مقالاتمقالات مختارة

نظرات وعبرات | المُطبّعون الجدد: (٢) اختلافات جوهرية

نظرات وعبرات | المُطبّعون الجدد: (٢) اختلافات جوهرية

بقلم محمود عبد الهادي

ما الذي يختلف فيه المطبعون العرب الجدد مع الكيان الصهيوني، عما كان عليه المطبعون العرب القدامى؟ وهل اختلفت دوافعهم نحو التطبيع عن دوافع السابقين؟ وهل تقتصر عملية التطبيع الجديدة على أهداف ثنائية للدول المشاركة فيها أم أنها جزء من مخطط إقليمي كبير يتم العمل عليه منذ عقود عدة؟ وهل كانت لثورات الربيع العربي علاقة بذلك؟

“اتفاقيات إبراهيم” اتفاقيات إصلاح الإسلام، لم تأت على ذكر السلام مع الكيان الصهيوني، ولا القضية الفلسطينية، ولا الحقوق العربية، ولا غير ذلك من أدبيات تاريخ الصراع العربي مع الكيان الصهيوني.

نطرح هذه الأسئلة الأصولية للإجابة عنها، في محاولة لفهم السياق العام لموجة التطبيع الثالثة الجارية حاليًا في المنطقة العربية بين الدول العربية والكيان الصهيوني، وفهم حقيقة ما يحدث، فهذه الموجة ليست كسابقاتها. وقد تحدثنا في المقال السابق عن الخبرات المُرّة المستمدة من مسيرة معاهدة السلام بين مصر والكيان الصهيوني، على مدى أكثر من 4 عقود على توقيعها، واستعرضنا سريعًا مجالات الاختراق الصهيوني لمصر، والموقف الشعبي المصري الرافض للسلام مع الكيان الصهيوني رغم البرود الشديد الذي ساد الموقف الرسمي، إذ كانت اتفاقية السلام بين مصر والكيان الصهيوني هي موجة التطبيع الأولى التي شهدتها المنطقة العربية، والتي دفعت بسببها ثمنًا باهظًا ما زالت آثاره بارزة حتى اليوم. وبعد 15 عامًا من توقيع الاتفاقية مع مصر، جاءت الموجة الثانية التي ضمّت منظمة التحرير الفلسطينية والأردن عام 1994م، والتي لا تختلف في خبراتها عن الخبرة المصرية، خاصة على الصعيد الفلسطيني، الذي ذاق بسببها -وما زال- الأمرّين.

ما الذي يختلف فيه المطبّعون الجدد عن القدامى؟

يتشابه المطبعون الجدد مع القدامى في عدد من الأوجه، نذكر منها في هذا المقام ما يأتي:

  • إن اتفاقيات السلام التي تمت مع الكيان الصهيوني كانت اتفاقيات ثنائية، خارج المؤسسات والآليات الغربية والعربية.
  • إن الاتفاقيات تمت بين دولة ذات نظام ديمقراطي هي الكيان الصهيوني، ودولة ذات نظام شمولي هي الدولة العربية.
  • إن الاتفاقيات تمت برعاية وهندسة أميركية.وفي جميع الاتفاقيات التي تمّت مع المطبعين القدامى (مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية) كان الكيان الصهيوني هو الطرف الرابح، وكانت الأطراف العربية هي الطرف الخاسر، وقد رأينا في المقال السابق كيف أن الكيان الصهيوني يحتفل سنويًا بتوقيع اتفاقية السلام مع مصر، أما مصر فتحتفل سنويًا بنصر حرب أكتوبر/تشرين الأول، وعلى المنوال نفسه نجد الأردن يؤكد باستمرار أن اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني في أسوأ أحوالها، في حين يؤكد الكيان الصهيوني أن الاتفاقية في أحسن أحولها، وأن التعاون الأمني والاستخباراتي بينهما يتواصل بوتيرة عالية جدًا، أفضل من أي تعاون مع أي دولة أخرى في المنطقة، أما منظمة التحرير التي كانت متفائلة بدولة مستقلة في حدود عام 1967م وعاصمتها القدس، فلم يبق في يد سلطتها الفلسطينية من هذه الدولة شيء سوى أن تندب حظها يومًا بعد يوم، على عكس الكيان الصهيوني فقد أدار ظهره للاتفاقيات، وشرع في ابتلاع أراضي الضفة الغربية كيفما شاء، ويتدخل أمنيًا في أراضي السلطة وقتما يشاء، ويقصف قطاع غزة كيفما يشاء وحينما يشاء، بوحشية مفرطة، دون رادع عربي أو إقليمي أو دولي.

أما أوجه الاختلاف بين المطبعين الجدد والمطبعين القدامى فهي كثيرة، نذكر من أهمها ما يأتي:

1. العلاقة بالصراع المسلح

إن اتفاقيات السلام مع المطبعين القدامى تمت بين دول متحاربة، فكان لا بد من عقد اتفاقيات سلام بينها تنهي الحرب وتفتح المجال للتعاون وتبادل المصالح، أما اتفاقيات السلام مع المطبعين الجدد فتتم بين دول غير متحاربة، لم يسبق لها أن خاضت حربًا فيما بينها، ولا يوجد بين الطرفين أي نزاعات جيوسياسية أو عسكرية أو أسرى أو تعويضات أو غير ذلك مما يتطلب التباحث فيه والاتفاق بشأنه، لذلك أطلق مهندسو إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على هذه الاتفاقية اسم (اتفاقيات إبراهيم) الموقعة بين الكيان الصهيوني والمطبعين الجدد، التي تضع أطراف الاتفاق في صف واحد على أنهم شركاء في مشروع واحد، يؤمن بـ”أهمية الحفاظ على السلام وتعزيزه في الشرق الأوسط وحول العالم على أساس التفاهم المتبادل والتعايش، وكذلك احترام كرامة الإنسان وحريته، بما في ذلك الحرية الدينية”، حسب ما ورد في مستهل الاتفاقية التي حددت آفاق التعاون بين الطرفين في المجالات الآتية:

  • تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات للنهوض بثقافة السلام بين الديانات الإبراهيمية الثلاث والبشرية جمعاء.
  • التعاون والحوار وتطوير العلاقات الودية بين الدول لتعزيز مصالح السلام الدائم في الشرق الأوسط وحول العالم.
  • التسامح والاحترام لكل شخص من أجل جعل هذا العالم مكانًا يمكن للجميع الاستمتاع فيه بحياة كريمة وأمل، بغض النظر عن العرق أو المعتقد.
  • دعم العلم والفن والطب والتجارة لإلهام البشرية وتعظيم الإمكانات البشرية وتقريب الأمم من بعضها بعضًا.
  • السعي إلى إنهاء التطرف والصراع لتوفير مستقبل أفضل لجميع الأطفال.
  • السعي إلى تحقيق رؤية للسلام والأمن والازدهار في الشرق الأوسط وحول العالم.وكما نرى؛ فإن هذه الاتفاقية لم تأت على ذكر السلام مع الكيان الصهيوني، ولا القضية الفلسطينية، ولا الحقوق العربية، ولا غير ذلك من أدبيات تاريخ الصراع العربي مع الكيان الصهيوني، وإنما حددت مجالات التعاون الكلية التي يمكن لأي دولة في العالم الاتفاق عليها دون أي خلاف. ومن ثمّ فإنه من الخطأ الكبير تسمية هذه الاتفاقية باتفاقيات سلام، أو اتفاقية تطبيع، إنها اتفاقية شراكة في مشروع إقليمي دولي عنوانه تحقيق الأمن والازدهار في الشرق الأوسط والعالم، وقد عبّر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد عن هذا المشروع، بعد نجاح المحادثات السرّية الأميركية الإسرائيلية الإماراتية في ديسمبر/كانون الأول 2019م، بقوله في تغريدة على تويتر “إصلاح الإسلام، تحالف عربي إسرائيلي يتشكل في الشرق الأوسط”، وهو المشروع الذي تحدث عنه السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، مراراً بقوله “نحن شركاؤكم في مشروع الشرق الأوسط الجديد”، وسنتناول هذا المشروع في مقال منفصل بإذن الله. وقد جاءت الاتفاقية بعد أقل من عام على تغريدة الوزير لتوضح ماذا كان يقصد بقوله “إصلاح الإسلام”، حين حملت الاتفاقية اسم (اتفاقيات إبراهيم)، وجاءت بصيغة الجمع إشارة إلى مجموع ما يفترض أن يتم توقيعه مع عدد من الدول العربية في المدى المنظور.

2. التباعد الجغرافي

إن دول المطبعين القدامى دول حدودية مع دولة الكيان الصهيوني، ومن ثمّ كان التنسيق الأمني والاستخباراتي على رأس مجالات التعاون بينها وبين الكيان الصهيوني، وأصبحت هذه الدول حامية حدوده حسب نص الاتفاقيات، أما دول المطبعين الجدد فليست دولًا حدودية، ومن ثمّ فإنها غير معنية بتأمين حدود الكيان الصهيوني، وتقدمت مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي والثقافي والرياضي،.. على غيرها، ثم لم تمض سوى أسابيع قليلة حتى توالت الاتفاقيات والتبادلات.

3. اختلاف الدوافع

تختلف دوافع المطبعين الجدد في توقيع اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني، عن دوافع المطبعين القدامى من الموجتين الأولى والثانية، فالمطبعون القدامى دول حدودية متحاربة مع الكيان الصهيوني، وكان من أبرز دوافعها ما يأتي:

  • إنهاء الصراع العسكري بينها وبين الكيان الصهيوني بعد أن خاضت معه حروبًا عدة، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر للانتصار العسكري الحاسم عليه، وتحت الضغوط والإغراءات الأميركية، وقد استغرق ذلك وقتًا طويلًا من المباحثات التفصيلية الدقيقة بشأن المسائل المتعلقة بالأرض والسلاح وموازين القوى والأسرى والقتلى والتعويضات،.. وغيرها من المسائل المتعلقة بالأطراف المتحاربة.
  • الحصول على الدعم الأميركي العسكري.
  • تحسين الاقتصاد.
  • شطب الديون.أما دول المطبعين الجدد، فتختلف دوافعها نحو التوقيع مع الكيان الصهيوني من دولة إلى أخرى، لكنها جميعا تتفق في أنه ليس لديها دافع إنهاء الصراع العسكري، لأنها كما ذكرنا ليست دولة محاربة أو حدودية مع الكيان الصهيوني، الذي تتفق دوافعه معها جميعًا.

فما دوافع المطبعين الجدد؟ ولماذا تسارع الدول العربية على هذا النحو تجاه الكيان الصهيوني؟ (يتبع)

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى