مقالاتمقالات مختارة

نظرات في الفقه السياسي الإسلامي ج(1)

نظرات في الفقه السياسي الإسلامي ج(1)

بقلم أحمد رفيق خضير

هل سقطت شرعية معاوية رضي الله عنه؟

فى البداية يجب القول أن عقيدتنا كأهل السنة هي معرفة فضل الصحابة رضي الله عنهم وتفضيلهم على من جاء بعدهم، فقد مدحهم الله تعالى في كتابه، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث.

وكذلك نعتقد أنهم مع فضلهم السابق ومدحهم الثابت ليسوا معصومين من الخطأ، وهذا التوازن هو المنهج الإسلامي في التعامل مع هذه الأمور.

كانت هذه مقدمة ضرورية حتى لا يفهم كلامنا بعد ذلك في نقد بعض مواقف الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أننا ننتقص من قدره أو ننكر فضله في خدمة الإسلام والمسلمين.

بدأت قصة معاوية بالظهور بقوة على مصرع الأحداث بعد استشهاد عثمان رضي الله عنه، ودخل في صراع استمر لمدة خمس سنوات مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وبعد ذلك انتقل الصراع مع أمير المؤمنين الحسن بن علي رضي الله عنهما، لكن الصراع هنا انتقل إلى منصب الخلافة نفسه، فقد ادعى معاوية رضي الله عنه أحقيته بمنصب الخلافة، وكانت ستدور حرب بين الفريقين لا يعلم مداها إلا الله، لولا أن الله قيض المصلح الصالح سيد شباب أهل الجنة، لجمع الأمة وتنازل عن الخلافة لمعاوية وتحققت نبوءة جده صلى الله عليه وسلم حين قال: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» متفق عليه.

لكن التنازل هذا كان على شروط واضحة اتفق عليها الطرفان، فجاء في كتاب الصلح: هذا ما صالح عليه الحسن بن علي، معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيها بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين؟ وعلى أنه ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده، وأن يكون الأمر شورى والناس آمنين، حيث كانوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي غائلة سرًا ولا علانية، وعلى أن لا يخيف أحدًا من أصحابه، شهد عبد الله بن الحارث، وعمرو بن سلمة، وردهما إلى معاوية ليشهد بما في الكتاب ويشهدا عليه. (أنساب الأشراف، البلاذرى، 3/41، الصواعق المحرقة، للهيتمي2/399).

وهنا يأتي الإشكال الكبير حيث إن معاوية خالف بنود هذا الصلح وعهد بالأمر من بعده لابنه يزيد، وتثبت الروايات أنه فعل ذلك قهرًا، فقد جاء في البخاري أنه خطب في أهل المدينة فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه، وحين سمع ابن عمر رضي الله عنهما هذا القول، قال: فحللت حبوتي وهممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام، فخشيت أن أقول كلمة تفرق بين الجمع وتسفك الدم وتحمل عني غير ذلك، فذكرت ما أعد الله في الجنان، فسكت.

بل إن بيعة الأمصار الأخرى كانت من ولاته الذين عينهم بنفسه، فعنصر القهر والغلبة هو الذي تمت به البيعة، وللأسف الشديد لجأ كثير من الفقهاء على اعتبار هذا الفعل طريق جديد يمكن أن تنعقد به البيعة، رغم معارضة عدد كبير من الصحابة وأبنائهم على هذه البيعة، وخروجهم على يزيد بعد ذلك في ثلاث ثورات متوالية هي حركة الحسين رضي الله عنه، ثم أهل المدينة في موقعة الحرة، ثم حركة ابن الزبير رضي الله عنهما.

ورغم أن العلماء أمسكوا عن الخوض في الكلام عن شرعية حكم معاوية رضي الله عنه وخاصة أنه بويع باتفاق الأمة، إلا أن التجرد في التعامل مع المسألة يقتضي القول بأن معاوية رضي الله عنه بقهر الأمة على بيعة ابنه يزيد، قد خالف شروط البيعة والتى يمكن القول بأن كثيرًا من الصحابة والتابعين في جيش الحسن لم يقبلوا بتنازل الحسن لمعاوية، لكنهم قبلوا بعد إلحاح طويل من الحسن رضي الله عنه وترضيتهم بهذه الشروط التي تثبت حق الأمة في اختيار خليفتها.

لذلك أجدني وبقناعة تامة أقول: إن سيدنا معاوية رضي الله عنه فقد شرعيته في عام 55هـ، بمخالفته لشروط الصلح والتي بويع بالخلافة بناء عليها، وكان يجب عزله لولا خوف الفتنة التي كانت تلوح فى الأفق، والتي دفعت الأمة فيها دماء أفضل وأكرم رجالها، والله أعلم.

(المصدر: ساسة بوست)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى