مقالاتمقالات مختارة

نماذج وأمثلة من انتحالات الغرب للمنجزات العلمية الحضارية الإسلامية والعربية

بقلم عايض بن سعد الدوسري

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

‏كنتُ قديمًا، في عام ٢٠٠٠م، جمعت ورقة علمية عن الأعمال الحضارية والعلمية التي قدمتها الحضارة الإسلامية العربية، وقام الغرب بانتحالها، ‏أو نسبتها لغير المسلمين والعرب بعد أن عجزوا عن نسبتها للغرب. وكانت الورقة معتمدة على كلام علماء الغرب أنفسهم خصوصًا من المنصفين منهم.

‏وقد نشرتُ بعضًا من تلك الورقة العلمية في عام ٢٠٠١م، وأنا هنا أنشر بعضها في هذه المقالة  لتعميم الفائدة، وللوقوف على تلك النماذج والأمثلة.

تقول المستشرقة الألمانية، زغريد هونكه، مرشحة جائزة نوبل:

إن إنجازات علماء العرب من أطباء وكيمائيين ورياضيين وفلكيين، كل هذا هطل على أوروبا كالغيث على الأرض الميتة فأحياها قرونًا، وخصبها إبان ذلك من نواحي متعددة، لقد شق على الغرب دائمًا أن يعترف بالأحقية العربية في الوضع والتأليف والابتكار، وظل حتى عهد ليس بالبعيد يبذل كل طاقاته لدفع ذلك وتفنيده“.

فهناك الكثير من المخترعات والمنجزات في الطب والصيدلة والكيمياء والفيزياء والحساب والفلك وغيرها قد نسبت لغير أصحابها المسلمين الحقيقيين!

‏فمن الأمثلة: نسب الغرب للجراح الفرنسي أمبرواز باري أنه هو أول من قام بإيقاف نزف الأوعية الدموية الكبرى عام 1552م. ولكن الحقيقة غير ذلك!

‏حيث إن هذا السبق كان من نصيب الطبيب العربي أبو القاسم الزهراوي عام 1013م! وليس هذا هو أول عمل وانجاز له يسطو عليه الغرب، بل الكثير منها!

‏فأبو القاسم هو أول من نصح بوضع التدلي أثناء التوليد hangelage، ولكن الغرب نسب ذلك للألماني فالخر، وصار يعرف هذا السبق العلمي باسم: ‏التدلي الفالخريwalcher lage

أيضًا كان مما نصح به الزهراوي وضع في إجراء الجراحة في تجويف أسفل السرة بحيث يرفع الحوض والعجيزة والقدمان. ‏لكنَّ الغرب انتحل هذا السبق ونسبه إلى الألماني فريدرش ترندلبرج، حوالي سنة 1900م، وُسمي باسم: الوضع الترندلبرجي! trendelberg friedrich

‏بل إن تشخيص الزهراوي لمرض الفِقر والمفاصل نسب لبرسيفال بوت سنة 1700م وخلده تاريخ الطب الغربي والعالمي باسم البلاء البوتي!  percival pott

‏أما اكتشاف الدورة الدموية، ذلك الاكتشاف العظيم والكبير، فلم يرض الغرب بأن ينسب الفضل فيه إلى عالمٍ مسلمٍ وعربي، بل نسبه لشخص غربي!

‏ولذلك نسب الغرب هذا الإنجاز والاكتشاف العلمي إلى الأسباني ميكائيل سرفت 1553م، والإنجليزي ويليام هارفي 1616م!

‏ولكن الحقيقة أن الفضل في اكتشاف الدورة الدموية تعود إلى العالم المسلم الشهير ابن النفيس الدمشقي، رئيس أطباء مستشفى الناصر سنة 1260م!

بل يصدم المنصف وهو يجد أن كلمات الغربي ميكائيل سرفت هي بحد ذاتها كلمات الطبيب المسلم ابن النفيس، وبينهما ثلاثمائة سنة!

‏وإذا غادرنا المكتشفات الطبية إلى غيرها، وجدنا الأمر نفسه الذي حصل في المجال الطبي يحصل في المجالات العلمية الأخرى المختلفة والمتنوعة!

‏فلقد ألحت كتب التاريخ الغربية على نسبة اختراع البوصلة للإيطالي فلافيو جويا عام 1302م، والحقيقة غير ذلك تمامًا.

‏إنَّ المخترع الحقيقي للبوصلة هو العالم المشهور جابر بن حيان، وقد أجرى تجاربه على البوصلة في القرن الثامن الميلادي، أي قبله بعدة قرون!

‏ولما صعب عليهم إثبات نسبتها لذلك الغربي، حاول بعض الغربيين -لشيء في أنفسهم- أن ينسب الاختراع للصينيين، “تشفيًا بالغريم القديم بالعرب“!

‏والمؤرخون الصينيون أنفسهم قد نَصّوا على أن العرب منذ القرن التاسع الميلادي خاضوا المحيط بسفنهم في ظلام الليل.

‏وقد اتخذ العرب في البوصلة عام (854 م) في رحلاتهم البحرية تلك، وذلك قبل الإيطالي فلافيو جويا بنحو خمسمائة عام !

كذلك عزَّ على الغرب أن يعترف بأن العرب والمسلمين هم مخترعو البارود، ولذلك أوجدوا شخصًا غربياً ينسبون له ذلك الاختراع الكبير والحاسم!

‏ذلك الشخص الغربي هو الراهب الألماني برتهولد شفارتز في عام 1359ميلادية. ولكن الحقيقة ُتكذب ذلك، وتثبت أن المسلمين هم من اخترعه.

‏فالعرب هم المخترعون الحقيقيون للبارود، وقد استخدموه في حروبهم ضد الأسبان سنة 1325م وما بعدها، وقد استخدموه أيضًا قبل ذلك في سنة 1219 م. وذلك في حرب المسلمين ضد ملك فرنسا الملك لويس التاسع، حينما استرد الملك الكامل الأيوبي مدينة دمياط!

‏ولما عسر على الغربيين إثبات نسبة ذلك لهم، قام بعض الأوروبيين بعد أن كَبُر عليه أن ينسب هذا الفضل للمسلمين والعرب بنسبة الاختراع للصينيين!

وهذا تزوير، فالصينيون أنفسهم لم يستخدموا البارود في حربهم المصيرية الفاصلة ضد جيوش المغول المهولة والمرعبة سنة 1232 ميلادية!

‏بل راح الصينيون يرمون المغول بالسهام المشتعلة رؤوسها لإشعال الحرائق فحسب، ولم يستخدموا سلاح البارود، لأنهم يجهلون ذلك.

‏بل المغول طلبوا من السلطان المسلم سنة 1270م أن يمده بمهندسين من دمشق وبعلبك ليستخدم البارود في حربه مع الصين، وبالفعل زوده السلطان بذلك.

‏لقد مرت قرون على أمتنا الإسلامية كانت الأمة الرائدة في مجالي العلم والإيمان، وكانت بقية الأمم تتتلمذ على يدها وتنهل من خيراتها العميمة.

من يجهل الشيء لا شك يجهل قيمته، والمسلم اليوم يجهل حقيقة ماضيه وتاريخه المشرق بالعلم والإيمان معا، والذي يجهل الشيء لا يمكن أن يعتز به.

‏إن الغرب الذي انتحال هذه المخترعات والمنجزات، نسبها لعلماء غربيين بعضهم وهميين، في عصر كان الغرب فيه في قمة التخلف والجهل والهنجية!

يقول د. عبدالرحمن بدوي: “شعوب أوروبا كانت آنذاك بدائية أولية متوحشة في معظم احوالها، وكانت أوروبا قد انقطعت صلتها نهائيًا -أو على نحو شبه نهائي-  بالتراث اليوناني”.

و تقول جاكلين روس: “تغطي أفكار القرون الوسطى ألف عام من التاريخ، من القرن الخامس حتى القرن الخامس عشر، ظلت حقبة الألف سنة من تاريخ الأفكار عرضة للاحتقار طيلة قرون عديدة لأنها كانت مغطاة بقذارة الجهل”.

ويقول جوزيف ماكيب: “نقول إنه يتعذر أن يوجد فلاح أندلسي لا يعرف القراءة والكتابة، في حين كان ملوك بقية أوروبا لا يقدرون أن يكتبوا أسماءهم في توقيعاتهم، وكذلك أشراف الروم من أعلى الطبقات لم يكونوا يقتدرون على القراءة والكتابة، وتسع وتسعون في كل مائة من أهل الممالك النصرانية كانوا أميين تمامًا. وكانوا على غاية من الجهل لا يُمكن تصورها”.

‏وفي الحقيقة فإنَّ الموضوع طويل ومتشعب، وبسطه ليس هذا موضعه. وأخيرًا، ذلك هو تاريخنا، وسيظل مجهولاً وحبيس الماضي، ما نجدد معرفتنا به ثم العمل بمقتضاه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

(المصدر: موقع مداد)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى