحداث 7 أبريل 1967م، بإسقاط 6 طائرات سوريَّة من طراز ميغ 21، لتكون تلك الهزيمة العربيَّة الثانية في 6 أشهر، بعد انتصار إسرائيل في معركة السَّموع في نوفمبر 1966م. الملفت أنَّ الجانب المصري التزم الصَّمت، حتَّى صرَّح عبد النَّاصر بأنَّ هدف تلك المعركة صرْف الأنظار عن حرب اليمن، نافيًا أن تكون هزيمة سوريا دليلًا على التفوُّق العسكري الإسرائيلي، ومضيفًا إنَّ “الجولان تقع خارج مدى مصر” (ص105). لم يلتزم السُّوريُّون بما وعدوا به محمَّد صدقي سليمان، رئيس وزراء مصر، وصدقي محمود، قائد القوَّات الجوِّيَّة المصريَّة، اللذين أرسلهما عبد النَّاصر لإقناعهم بضرورة إيقاف تحرُّكاتهم الاستفزازيَّة، بل ورفضوا طلب الزَّائرين بإرسال طائرات نفَّاثة قرب دمشق، بينما حصلوا على وعْد منهما بالمساعدة إذا ما اندلعت الحرب (ص105). وُضعت خطَّة للمعركة، وقد نشر عنها سليمان مظهر في كتابه اعترافات قادة حرب يونيو (1998م، ص107-108)، وكتاب الانفجار لمحمَّد حسنين هيكل (1990م، ص434)، ونقل عنهما أورين تفاصيلها كالتَّالي (ص105-106):
وبموجب الخطَّة الَّتي أُعطيت اسمًا رمزيًّا هو “رشيد”، تقوم الدَّولتان بهجوم متزامن على إسرائيلـ سوريا تضرب الشَّمال ومصر تضرب الجنوب والوسط، ثمَّ تتقدَّم القوَّات السُّوريَّة عبر الجليل إلى حيفا. وهنا، في معرض الأنشطة الأرضيَّة، رسم المصريون خطًّا. إذا قال صدقي محمود لعبد النَّاصر لدى عودته: “كلُّ ما قلته للسُّوريين هو أنَّه في حال قيام إسرائيل بحشد قوَّات على حدودهم، فإنّي سأرفع جاهزيَّة الطَّيران ومستوى نشاطه في سيناء وجنوب إسرائيل لتقييد حريَّة الجزء الأكبر من سلاح الجو الإسرائيلي…لم نتحدَّث أبدًا عن تحريك قوَّات مصريَّة إلى داخل سيناء”.
جدير بالذِّكر في هذا الصَّدد أنَّ الملك الحسين بن طلال استغلَّ الموقف في نشر دعاية سلبيَّة عن عبد النَّاصر، العاجز عن صدِّ العدوان الإسرائيلي المتكرِّر، إلَّا أنَّ الحسين حرص على تبرئة ساحته بدعوة محمود رياض، وزير الخارجيَّة المصري الذي كان على معرفة سابقة به، إلى الأردن في 28 أبريل 1967م. كانت رسالة الحسين بن طلال لمحمود رياض باختصار هي “كانت سورية تنصب فخًّا بتسخين الحدود لدرجة تدفع فيها مصر إلى التدخُّل. وأنَّ حربًا كانت قادمة يسقط فيها عبد النَّاصر وتُدمَّر الأردن” (ص107). اشترط العاهل الأردني، قبل الموافقة على نشْر قوَّات عراقيَّة وسعوديَّة في الضفَّة الغربيَّة الخاضعة لسيادته حينها، أن يجلي عبد النَّاصر قوَّات الطَّوارئ الأمميَّة ويعيد جيشه إلى سيناء.
أجواء ما قبل 5 يونيو 1967م
يعلِّق أورين بمقولة في غاية الأهميَّة، وهي “استمَّرت العلاقات بين الحُكَّام العرب بالتَّدهور، وكذلك الأمر فيما يتعلَّق بالوضع على حدود إسرائيل”، في إشارة ضمنيَّة إلى أنَّ الخلاف العربي-العربي، خاصَّة لو كان متعمَّدًا، من أهمِّ أسباب الهزيمة المنكَرة التي مُنيت بها الجيوش العربيَّة (ص107). تواصل تصعيد الفدائيِّين الفلسطينيين، المنتمين إلى حركة فَتَح، بمباركة القيادة البعثيَّة في سوريا ومباركتها، وتعدَّد جهات إطلاق النَّار، لتشمل الحدود السُّوريَّة والأردنيَّة واللبنانيَّة لإسرائيل. كانت ذروة الاستفزاز من الجانبين، العربي والإسرائيلي، بإطلاق القذائف من لبنان على كيبوتس المنارة في 5 مايو 1967م، لتواصل إسرائيل حينها حرْث الأراضي منزوعة السِّلاح، في ردِّ على الاستفزاز السُّوري المتمثِّل في إطلاق النَّار على الحارثين. من جانبه، حرص أبا إيبان، سفير إسرائيل لدى الولايات المتَّحدة، على تقديم شكوى لمجلس الأمن في 15 مايو 1967م، برَّر فيه الرَّدُّ الإسرائيلي على “الاستفزاز” السُّوري، قائلًا “ما من أحد ذي ضمير عالمي سليم وإلَّا وسوف يتعاطف مع عجْز إسرائيل عن ترويض نفسها على إرسال الإرهابيين من سوريا” (ص109). إثر ذلك، كلَّفت الحكومة الجيش بشنِّ حرب انتقاميَّة لردع النِّظام البعثي وتأديبه، ولكن في نطاق محدود؛ خشية إثارة غضب السُّوفييت، حليف سوريا ومصر حينها. وواصل النِّظام السُّوري تصريحاته النَّاريَّة، بأن هدَّد نور الدِّين الأتاسي، الرَّئيس السُّوري (فبراير 1966م-نوفمبر 1970م) والأمين العام للقيادة القوميَّة لحزب البعث العربي الاشتراكي (مارس 1966م-نوفمبر 1970م)، بتدمير الأسطول السَّادس الأمريكي، إذا ما تدخَّل لصالح إسرائيل في حالة نشوب حرب؛ فأعلنت الخارجيَّة الأمريكيَّة حيادية الأسطول الأمريكي وقت الحرب، إذا ما اشتعلت.
الاستعداد المصري للمعركة المرتقبة
ينقل أورين مفارقة، هي أنَّ الجانب المصري “لم يساور] ه […أدنى شكٌّ في أنَّ كارثة وشيكة سوف تقع” (ص116). يروى أورين عن تلقِّي أنور السَّادات، رئيس مجلس الأمَّة حينها ورئيس مصر لاحقًا (أكتوبر 1970م-أكتوبر 1981م)، تحذيرًا من السُّوفييت، خلال زيارة غير رسميَّة له إلى منغوليا وكوريا الشَّماليَّة بدأها يوم 25 أبريل 1967م، من حشود إسرائيليَّة قد تتطوَّر إلى عدوان شامل. وعن تناقُض أهداف تحذيرات الكرملين تلك، يقوم المؤرِّخ الإسرائيلي (ص118):
لقد لوحظ أنَّ تلك التَّحذيرات كانت تعكس انقسامات عميقة في قيادة الكرملين، والمفاهيم المختلفة للمصالح السُّوفياتيَّة في الشَّرق الأوسط-في منتصف الطَّريق بين تلافي جميع الصّدامات في المنطقة وإغراقها في حرب. كان السُّوفيات الَّذين توقَّعوا تمامًا قيام إسرائيل بعمل انتقامي ضدَّ سوريا، يسعون لمنع نشوب حرب من نتائجها المحتملة هزيمة العرب، وحدوث مواجهة بين القوى العظمى. ومع ذلك كانوا يسعون في الوقت نفسه إبقاء المنطقة في حالة توتُّر لتذكير العرب بحاجتهم إلى مساعدة السُّوفيات. ومن هنا كان التَّأكيد على دور مصر في ردْع الإسرائيليين، ومن هنا كان ذكْر عشرة ألوية أو اثني عشر لواء إسرائيليًّا محتشدة على الحدود.
كما يروي أورين، هرع السَّادات بعد عودته إلى مصر في 14 مايو 1967م، إلى منزل عبد النَّاصر، ليجده يناقش مع المشير عامر، القائد العام للجيش، تقريرًا سوفييتيًّا يتناول التحذير ذاته. وقد وصلت إلى القاهرة من دمشق رسالة تقول (ص119):
“لقد علمنا من مصدر موثوق أنَّ أوَّلًا: إسرائيل قد حشدت معظم احتياطيها. وثانيًا: ركَّزت معظم قوَّاتها على الحدود السُّوريَّة، وتُقدَّر بـ 15 لواء. وثالثًا: يخطّط الإسرائيليون بهجوم واسع النّطاق على سورية، بما في ذلك إنزال مظلّي، وذلك فيما بين 15 و22 مايو (أيار).”
ومن جانبه، أشار عامر إلى اطِّلاعه على صور تؤكد وجود تلك الحشود الإسرائيليَّة، كما أورد سليمان مظهر في كتابه اعترافات قادة حرب يونيو (1998م، ص109-110). تحتَّم على الإدارة المصريَّة حينها اتِّخاذ التَّدابير اللازمة لمواجهة التهديد، بعد ألَّم يكن ممكنًا مواصلة تجاهله، وكان أوَّل تلك التَّدابير مناقشة موقف الجيش المصري من أيِّ عدوان محتمل على سوريا في خلال ساعات من اجتماع الرَّئيس والمشير، ودراسة إمكانيَّة إجلاء قوَّات الطَّوارئ التَّابعة للأمم المتَّحدة عن سيناء في أقرب وقت. يسلِّط أورين تركيزه على تأثير “الأزمة الاقتصاديَّة” التي عانت منها مصر وقتها على الجيش، مشيرًا إلى أنَّ المشكلة لم تكن ماليَّة وفقط؛ “إذ كانت المناصب العليا توزَّع على أساس القرابة الأسريَّة أو الرَّوابط السِّياسيَّة، وليس على أساس الاستحقاق والميزات” (ص119-120). يضيف أورين أنَّ عبد النَّاصر كان يعارض خوض معركة في مواجهة إسرائيل في واقع الأمر، علمًا منه بـ “عيوب الجيش”، لكنَّه، مع ذلك، ذكر في خطابه أمام طلَّاب كليَّة الحقوق في جامعة الإسكندريَّة في 10 مايو 1967م “نريد أن نقاتل من أجل تحرير فلسطين واستردادها” (ص120). برغم دراية عبد النَّاصر بحقيقة حالة الجيش، كما ينقل أورين، فمن الواضح أنَّ قادة الجيش عكسوا له صورة مغايرة لتلك الحقيقة صوَّرت له قدرة البلاد على سحْق العدوان الإسرائيلي. ينقل أورين عن صدقي محمود، قائد القوَّات الجوِّيَّة المصريَّة، قوله “إنَّ نظام الإنذار والدِّفاع الجوِّي لدينا قادر على اكتشاف أيِّ هجوم جويٍّ معادٍ وتدميره، مهما كان عدد الطَّائرات المشتركة فيه، ومهما كان الاتِّجاه الذي تأتي منه. وبفضل مظلَّة الصَّواريخ الرُّوسيَّة، فإنَّ المدرَّعات المصريَّة تستطيع التقدُّم دون إعاقة”، كما جاء في كتاب اعترافات قادة حرب يونيو (1998م) لسليمان مظهر (ص90 و231).
ينقل أورين كذلك ما أورده سمير مطاوع في كتابه الأردن في حرب 1967 (1987م، ص96) تصريح المشير عامر عن قدرات الجيش المصري على التصدِّي لإسرائيل “ليست قوَّاتنا المسلَّحة بقادرة على صدِّ إسرائيل فحسب، بل هي قادرة أيضًا على التوجُّه شرقًا، وتستطيع مصر أن توطِّد موقعًا تفرض منه شروطها السِّياسيَّة وتجبر إسرائيل على احترام الحقوق العربيَّة والفلسطينيَّة“. يرى أورين كذلك أنَّ عجز مصر عن مواجهة إسرائيل في مواجهة حربيَّة كان يعني تساقُط كافَّة الأنظمة التقدُّميَّة في العالم العربي، مضيفًا أنَّ المشكلة لم تكمن في تراجُع الإمكانات المصريَّة فحسب، إنَّما في توتُّر علاقة الرَّئيس عبد النَّاصر بالمشير عامر، بعد ما أشيع عن سعي الأخير تعظيم سُلطاته، وربَّما الوصول إلى مركز القيادة في البلاد، وكأنَّما أراد المؤرِّخ الإسرائيلي التَّلميح إلى أنَّ عامر ربَّما اتَّخذ موقفًا للنَّيل من هيبة الرَّئيس ومكانته لمصلحته الشخصيَّة، وإن أسفر عن ذلك ضررٌ. قرَّر عبد النَّاصر أخيرًا إجلاء قوَّات الطوارئ التَّابعة للأمم المتَّحدة عن سيناء واستبدالهم بجنود من الجيش المصري، لكنَّ إرسال الجنود المصريين، بدلًا من أن يتمَّ في هدوء ودون إعلان صريح، تمَّ التحرُّك علنًا، وكأنَّما أراد عبد النَّاصر إرسال رسالة مزدوجة، عن عدم نيَّة مصر شنِّ عدوان على إسرائيل، مع استعدادها لمواجهة أي عدوان على سوريا. ازدادت الأمور تعقيدًا بإرسال الجنود إلى “مواقع تجمُّع لم تكن قد أُنشأت من قبل أبدًا”، ودون توضيح طبيعة مهمَّة هؤلاء الجنود (ص125).
الأوضاع تزداد تأزُّمًا
كان قادة إسرائيل يراقبون التحرُّك المصري باهتمام بالغ، وشعروا بالاطمئنان عند معرفة أنَّ “الفرقة المدرَّعة الرَّابعة، أفضل الفرق المصريَّة”، كانت لم تزل في القاهرة، خاصَّةً وأنَّ هؤلاء القادة لم يتركوا وسيلة للاتصال بعبد النَّاصر إلَّا واستخدموها في سبيل توعيته بحقيقة عدم نيَّتهم خوض حرب، وكذلك “لتحذيره من خدعة سوريَّة” (ص131). حرص قادة الجيش الإسرائيلي على التَّحذير من خطورة تكرار هجمات الجماعات الفدائيَّة الفلسطينيَّة، بدعم القيادة البعثيَّة العلويَّة السُّوريَّة، خشية حدوث “الانفجار الرَّهيب المحتمل” (ص131). وبرغم تكتُّم القيادة المصريَّة الرَّسميَّة حول نيَّة خوض حرب مع إسرائيل، صرَّحت إذاعة مصر بأنَّ القوَّات المسلَّحة على أتمِّ الاستعداد للحرب، تزامنًا مع تصريح عبد النَّاصر ذاته القائل “أيُّها الإخوة، من واجبنا أن نعدَّ أنفسنا للمعركة النهائيَّة في فلسطين” (ص132). لم يختلف الوضع في سوريا، فقد تردَّدت عبارات طنَّانة عن الاستعداد لحرب ستكتب نهاية الكيان الصُّهيوني، وكانت النَّغمة السَّائدة “لن تنتهي حرب التَّحرير إلَّا بإزالة إسرائيل” (ص133). ينقل أورين حيرة قادة الجيش الإسرائيلي حيال نيَّة تمركُز قوَّات مصريَّة في سيناء، برغم اتِّخاذها وضعًا دفاعيًّا، وليس هجوميًّا، ولعلَّ تمركُز 10 آلاف جندي، وفق تقديراتها، في غزَّة من أسباب الاعتقاد في نيَّة الجيوش العربيَّة الهجوم على إسرائيل. يضيف المؤرِّخ الإسرائيلي أنَّ إسحق رابين، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حينها وربيب منظَّمة الهاجاناه المسلَّحة، هو الذي أصرَّ على الحشد الإسرائيلي في 17 مايو 1967م، بنقل قوَّات إلى الحدود الجنوبيَّة وتعزيز الدِّفاعات الجويَّة حول مفاعل ديمونة، مع استدعاء لواءين على الأقل من ألوية الجيش.
أراد الرَّئيس عبد النَّاصر التثبُّت من صحَّة المزاعم السُّوريَّة حول الحشود الإسرائيليَّة على حدودها، فأرسل الفريق محمَّد فوزي، زميل دراسته ورئيس الأكاديميَّة العسكريَّة المصريَّة ثمَّ رئيس هيئة الأركان العامَّة، إلى سوريا لاستطلاع الأحوال. كانت نتيجة زيارة الفريق فوزي عدم ملاحظته ما يتَّفق مع مزاعم سوريا بتعرُّضها لأعمال استفزازيَّة، كما لم يلاحظ وجود حشود إسرائيليَّة على الحدود الجنوبيَّة لسوريا (ص134):
هناك أمر واحج يجده فوزي هو دليل على تحرُّكات غير عاديَّة للجيش الإسرائيلي. التقى مع رئيس الأركان السُّوري أحمد سويداني ودرسا بصورة دقيقة الصُّور الجويَّة الَّتي التُقطت لمنطقة الحدود في اليوم السّابق. ثمَّ قام بمسح المنطقة بنفسه على متن طائرة خاصَّة. لم يشاهد ما يدلًّ على وجود حشود لجيش الدّفاع الإسرائيلي في أيّ مكان، حتَّى إنَّ الجيش السُّوري لم يكن مستنفرًا.
قدَّم الفريق محمَّد فوزي تقريرًا بذلك إلى الرَّئيس جمال عبد النَّاصر، أيَّده تقرير آخر للفريق محمَّد أحمد صادق، رئيس المخابرات العسكريَّة المصريَّة، ذكر فيه، بناءً على معلومات من عرب إسرائيليين وجَّههم لاستكشاف الجليل الشَّمالي، عدم وجود أيِّ حشود عسكريَّة في تلك المنطقة، مضيفًا “ليس هناك أيُّ تعليل استراتيجي لمثل هذه الحشود” (ص135). مع ثبوت عدم صحَّة التقرير السوفييتي والمزاعم السُّوريَّة حول الحشد الإسرائيلي، لم يتغيَّر موقف الرَّئيس عبد النَّاصر، الذي ظلَّ “يتابع الأمور وكأنَّ الإسرائيليين كانوا، حقًّا، على وشك الهجوم”؛ وكذلك لم يتغيَّر موقف المشير عامر، الذي واصل الاستعدادات للحرب (ص135). أثار الأمر الفريق محمَّد فوزي، الذي نقل في مذكِّراته اعتقاده أنَّ المشير عامر استغلَّ الأمر لتوسيع سُلطاته، وكأنَّما كان يرتِّب لأمر ما مستقبلًا بناءً على نتائج الحرب. لم يتزحزح عامر عن موقفه، برغم تحذيرات جاءته في الأشهر السابقة على حرب الأيَّام الستَّة، من بينها صعوبة خوض الجيش معارك مع استمرار وجود أعداد كبيرة من أفراده في اليمن، بالإضافة إلى عجز الميزانيَّة المخصَّصة للدفاع عن سيناء.
كان من بين الخطوات الأوَّليَّة لإتمام الحشد العسكري في سيناء إخطار الأمم المتَّحدة برغبة الجمهوريَّة العربيَّة المتَّحدة-مصر-في رحيل قوَّات الطوارئ الدُّوليَّة التَّابعة للأمم المتَّحدة؛ كون مصر “بسطت سُلطانها على سيناء” (ص151). أثار الأمر مخاوف إسرائيل، ليطلب سفيرها لدى أمريكا، أبا إيبان، “ضمانات أمريكيَّة” للحفاظ على أمن بلاده، وجاء في نصِّ طلبه “إنَّ إسرائيل، إمَّا أن تطلق النَّار أو تطلق الصَّرخات، ولكن من المستحيل سياسيًّا أن تبقى هادئة تجاه الإرهاب. وإذا كانت الولايات المتَّحدة تعتقد بأنَّ إسرائيل الهادئة تستحقُّ الصِّيانة، فعليها أن تتَّخذ خطوات لتصدق أنَّها ملتزمة حقًّا” (ص157). وكما ينقل أورين، لم تُلبِّ أمريكا توسُّلات إسرائيل بالحماية، وكانت وعودها بالدَّعم باهتة. تبريرًا لاستعداد إسرائيل لخوض الحرب والإعداد لها، يقول أورين “سعت إسرائيل للحصول على ما يطمئنها عبثًا، واستمرَّ الحشد المصري” (ص158). ازداد الموقف الإسرائيلي حرجًا بعد أن أعلن وزير الشُّؤون الدِّينيَّة المصري الجهاد لتحرير فلسطين، وصرَّح المشير عامر أنَّ “يمكن القيام بردٍّ انتقامي كبير ضدَّ أيِّ عدوان إسرائيلي”، ليصرِّح حافظ الأسد بدوره “آن الأوان لأخذ زمام المبادرة في تدمير الوجود الصُّهيوني في العالم العربي” (ص158).
استعداد إسرائيل للمواجهة
يواصل أورين تصوير إسرائيل بوصفها كيان مسالم، تعرَّض لتحدٍّ بالغ الخطورة من جيرانه، أجبره على الحشد العسكري، دفاعًا عن سلامة أراضيه، وليس سعيًا إلى ضمِّ أراضٍ جديدة لسيادته. تذكيرًا بما سبق طرحه، بدأ الحشد المصري-السُّوري للحرب بناءً على معلومات ثبت عدم صحَّتها عن حشد إسرائيل على حدودها مع سوريا بهدف الهجوم عليها، لتدخل مصر على خطِّ الأزمة بدافع من اتفاق للدِّفاع المشترك مع سوريا، زميلتها في عضويَّة القيادة العربيَّة المشتركة. بإجلاء قوَّات الطوارئ الدُّوليَّة التَّابعة للأمم المتَّحدة من سيناء وتقدُّم الجيش المصري إليها، بدت مصر وكأنَّها بادرت بإعلان الاستعداد للحرب، ما استوجب التصدِّي الإسرائيلي لذلك التحدِّي الكبير، وإلَّا فقدت ضحَّت إسرائيل “بكثير من قوَّتها الرَّادعة” (ص160). ويصف أورين موقف إسحق رابين، رئيس الأركان، من تقاعُس القوى العظمى عن نُصرة بلاده كالتَّالي (ص160):
قال رئيس الأركان لجنرالاته في 19 مايو مشيرًا إلى عزلة إسرائيل دبلوماسيًّا وعسكريًّا: “لقد حان الوقت لندرك أنَّ ما من أحد سيهب لإنقاذنا. فالسياسيون مقتنعون بأنَّهم قادرون على حلّ المشكلات دبلوماسيًّا. وعلينا أن نمكّنهم من استنفاد أيّ بديل للحرب، رغم أنَّني أري أنَّه ما من سبيل لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه. فإذا ما حاصر المصريون المضايق، فلن يكون هناك بديل عن الحرب. وإذا نشبت الحرب، لابد لما من القتال على جبهتين”. وأشار إلى أنَّ إسرائيل لا تملك وسائل دفاع عن سواحلها المأهولة بكثافة، أو عن نفسها ضدَّ أسلحة كيماويَّة.
أمَّا عن شرارة الحرب، فقد صرَّح ليفي إشكول، رئيس وزراء إسرائيل، في خطابه لمجلس الوزراء في 21 مايو من عام 1967م، بأنَّ إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيليَّة أو قصف مفاعل ديمونة النَّووي سيكن بمثابة إعلان للحرب. المفارقة أنَّ عبد النَّاصر، كما يروي أورين، كان مجتمعًا مساء 21 مايو ذاته، مع قادته، وعلى رأسهم المشير عامر، وأثار مسألة ضرورة إغلاق مضيق تيران، وكان عامر من أشدِّ المتحمِّسين لذلك، ليسأل عبد النَّاصر عن مدى جهوزيَّة الجيش (ص166):
قال عبد النَّاصر لكبار قادته العسكريين والمدنيين في لقاء معهم في بيته منتصف الليل في 21 مايو (أيار): “إذا كان طرد قوَّات الطَّوارئ الدُّوليَّة زاد من فرصة نشوب الحرب إلى 20% فإنَّ إغلاق مضائق تيران سوف يرفع ذلك الاحتمال إلى أكثر من 50%. والسُّؤال هو هل الجيش مستعد؟!”.
وجاء الرَّدُّ بدون تردُّد من عامر الَّذي قال: “برقبتي، الجيش مستعد للوضع دفاعيًّا وهجوميًّا”. فطالما أنَّ إسرائيل ستهاجم المضائق على أيَّة حال، فإنَّ مصر لا تخسر شيئًا بإغلاقها؛ هكذا شرح المشير الأمر. أمَّ الفشل في إغلاقها، من جهة أخرى، فيعد عارًا على مصر.
واعتُبر قرار عبد النَّاصر في اليوم التَّالي، 22 مايو 1967م، خلال اجتماعه بمجموعة من طيَّاريه في قاعدة أبو سوير الجويَّة، منع السُّفن التي تحمل العلم الإسرائيلي من المرور في خليج العقبة، بمثابة إعلان حرب، خاصَّة وأنَّ ذكر في خطابه “هدَّد اليهود بالحرب، ونحن نقول لهم أهلًا وسهلًا، نحن مستعدُّون للحرب” (ص167). وتردَّدت عبارة “أهلًا وسهلًا” في شوارع العالم العربي، وابتهجت الجماهير بالاستعداد للقضاء على الكيان الصُّهيوني، كما وعد زعماء العرب (ص168):
ساد الابتهاج الوطن العرب كلَّه حيث تردد عبارة “أهلًا وسهلًا”. غمرت شوارع القُدس والخليل وبغداد وطرابلس مظاهرات جماهيريَّة مهللة لعمل مصر. وفُعلَّت القوَّات المسلَّحة في كلّ من لبنان والكويت والسَّعوديَّة. وذكر أنَّ أرتالًا عراقيَّة مسلَّحة تحرَّكت نحو الحدود السُّوريَّة والأردنيَّة “لتشارك في معركة الشَّرق”. لبس الملك حسين زيًّا عسكريًّا واستعرض وحدات الفيلق العربي من بينها دبَّابات أمريكيَّة، من المفترض أن تعبر نهر الأردن، وهي تشير في اتّجاه الضَّفَّة الغربيَّة.
نما إلى علم قادة إسرائيل حشد مصر قوَّاتها في مدينة شرم الشَّيخ، المطلَّة على مضيق تيران في البحر الأحمر، ونصْب مدافع ثقيلة هناك، تزامنًا مع حشد سوريا لقوَّاتها على هضبة الجولان؛ ومع ذلك، ظلَّ ليفي إشكول يرفض إجراء ضربة استباقيَّة. أمَّا عن سبب الرَّفض، فكان خوفه من تعريض شمال إسرائيل إلى القصف السُّوري، إذا ما ضربت هي مصر، هذا إلى جانب رفض الرَّئيس الأمريكي جونسون العنف، على حدِّ وصْف أورين. بذل إسحق رابين جهدًا مضنيًا في الاجتماع الثَّاني للجنة الدِّفاع الوزاريَّة لإقناع قادة إسرائيل بضرورة استباق العدو في الضَّرب، بدايةً بمصر، معترفًا بفداحة الأضرار “إلى أن تستطيع القوَّة الجويَّة الالتفات إلى الشَّمال”، يقصد جهة سوريا (ص175). المثير للاهتمام أنَّ ذلك الاجتماع أثار مسألة التفوُّق العربي على إسرائيل “في المدرَّعات والطيران بنسبة ثلاثة-إلى-واحد”، ممَّا دفع بعض الحاضرين إلى اقتراح تأجيل المواجهة إلى ما بعد تحصيل إسرائيل مزيدًا من السِّلاح (ص176). ينقل أورين انهيار إسحق رابين من شدَّة التهديد المصري بضرب إيلات، وطمأنة عيزر وايزمان، قائد سلاح الجوِّ ورئيس قسم العمليَّات، لرابين من خلال توسيع نطاق خطَّة الحرب، لتشمل “تدمير السِّلاح الجوِّي المصري واحتلال غزَّة” و “تقدُّم القوَّات الإسرائيليَّة غربًا إلى العريش” ثم “باتِّجاه القناة” إذا سمحت الظُّروف (ص180).
(المصدر: رسالة بوست)