نحو بناء مقياس للفساد: رؤية من منظور المدرسة الخلدونية (2)
إعداد د. سيف عبد الفتاح
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
مقياس الفساد بين اختزالية مقياس منظمة الشفافية الدولية وسعة مقياس المدرسة الخلدونية.
إن القراءة في هذه الجهود تجعلنا نتوقف عند الرابطة بين هذه الجهود المختلفة والمتنوعة في إطار النشاط العالمي لمواجهة الفساد وما يمكن أن تتركه من آثار على تصور مقاييس ظاهرة الفساد، وهذه الجهود وارتباطها بعناصر اقتصادية محضة لتهيئة الدول لممارسة خصخصة اقتصادها، ومن ثم فتبدو تلك الجهود الدولية ضمن منظومة عالمية. ورغم أن الفساد قضية هي بالأساس تتعلق بدواخل الدول دون أن نهمل طابعها الخارجي والدولي، إلا أن عولمة الاهتمام بقضية الفساد تتجلي في أكثر من جانب:
- أنه تم ربط ذلك بسياسات اقتصادية بعينها ضمن نشاطات الخصخصة في الداخل وسياسات تحرير التجارة العالمية على المستوى الدولي.
- أنه تم الحديث عن الفساد ضمن إطار منظومة القيم الغربية والتي ترتبط بعملية التحول الديمقراطي. وفي هذا المقام، صار الحديث عن حسن الحكم أو الحكم الجيد Good Governance و المساءلة أو المحاسبية Accountability والشفافية Transparency .
- أن ذلك أشار -ضمن مفهوم العولمة- وبعد سلسلة من المؤتمرات العالمية شاركت فيها الحكومات والمنظمات غير الحكومية حول (البيئة، حقوق الإنسان، السكان، المرأة، التنمية الاجتماعية، المدن …الخ)، أشار إلى ما يمكن تسميته بصناعة الأجندة. إن نظرة إلى مؤتمر جنوب أفريقيا عن “النزاهة الدولية” يشير إلى ذلك صراحة في إطار استراتيجية دولية لمقاومة الفساد، ونظرة على محاور المؤتمر تؤكد هذه المعاني؛ أي التركيز على البعد الدولي في إطار متغيرات العولمة، وأجندة تفرضها العولمة في هذا المقام.
- أن التأكيد على الجانب الضيق في مكافحة الفساد (ضيق المجال وضيق الهدف أو الفرص) إنما يعبر عن مصلحة الدول القوية المتحكمة في النظام الاقتصادي الدولي، ومن ثم بدا ما يكن تسميته بهذه المكافحة، وصارت منظمة الشفافية الدولية ذات نشاط واسع النطاق خاصة في إطار (البحوث والربط بشبكة دولية للمعلومات تتوافر عن الفساد …)، والنظر الخاطف على ما ضمناه هذا البحث من ملاحق يشير إلى الدور المحوري الذي تلعبه هذه المنظمة ضمن صناعة أجندة مكافحة الفساد (45).
- أنه من المهم أن نشير إلى مقاييس الفساد الواردة ضمن أنشطة المنظمة الدولية للشفافية، فإن هذه المقاييس ووفق عناصر التضييق في فهم الفساد تمارس مصالح ترتبط بالأنشطة المتعلقة بالسوق والمجال الاقتصادي، ومن هنا فإن مقاييس الفساد قد بنيت على أساس من عينة تتعلق بأعمال “البيزنس”(!) وهو أمر نظن أنه معيب من الناحية المنهجية، فالأغراض المتعلقة بصناعة الرؤية واضحة. وما يؤكد أن إهمال الإصلاح الشامل والمجتمعي في قبالة الفساد الشامل أمر ليس موضع اهتمام مثل هذه المؤسسات المختلفة (46).
- 6. مؤسسات مثل الصندوق الدولي أو البنك الدولي، والتي روجت لنمط اقتصاد معين ومسار مرغوبات عملية التنمية، يحرك معاني معينة للإصلاح الاقتصادي، وهو بالتالي يتحرك صوب معان معينة للفساد ترتبط بهذا الجانب، وربما لا تتعداه. فضلاً عن أن هذه المؤسسات التى تقود برامج التكيف الهيكلي، وفي نطاق تحرير التجارة الدولية، وإعداد المنظومة العالمية للتحول إلى سوق كبير إنما يعبر عن قسمة ضيزى في هذا المقام، فإن النظر إلى التكوينات الشائهة للنظام الاقتصادي الدولي وسلسلة معادلاته الظالمة التي تحكم العلاقات فيه، إنما تعبر عن معنى “فساد دولي” يشير إلى أكثر من مؤشر دال على الاختلالات الهيكلية داخل هذا النظام الاقتصادي الدولي، وتحل معاني الطغيان ومجاوزة الحد لمجموعة من الدول القوية (الدول الصناعية الكبرى) والتي تشكل إعادة صياغة المنظومة الدولية مبقية على تلك التشوهات الهيكلية والمعادلات الشائهة (47).
ومن هنا فإن هذا التصور الذي يبقي على الفساد الكبير في المنظومة الدولية، ويعالج ما يمس تمكينه من الفساد الصغير، يعبر -وبأقصى درجة- عن منطق مزدوج في رؤية الفساد لا زالت تزكي منطق النظر إلى الفساد من الرؤية الإسلامية، وما نظن أن التعريفات الفاسدة للفساد والخطاب الشائع الفاسد حول الفساد له من التأثير في هذا المقام الذي يقدم رؤية كلية للفساد وتتسم في عناصرها وتكوينها بالفساد.
وربما هذا يذكرنا بقصة يمكننا أن نشير إليها ضمن عناصر الفساد الكبير والفساد الصغير والعلاقة فيما بينهما، إلا أن إيراد هذه القصة -ونحن بصدد تقويم الجهود الدولية- لا يضفي شرعية أو حجية على الفساد في الدول القوية، ولكنه أولى بالمتابعة، وكون أننا ننبه إلى التشوهات الدولية لا يعني بحال أننا نهمل الداخل، بل إن فساد الداخل هو الذي يمكّن لفساد الخارج، ويشكل قابليات له على ما يؤكد ما لك بن نبي رحمة الله عليه(110).
يبدو لنا أن الحكاية التي ضمنها نعوم تشومسكي كتابه عن “الإرهاب الدولي: الأسطورة والواقع” لها دلالة على ما نحن فيه في موضوع الفساد:
“يحكي القديس أوغسطين قصة قرصان أسره الإسكندر الأكبر، وسأله: “كيف تجرؤ على الاعتداء على الناس في البحار”؟ فأجاب القرصان: وكيف تجرؤ أنت على الاعتداء على العالم بأسره؟ ألأنني أقوم بذلك بسفينة صغيرة فحسب أُدعَى لصًا، أما أنت ولأنك تقوم بالشيء نفسه بأسطول كبير فيدعونك إمبراطورًا!؟”(111).
إن هذه الحكاية التي تلقي بظلالها على مفهوم الفساد، ما بين الفساد الصغير والفساد الكبير، إنما تعبر عن رؤية لا زالت تروج حول منهج النظر لقضية الفساد، وهو أمر -كما يبين من سياق هذه الحكاية- يفتقد المنطق ويفتقد إلى العدل ويخرج عن حد الاستقامة.
وفي هذا السياق يمكننا قراءة ما كتب الفساد ضمن التقرير الذي يصدره البنك الدولي: (تقرير عن التنمية في العالم 1997)، والذي تخير البنك له عنوانًا: “الدولة في عالم متغير”، وقد كان الحديث عن الفساد في الفصل السادس: “الحد من الفساد والتصرفات التحكمية للدولة”(48). والإنصاف كان يقتضي الحديث عن الفساد الكبير قبل الصغير، وإمكانات إصلاح الفساد عامة في كليته وشموله بما يمكن لعمليات الإصلاح الكلي والشامل.
وتثير إشكالية الفساد ومعالجتها على هذا النحو تساؤلات عميقة وموضوعية وعلمية -على حد تعبير أحد الباحثين، هذه التساؤلات لا ترتبط فقط بمسؤولية المجتمع الدولي ممثلاً في منظماته وهيئاته الدولية عن مساندة الشفافية وتعميقها، ولكنها ترتبط بالمشاركة الدولية في تغييب الشفافية وتقديم مؤشرات مضللة يفترض في الأساس أنها مؤشرات موثوق بها ويمكن الاعتماد عليها برجة عالية من الثقة والاطمئنان في ضوء ما تملكه المنظمات والهيئات الدولية من قدرات للنفاذ إلى الوقائع والأحداث والإحصائيات والمعلومات والبيانات عن الدول وأوضاعها وأحوالها، وعن المعاملات الدولية وتدفقاتها وتوجهاتها. هذه المعلومات تفوق إمكانيات الجامعات ومراكز البحث العلمي.
والأكثر خطورة هو طرح التساؤل المرتبط بمصداقية التحليل والتقييم الصادرة عن الهيئات والمؤسسات والمنظمات الدولية الكبرى، وفي مقدمتها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (113).
حتى إن البعض قد يعتبر -وفق نظرية الإمبراطور الكبير والقرصان الصغير- أن ما صدر عن المؤسسات والمنظمات الدولية يدفع بها إلى أن تصبح مظلة لمنظومة الفساد وتحرك عناصر بحث في الفساد الكبير الذي يشكل معايير النظام الدولي الجديد(114).
إنها المقارنة التي تضع المفسد في وضع المصلح: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ {2/11} أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 11-12 )( 115 ).
استندت فكرة مقياس الفساد لمؤسسة الشفافية الدولية على القيام باستطلاعات رأي لعدد من رجال الأعمال للتعرف على طبيعة المعاملات المالية اللازمة لإنجاز الأعمال؛ ومن هنا يمكن الكشف عن عدة مصادر للقصور:-
– فلسفة المقياس: فهو جزء من المنظومة الليبرالية في شقها الاقتصادي المتعلق بالنموذج الرأسمالي المراد تعميمه من خلال سياسات التكيف الهيكلي والتثبيت الاقتصادي.
– متوالية الاختزال والاستسهال: فهو مقياس قاصر على الجانب الاقتصادي، وشريحة قطاع الأعمال، ناهيك عن الشكوك المثارة حول طبيعة الأسئلة المثارة عند الاضطلاع بمهام استطلاع الرأي.
– المقياس قائم على قاعدة التنقيص: فجزء من مصداقية المقياس ألا يقوم على قاعدة التنقيص، فالمقياس هنا أشبه بما دعت إليه السلوكية الفجة وفلسفة الوضعية المنطقية في العلم التي جعلت من القياس هدفا في حد ذاته.
– تحيز المقياس للنموذج الغربي.
– الخلط بين المقياس والمادة المُقاسة: فالمقياس هنا عمل على تحييز الظاهرة، فما الحال إن كان رجال الأعمال جزءًا من منظومة (شبكة) الفساد على نحو ما هو شائع في دول العالم الثالث؟
ثانياً:- ظاهرة الفساد: السمات وصعوبة القياس:-
- الفساد من الظواهر المستورة المسكوت عنها سواء من صاحب المصلحة أو من الشركاء، أو نتيجة الخوف من أهل السلطة وخاصةً عند الحديث عن الفساد الكبير.
- الانتقائية والمساومة في الكشف عن الفساد.
- شبكية ومؤسسية الفساد الكبير على نحو يصعب الكشف عنه.
- – المؤسسات الرقابية ذات طبيعة تنفيذية.
- – عمق الظاهرة، فلا يُكشف إلا عن قشور الظاهرة.
ثالثاً:- معايير بناء المقياس:-
هناك معياران أساسيان وضعتها أدبيات مناهج البحث الغربية ولم يطبقها الغرب عند وضعه للمقاييس: أحدهما- يتعلق بالمحتوى (الصدق)؛ حيث يتعين الابتعاد عن الاختزالية، والآخر- يتعلق بالتطبيق (الكفاءة) فلا بد من الابتعاد عن الاستسهال. ولا شك أن (التعرف الصحيح) مقدمة للمقياس الصحيح، وكذلك بالنسبة إلى الاستناد إلى (الإطار النظري الجامع).
رابعاً:- ابن خلدون والحديث عن الفساد في المقدمة(50):-
- فصل في الجباية وسبب قلتها وكثرتها.
- فصل في المكوس في أواخر عهد الدولة.
- فصل في التجارة من السلطان مضرة بالرعايا مفسدة للجباية.
- فصل في أن ثروة السلطان وحاشيته إنما تكون في وسط الدولة.
- فصل في نزوع كثير من أهل الدولة لتسلم أموالهم من المصادرات.
- فصل في: نقص العطاء من السلطان نقص من الجباية.
أحاط ابن خلدون الظاهرة بعدد من الشروط المعنوية والكلية فكتب فصلاً في أن “الظلم مؤذن بخراب العمران”.
- جعل ابن خلدون عددًا من الظواهر دالة في الفساد مثل: كثرة الجباية، وزيادة معدلات البطالة، القصور في قيام الدولة بوظائفها الخمس (حفظ الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال) على أساس أنها وظائف أساسية لمعاش الأفراد، والاعتداء على الناس في أموالهم ودمائهم وأسرارهم، وظاهرة الهَرج، وزيادة الفقر والترف.
فقد وضع ابن خلدون العديد من القوانين التي يمكن تحويلها لمؤشرات الصلاح والفساد.
- ، وكذلك فقد طرح مجموعة من الأفكار يمكن تحويلها إلى فروض قابلة للاختبار. وهو ما يمكن أن يُطلق عليه “متوالية المؤشرات” أو “توليد المؤشرات”.
بدايةً تجدر الإشارة إلى ملاحظة أولية مفادها؛ ضرورة الأخذ في الاعتبار الارتباط الوثيق بين بنية مفهوم الفساد والإصلاح، وبنية مفهوم السياسة . فالسياسة وفقاً للتعريف الذي طرحه ابن القيِّم: “هي ما كانت معه الأمور أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد”. ومن هنا يمكن الكشف عن الحقيقة المركبة غير النقية للفساد حيث ارتباطه بالإصلاح فمن الخطأ الاعتماد على مقياس مستقل للفساد بغض النظر عن مقياس الإصلاح، وكذلك التدرجية حيث يتعين النظر للظاهرة على متصل –الذي هو بالأساس فكرة قياسية- يمثل الفساد أحد طرفيه والإصلاح الطرف الآخر.
ولذا يتعين ابتكار مقياس مركب من الفساد والإصلاح {مقياس التدافع}
الـصـــــلاح الـفــــــساد
فالسياسة بهذا الاعتبار جهد واجتهاد لتكون معه الأمور (أقرب) على متصل النشاط البشري ومجاله السياسي إلى الصلاح، وفي حال قربه من الصلاح فهو بالضرورة (أبعد) على ما ينبغي ذات المتصل من الفساد، وهذه حال من المقاربة والمقارنة بين الصلاح والفساد، والبعد والقرب.
ومن هنا فقد ارتبط ذلك بعملية القيام على الأمر بما يصلحه، وبمنطق المخالفة: “لا بما يفسده”. وفعل القيام وأحواله من الأموار الدالة على الفاعلية وتوسل كل ما يؤدي إليها، بل إن من جملة “القيام على الأمر” المدافعة للفساد الذي ينافي الصلاح أو ينفيه، يقوضه أو ينقضه.
السياسة تحري “نظر” و”فعل” الصلاح، ومدافعة “نظر” و”فعل” الفساد.
هذا الاقتران يجعل من الضروري الأخذ بتشكيل “المقياس” المقارِن بين “الفساد” و”المقاصد العامة الكلية”:
من أهم مكونات المدخل المقاصدي الذي تولد عن الشريعة مفاهيم مقارنة تغذي الفهم السابق لمفهوم السياسة من مثل “درء المفسدة” و”جلب المصلحة”، و”دفع المضرة” و”اجتلاب المنفعة”. وأيا ما كان الاستخدام، فإن “الدرء” و”الدفع” وكذلك “الجلب” و”الاجتلاب” هو مناط عملية الحفظ التي تسبق المجالات الجديرة بالحفظ في نشاط الإنسان لمحوريتها في بناء حركته الحضارية والعمرانية:
الدين والنفس والنسل والعقل والمال.
وهو أمر قد يشير إلى معنى الحفظ السلبي بـ”الدرء والدفع” والحفظ الإيجابي “بالجلب والسعي”، وهي من الجوانب المكملة والمتكاملة لمستويين من الحفظ، والاختلال في عملية الحفظ لابد أنه يشكل “المضرة” أو “المفسدة”، ومرة أخرى فإن هذا الاقتران يدفعنا دفعات باتجاه بناء المقياس المقارن.
ووفق القواعد الكلية فإن الضرر إنما يشكل النتيجة المحققة والمتحصلة عن وقوع الفساد أو تمكنه؛ ومن هنا كانت تلك القواعد من الممكن صياغتها إما بلفظ الضرر أو بلفظ الفساد.
ومن هنا يمكن أن يُولِّد هذا “المدخل المقاصدي” مقاييس الحفظ للمجالات الأساسية، كما يمكن أن يشتق منه ميزان لوزن المفاسد ومدى خطورتها، والمصالح ومدى جوهريتها: (الضروري والحاجي والتحسيني أو التكميلي). وهو ما يمكن ملاحظة في هذا الجدول السابق الذي يشكل مقياسًا للتدافع وجب أن يكون ضمن معمار بناء مقياس مركب للفساد(51).
*اتساع مفهوم الفساد وسعة مقاييسه
قد يحاول البعض -سيرا على ضرورة بناء المقاييس وجعلها غاية علمية في ذاتها- أن يؤدي بهم ذلك إلى عمليات في غاية الخطورة:
– التبسيط في مقابل التعقيد.
– الاختزال في مقابل التركيب.
– التضييق في مقابل التوسعة.
وعلى ما يقول علال الفاسي: بين “الأرقام” تتوه القضايا الكبرى، فإن ترجمة بعض الأمور إلى صياغات رقمية في إطار العمليات “الإجرائية”، وتحويل التعريفات الإجرائية إلى تأشيرات وتحويل التأشيرات إلى أرقام، هي عمليات -إن لم تتسم بقدر من الحبكة المنهجية- في اختيار المؤشر ومدى ملاءمته ومناسبته، والمؤشر ومدى صدقيته، والمؤشرات ومدى فاعليتها (كفاءة وكفاية)، فإنها قد تصير إلى عكس المقصود في بيان الظاهرة موضع البحث، فقد يزيفها أو يتخير ويختزل بعض جوانبها في أشكال هامشية لا تمثل جوهر الظاهر أو نواتها الصلبة، بل قد تتعلق بالهامشي منها أو التافه فيها لا لشيء إلا لأن ذلك أكثر مناطقها قابلية للقياس.
ومن هنا فإن النظر إلى الفساد -كمفهوم منظومي- واجب ويجب ألا يُصادر هذا الوصف عند تعريفه إجرائيًا. فإن تضييق مفهوم الفساد فساد، وما اجتمعت من كلمات لتبرير أمرٍ مثلما اجتمعت لهذه الكلمة، وسكنت فيها إما لتسويغ له، أو تهوين لخلل طرأ، أو غفلة وإغفال لأمر جلل. (الفساد قديم قدم الزمان، الفساد موجود في كل مكان، الفساد يمكن توظيفه “الفساد الوظيفي”) وهذا لعمري فساد في الحجة، وإثبات لأمر لا يجوز تحسينه أو تمريره في العقول أو المنقول، في العقل أو في الشرع.
فقدم الفساد لا ينفي قبحه، وشيوعه لا يمكنه من شرعيته ولا يمده بحجية، ووظيفية الفساد (في النظرية الوظيفية) ليس إلا تمكينا له وتسويغا لوجوده واستمراره.
وفي هذا السياق يجب النظر إلى أن اتساع مفهوم الفساد هو المفضي إلى ضرورة توسعة مقاييسه.
المدرسة الخلدونية: تأشيرات، فهل يمكن تحويلها إلى مؤشرات؟!!
لم نعرف في تراثنا ومعاصرنا مَن يمكن نسبتهم إلى المدرسة الخلدونية خيرًا من هؤلاء: الأسدي، والمقريزي، والكواكبي، والبشري.
هذه التأشيرات التي تتكامل ضمن المدرسة الخلدونية إنما تحاول الربط بين الفساد كمفهوم شامل، وحال الأزمة الكاشف عن الفساد وعمليات تغلغله وشيوعه، والاستبداد لا يترعرع إلا في بيئة فساد ولا ينتج إلا فسادًا.
هذه الحبكة الخلدونية التي تلحظها في تأشيراته حول “الظلم مؤذن بخراب العمران” و”الترف مؤذن بخراب العمران” إنما تحيلنا إلى المقياس المركب للفساد كما يشير إليه ابن خلدون.
* مقياس الاستبداد والظلم وما ينتجه من حالات استبداد.
* مقياس الجباية وأثره في صناعة تريد من الظلم والترف.
* “مقياس الترف” والذي يشير إلى عناصر ومستويات عدة منها ما يتعلق بالسلطة ومنها ما يتعلق بالمجتمع. وحال الفسق التي تعمّ المجتمع (وهي التي تشير إلى الفساد الظاهر، وعملية تأسيسه داخل المجتمع، الفساد يصير بذلك مؤسساتيا تحرك شبكية وتقارنها شبكية الاستبداد، إنها عناصر متداخلة تستحق وفقًا لهذا التصور مقياسًا شبكيًا يليق بهذه المجالات واستطراقها مع بعضها البعض.
ضمن هذه الرؤى الشبكية تأتي محاولة الأسدي في كتابٍ أسماه “التيسير والاعتبار والتحرير والاختبار فيما يجب من حسن التدبير والتصرف والاختيار”، إن ملاحظة العنوان تؤكد معاني يتصدرها الاعتبار الواجب بخبرات الأمم السابقة حول “العدل” و”الفساد”، ويختتمها بعمليتين: إحداهما التدبير السياسي والتصرف، والثانية اتخاذ القرار. والأسدي يتحدث في أرجاء كتابه عن “الوضع الاقتصادي السيء، وسوء الأداة الحكومية والإدارية في عصره، والضائقة المالية والأخلاقية التي يعانيها، بسبب الغلاء الفاحش وبسبب كثرة الضرائب والمكوس على التجارة، وبسبب العبء الفادح الواقع على كاهل الفلاحين بصفة خاصة حتى هجروا أراضيهم، والواقع أيضًا على أصحاب الحرف بصفة عامة، ينضاف إلى ذلك كله فساد العُملة والموازين والمكاييل، وفساد التعامل من الاحتكار والتحجير على الغِلال وعلى كثير من التجارات، ثم يتحدث عن فساد الأداة الحكومية (الفساد الإداري، وسببه: من إهمال الموظفين الناتج عن إهمال الرؤساء في مراقبتهم ومحاسبتهم على أعمالهم.. إلخ).
ويؤصل في مقدمة الكتاب الأسباب المرجعية للنصيحة التي يقدمها بسبب انتشار الفساد في مصر في عصره (الدولة المملوكية)، ثم يذكر بعض أسباب هذا الفساد.. ويرد هذا الفساد في مصر إلى أربعة أسباب (ومن جنسها يمكن زيادتها عند بناء المقياس)؛ وهي: إهمال الزراعة، وإفساد العربان، والظلم الواقع على الفلاحين، وبيع الوظائف الحكومية.. ثم يدعو إلى الاهتمام بالصالح العام وبالشعب وإزالة أسباب الفساد بحسن التدبير والسياسة؛ فقدم -على ما نظن- تأشيرات على مؤشرات إيجابية لمناهضة الفساد، أهمها الاعتماد في تصريف شئون الدولة على الصالحين الأكفاء، وعدم الاستهانة بصغائر الأمور (مما يمكن تسميته بالفساد الصغير)..
كما يتحدث عن فساد التعامل فيما يتعلق بالغلاء والبلاء والحروب، والفتن وكيفية التدبير للتذرع والخلاص من البلايا والمحن”. ويتحدث في هذا الباب عن التلاعب بالموازين والمكاييل.. ذلك أن التلاعب بالعُملة هو أس الفساد والعامل الأول للخراب.. وفي مقابل ذلك يهتم بعمل إيجابي أسماه التفقد (الرقابة) خاصة لأصحاب الولايات العامة والموظفين “.. ففي إهمال تفقدهم إهمالهم في أعمالهم.. ويعزو المؤلف سبب انتشار الرشوة بين الموظفين وظلمهم للفلاحين إلى قلة مرتباتهم، وعلاجه لهذا الداء يكمن في “كفاية” الموظفين ليتعففوا عن الرشوة ويمتنعوا عن الظلم، لو “تقرر لكل واحد منهم ما يكفيه من إقطاع وديوان، لما تجاسر على تعدي الحدود أبدًا…”
ضمن هذه الرؤية التأصيلية يقدم الأسدي عناصر مهمة تشير إلى شبكة الفساد واتساع مفهومه، لا شك أنها تؤثر على صياغة المقاييس المختلفة.
وها هو المقريزي يعضد هذه الشبكة الخلدونية والتأصيلات الأسدية للفساد فيربط بين الفساد في الأزمات، وذكر أقسام الناس وأصنافهم وبيان جملٍ من أحوالهم وأوصافهم. وهي أمور قد تشير إلى جملة مركبة من المقاييس النوعية فهذه مقاييس تخص أهل الدولة، وتلك تخص أهل اليسار من التجار (رجال الأعمال)، وثالثة تخص أولي النعمة من ذوي الرفاهية، ويكملها قسم الباعة وهم متوسطو الحال من التجار ويلحق بهم أصحاب المعايش، وهم السوقة، وقسم آخر أهل الغلة وهم أهل الزراعات والحرث، سكان القرى والريف، والقسم الخامس الفقراء وهم جل الفقهاء وطلاب العلم والكثير من أجناد الخلق ونحوهم، والقسم السادس أرباب الصنائع والأجراء وأصحاب المهن، والقسم السابع ذوو الحاجة والمسكنة وهم السُؤَّال الذين يتكففون الناس ويعيشون منهم.
بل هو يحاول أن يربط بين الفاسدين وموقفهم من عملية الإصلاح في فصل نفيس في بيان محاسن هذا التدبير العائد نفعه على الجم الغفير.. “ولعمرى لا يجهل.. ويجحد.. من له أقل حظ من تمييز وأنزر نزر من شعور إلا من قصد أن يخون عمد الله وأمانته في ما استرعاه من أمور عباده بإظهار الفساد وإهلاك العباد”.
“.. اعلم أنه قد تبين بما تقدم أن الحال في فساد الأمور إنما هو سوء التدبير لا غلاء الأسعار..”.
وضمن هذه الرؤية يؤكد على الفساد في التصرف في الأموال، بعدما أشار إلى فساد الجهاز الإداري وسوء تدبيره “.. وبالضرورة يدري كل ذي حس وإن بلغ في الجهل الغاية من الغباء، أن المال إنما يؤخذ غالبًا من خراج الأراضي أو أثمان المبيعات أو قيم الأعمال، أو من وجوه البر والصلات، وأنه لابد أن يعرف في الأمور الحاجية وسائر الأغراض البشرية، إما على وجه الاقتصاد، أو في سبيل السرف والتبذير”.
غاية أمر المقريزي أن يؤكد من غير مواربة: “.. أن ما بالناس –حتى في حال الأزمة- سوى سوء تدبير الزعماء والحكام وغفلتهم عن النظر في مصالح العباد، إلا أنه كما مر من الغلوات وانقضى من السنوات المهلكات. إلا أن ذلك يحتاج إلى إيضاح وبيان ويقتضي الشرح والتبيان. فعزمت على ذكر الأسباب التي نشأ منها هذا الأمر الفظيع، وكيف تمادى بالبلاد والعباد هذا المصاب الشنيع، وأحتم القول بذكر ما يزيل هذا الداء ويرفع البلاء… إذ الأمور كلها –وجلها- إن عرفت أسبابها سهل على الخبير صلاحها..”.
إن تبين الأزمات الكاشفة واستقاء مقاييس ومؤشرات تقيس سلوك الناس والسلطان والعلاقات المتنوعة لتؤشر على الفساد الكامن الذي انكشف بحال الأزمة والغمة.
هذه الرؤى المختلفة إنما تتساند وتتكافل في رؤية قضية الفساد وتركيبها، وقياساته وتعقيدها، وهذا بعض البيان فيما يقتضيه الحال نقدم فيه مرئيات ابن خلدون في مقدمته نموذجًا في هذا المقام.(52)
ابن خلدون ومقياس الفساد(53):
في هذا السياق نستطيع أن نقول -في ضوء تعريف الفساد بالمفهوم الشامل ونظرية الفساد التي تحدث عنها الأسدي بأشكالها وأسبابها وعلاماتها- فإن ابن خلدون يقدم رؤية شبكية للفساد تتحرك صوب مقياس مركب يكافئ الظاهرة ويتعامل معها بكفاءة قصوى.
ومن تركيب هذا المقياس يبدو لدينا أنه لا يمكن بأي حال فصل الفساد عن محاضنه وأسبابه والشروط المعنوية والأخلاقية التي تمكن له، فضلاً عن بنية الاستبداد التي تكون مرتعًا خصبًا لعمليات الفساد والإفساد؛ ومن هنا فإن ابن خلدون يشير إلى مقياس يتركب من عناصر خمسة غاية في الأهمية:
العنصر الأول- فساد الحالة الجبائية: وهو يتعرض لهذا الأمر في فصلين مهمين: أحدهما في الجباية وسبب قلتها وكثرتها، والآخر في ضرب المكوس أواخر الدولة. وهو في هذا المقام يقدم جملة من الفروض الخبرية التي يجب التوقف عندها لقياس الفساد.
” فالجباية أول الدولة تكون قليلة الوزائع كثيرة الجملة، وآخر الدولة تكون كثيرة الوزائع قليلة الجملة ” … ذلك أنه إذا قلت الوزائع والوظائف على الرعايا نشطوا للعمل ورغبوا فيه فيكثر الاعتمار ويتزايد لحصول الاغتباط بقلة المغرم وإذا كثر الاعتمار كثرت أعداد تلك الوظائف والوزائع، فكثرت الجباية التي هي جملتها”.
أما الافتراض الثاني فيقوم على قاعة من تخلف أهل الدولة بخلق التحذلق “وتكثرت عوائدهم وحوائجهم بسبب ما انغمسوا فيه من النعيم والترف فيكثرون الوظائف والوزائع ويزيدون في كل وظيفة ووزيعة مقدارًا عظيمًا لتكثر لهم الجباية ويضعون المكوس على المبايعات، ثم تندرج الزيادات فيها بمقدار بعد مقدار لتدرج عوائد الدولة في الترف وكثرة الحاجات والارتفاق بسببه”.
أما الافتراض الثالث فإن كثرة الجباية تثقل المغارم على الرعايا وتهضمهم وتصير عادة مفروضة لأن تلك الزيادة تدرجت قليلاً ولم يشعر أحد من زادها على التعيين ولا من هو واضعها، إنما تثبت على الرعايا كأنها عادة مفروضة ثم تزيد إلى الخروج عن حد الاعتدال فتذهب غبطة الرعايا في الاعتمار لذهاب الأمل من نفوسهم لقلة النفع، إذا قابل بين نفعه ومغارمه، وبين ثمرته وفائدته فتنقبض كثير من الأيدي عن الاعتمار جملة، فتنقص جملة الجباية حينئذ .
أما الافتراض الرابع فلا تزال الجملة في نقص ومقدار الوزائع والوظائف في زيادة لما يعتقدونه من جبر الجملة بها، إلى أن ينتقض العمران بذهاب الآمال من الاعتمار ويعود وبال ذلك على الدولة.
أما الافتراض الخامس: فـ”حينما يكثر خراج السلطان خصوصًا كثرة بالغة بنفقته في خاصته وكثر عطائه ولا تفي بذلك الجباية فتحتاج الدولة إلى زيادة في الجباية لما تحتاج إليه الحامية من العطاء والسلطان من النفقة، ثم يزيد الخراج والحاجات والتدريج في عوائد الترف وفي العطاء للحامية ويدرك الدولة الهرم …. فتكسد الأسواق لفساد الآمال ويؤذن ذلك باختلال العمران ويعود على الدولة، ولا يزال ذلك يتزايد إلى أن تضمحل”.
هذا فيما يتعلق بمقاييس وافتراضات الحالة الجبائية. وتصور ذلك في عصرنا يمكن أن يترجم إلى مجموعة من المؤشرات التي ترتبط بالسياسة المالية للدولة وسياسات الضرائب والجمارك وأشكال التهرب الضريبي وأشكال الفساد والرشوة التي تتعلق بمثل هذه الجوانب المالية. هذه المؤشرات تمثل حزمة ضمن منظومة مؤشرات الفساد في هذا المقام.
أما العنصر الثاني فيتعلق بفساد السلطان بدخوله مجال التجارة وغير ذلك من استغلال المنصب العام لأغراض ومنافع خاصة. وهو ما يعني -ضمن الأدبيات الحديثة- من الحديث عن الفساد الكبير، ومن الأهمية بمكان أن نشير كذلك إلى إمكانيات فساد في إطار العلاقة بين السلطان ورجال الأعمال والتجارة، وهو في هذا المقام يشير إلى فساد يتعلق بعمل السلطات بالتجارة، وإلى فساد رجال الأعمال حينما يعملون بالسياسة، وإلى تحالف أهل الدولة والسلطة ورجال الأعمال.
كل ذلك إنما يدل على مجالات فساد يجب الفطنة إليها ضمن هذا الفصل النفيس: “في أن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا مفسدة للجباية”، وهو يقدم افتراضا غاية في الأهمية: أن الدولة إذا ضاقت جبايتها بما قدمناه بين الترف وكثرة العوائد والنفقات وقصر الحاصل من جبايتها عن الوفاء بحاجاتها ونفقاتها، واحتاجت إلى مزيد من المال والجباية فتارة توضع المكوس إن كان قد استحدث من قبل، وتارة بمقاسمة العمال والجباة وامتكاك عظامهم ما يرون أنهم قد حصلوا على شيء طائل من أموال الجباية لا يظهره الحسبان، وتارة باستحداث التجارة والفلاحة للسكان على تسمية الجباية. وهم في ذلك يحسبون أن ذلك من إدارة الجباية وتكثير الفوائد، فهذا غلط عظيم وإدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعددة”.
ويقدم ابن خلدون في فصل مهم آخر أن نقص العطاء من السلطان نقص في الجباية حينما يؤكد على افتراض لا يقل أهمية عن سابقه من أنه إذا احتجز السلطان الأموال أو الجبايات أو فقدت فلم يصرفها في مصارفها قل حينئذ ما في أيدي الحاشية والحامية وهم… معظم السواد، فيقع الكساد حينئذ في الأسواق وذلك أن المال إنما هو متردد ما بين الرعية والسلطان، منهم إليه، ومنه إليهم، فإذا حبسه السلطان عنده فقدته الرعية”.
أما العنصر الثالث فهو الذي يتعلق بالمؤشرات التي ترتبط بالحالة الترفية، وما تؤدي إليه هذه الحالة من الدعة والسكون، فإذا حصل الملك أقصروا عن المتاعب التي كانوا يتكلفونها في طلبه وآثروا الراحة والسكون والدعة ورجعوا إلى تحصيل ثمرات الملك من المباني والمساكن والملابس، فيبنون القصور ويستمتعون بأحوال الدنيا ويؤثرن الراحة على المتاعب، ويتأنقون في أحوال الملابس والمطاعم والآنية والفرش ما استطاعوا ويألفون ذلك ويورثونه من بعدهم من أجيالهم ولا يزال ذلك يتزايد فيهم إلى أن يتأذن الله بأمره.
ومن جملة ذلك أن الفقير منهم يهلك والمترف يستغرق عطاءه بترفه ويقصر العطاء كله عن الترف وعوائده.. فالترف مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الشر والسفسفة وعوائدها فتذهب منهم خلال الخير.. ويتصفون بما يناقضها من خلال الشر.. فتكون علامة على الإدبار والانقراض، بما جعل الله من ذلك في خليقته، وتأخذ الدولة مبادئ العطب وتتضعضع أحوالها وتنزل بها أمراض مزمنة من الهرم إلى أن يقضى عليها.. فتضعف حمايهم ويذهب بأسهم.. ويعود وبال ذلك على الدولة بما تلبس من ثياب الهرم.
ومن هنا إذا كان الترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها فإن الدولة لا تبقى على حالها من القوة فتختلف أحوالها وخلق أهلها باختلاف الأطوار، فإذا ذهب الأصل لم يستقل الفرع بالرسوخ فيذهب ويتلاشى ولا تبقى الدولة على حالها من القوة. ومن هنا يكون الطور الأخير الذي يتشكل ضمن مؤشرات للإسراف والتبذير، ويكون صاحب الدولة في هذا الطور متلفا لما جمع.. في سبيل الشهوات والملاذ وغير ذلك من مؤشرات تدل على حالة الفساد الترفية.
أما العنصر الرابع فإنه يتعلق بمؤشرات غاية في الأهمية، وهي في حالة جامعة بين شبكية الفساد والاستبداد وتقصير التدبير في وظائف الدولة وأصول العمران الذي هو من جملة مؤشرات الفساد. والجامعية في هذا المقام تتضمن شروطا لا تجعل من الفساد حالة مادية فقط وإنما تعتبر الجوانب الخاصة المعنوية من بيئة الفساد والتخلق بأخلاقه حالة تستدعي من الباحث عن مقياس للفساد أن يتأمل ويتفحص: “اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهى بها من أيديهم”.
وفى هذا السياق فإنه إذا ذهبت الآمال في الاكتساب والتحصيل انقبضت أيدي الرعايا عن العمل والسعي، وفى هذا المقام فإن زيادة معدلات البطالة إنما تعد مؤشرًا لا يمكن إغفاله في مؤشرات تدل على الفساد.
إن زيادة البطالة تعبر عن حالة فساد عميقة في الاجتماع والعمران، ومن جملة ما يشير إليه ابن خلدون في حالة تعبر عن وعيه بضرورة القياس في هذا الشأن. وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيرًا عامًا في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه الآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها. وإن كان الاعتداء يسيرًا كان الانقباض عن الكسب على نسبته، ومن هنا وجب البحث في صور العمران وصور الفساد التي تطرأ عليه لأنها كما يقول ابن خلدون (صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة).
ويركب ابن خلدون هذا المقياس حينما يعيد تعريف الظلم وما يترتب عليه من فساد؛ من أنه هو أخذ المال أو الملك من يدي أهله من غير عوض ولا سبب كما هو المشهود، بل الظلم أعم من ذلك، “فكل من أخذ ملك أحد أو غصبه في عملة أو طالبه بغير حق أو فرض عليه حقا لم يفرضه الشرع فقد ظلمه”.
فجباة الأموال بغير حقها ظلمة، والمعتدون عليها ظلمة، والمنتهبون لها ظلمة، والمانعون لحقوق الناس ظلمة، وغصَّاب الأملاك على العموم ظلمة، ووبال ذلك كله عائد على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتها لإذهابه الآمال من أهله.
ويستكمل ابن خلدون مقياسه المركب لحالة الظلم والعدوان والاستبداد المفضية إلى الفساد بالحديث عن أصول العمران في سياق يستدعي فيه مقياسًا يتعلق بالمقاصد الكلية العامة للشريعة من حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال؛ بحيث يجمع إلى المقياس الأول ميزان المصالح وميزان الأضرار: “واعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع في تحريم الظلم، وهو ما ثبت عنه من فساد العمران وخرابه، وذلك مؤذن بانقطاع النوع البشري؛ وهي الحكمة العامة المراعاة للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسة، من حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال”، فلما كان الظلم -كما رأيت- مؤذنًا بانقطاع النوع لما أدى إليه من تخريب العمران كانت حكمة الحظر فيه موجودة فكان تحريمه مهمًا”.
ذلك أن الظلم لا يقدر عليه إلا من لا يُقدر عليه؛ لأنه إنما يقع من أهل القدرة والسلطان.. إنما تعني بقدرة الظالم اليد المبسوطة التي لا تعارضها قدرة فهي المؤذنة بالخراب… ومن أشد الظلمات وأعظمها في فساد العمران تكليف الأعمال وتخسير الرعايا بغير حق.. فإذا كلفوا العمل في غير شأنهم واتخذوا سخريًا في معاشهم بطل كسبهم واغتصبوا قيمة عملهم ذلك وهو متمولهم، فدخل عليهم الضرر وذهب لهم حظ كبير من معاشهم، بل ذهب معاشهم بالجملة، وإن تكرر ذلك أفسد آمالهم في العمارة وفقدوا من السعي فيها جملة، فأدى ذلك إلى انتفاض العمران وتخريبه.
وأعظم من ذلك في الظلم وإفساد العمران والدولة التسلط على أموال الناس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان، ثم فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان على وجه الغصب والإكراه في الشراء والبيع.. وقد يعم ذلك أصناف التجار المقيمين بالمدينة والواردين في الأوقاف من البضائع.. فتشمل الخسارة سائر الأصناف والطبقات، وتتوالى على الساعات، وتجحف برؤوس الأموال ولا يجدون عنها وليجة إلا القعود عن الأسواق لذهاب رؤوس الأموال في جبرها بالأرباح، ويتثاقل الواردون من الآفاق لشراء البضائع وبيعها من أجل ذلك، فتكسد الأسواق ويبطل معاش الرعايا، لأن عامتهم من البيع والشراء، وإذا كانت الأسواق عطلاً منها بطل معاشهم وتنقص جباية السلطان أو تفسد، ويؤول ذلك إلى تلاشى الدولة وفساد عمران المدينة ويطرق هذا الخطر على التدريج ولا يشعر به.
وكذلك من الفساد الذي يطرأ على هذا الأمر هو الفساد في تقدير حقوق الإنسان الأساسية والتأسيسية فيقول: “هذا ما كان بأمثال هذه الذرائع والأسباب إلى أخذ الأموال. وأما أخذها مجانًا والعدوان على الناس في أموالهم وحرمهم ودمائهم وأسرارهم وأغراضهم. فهو يفضي إلى الخلل والفساد دفعة وتنتقض الدولة سريعًا لما ينشأ عنه من الهرج المفضي إلى الانتقاض، وانتقاض العمران بالهرج أو بطلان المعاش”.
وضمن هذه الشبكة التي تربط بين الاستبداد والفساد وحال الفسق في الأخلاق والترف يكون هذا المقياس المركب.
“واعلم أن الداعي لذلك كله إنما هو حاجة الدولة والسلطان إلى الإكثار من المال بما يعرض لهم من الترف في الأحوال، فتكثر نفقاتهم ويعظم الخرج ولا يفي به الدخل على القوانين المعتادة، فيستحدثون ألقابًا ووجوها يوسعون بها الجباية ليفي لهم الدخل بالخرج ثم لا يزال الترف يزيد والخروج بسببه يزيد بكثير، “الحاجة إلى أموال الناس تشتد، ونطاق الدولة بذلك يزيد إلى أن تنمحي دائرتها ويذهب رسمها ويغلبها طالبها”.
الشاكلة العمرانية: الترف – الفساد- الظلم
هذه الدورة السننية تشير بل وتسهم في التعرف والتفهم لكل ما يتعلق بأصول السنه وتصنيفها وارتباطاتها، خاصة حينما تشير إلى السنة العمدة:
هذه الدورة السننية تشير بل وتسهم في التعرف والتفهم لكل ما يتعلق بأصول السنة وتصنيفها وارتباطاتها، خاصة حينما تشير إلى السنة العمدة
فالنظر إلى الدور السننية والرابطة السننية والمنظومة السننية تعبير عن عمق تفكير ابن خلدون بالسنن، ولنتعلم منه في هذا الباب من المهم أن نفتح باب القراءة المتواصلة لاكتشاف ابن خلدون لا هدمه أو تمثل عرضه البحثي والتأليفي. ومن المهم أن نؤسس علم السنن الذي أشار ابن خلدون لأهمية وضرورة المراكمة عليه.
ويتضح من تلك الشبكية الخلدونية أنه كان عليه أن يقدم إضافة للإطار النظري إمكانات تحرك التشابك بين الترف والجباية والاستبداد والفساد والظلم، لم تكن تلك الشبكة لدى ابن خلدون إلا في ذلك الناظم السنني.
هذه الرؤى المتكاملة والمتساندة التي تقدمها المدرسة الخلدونية بامتداداتها توضح -فضلاً عن شمول تصور ظاهرة الفساد وشبكية وتراكب مقاييسه- إمكانات هائلة يمكن أن يراكم عليها في الجماعة العلمية التي تهتم بمعايشة التراث الإسلامي وتثق في رؤية مدرسته العمرانية التي يمثلها ابن خلدون وزملاؤه وتلاميذه ضمن ما يعرف بضرورات القراءة الإيجابية للتراث ننفض بها كل آثار تلك القراءات السلبية التي لم تحسن إلا تشويه ذلك التراث وحرث الأرض لإحداث قطيعة معرفية معه.
حواشى البحث:
- انظر فى آلية الاستدعاء عند تحليل النصوص والجمع فيما بينهما:-
سيف الدين عبد الفتاح ، إشكالية التعامل مع السلطة : دراسة فى نصوص تراثية و منهجية مقترحة ، سلسلة بحوث سياسية ، (114) ، القاهرة :كلية الإقتصاد و العلوم السياسية ، مركز البحوث و الدراسات السياسية ، 1997 ، ص4 .
سيف الدين عبد الفتاح ، العلاقة بين العروبة و الاسلام (تحليل نص: عن العروبة و الاسلام) ، ضمن ندوة (من حملة مشاعل التقدم العربى : عصمت سيف الدولة ، محمد عبد الشفيع عيسى (محرر) ، بيروت القاهرة : (مركز دراسات الوحدة العربية – المركز العربى لبحوث التنمية و المستقبل 2001) ، ص57 – ص58 .
- انظر شبكة الاسنادات الرجعية محاولاتنا فى الربط بين عناصر المرجعية المختلفة فى: سيف الدين عبد الفتاح ،مدخل القيم إطار مرجعى لدراسة العلاقات الدولية فى الاسلام ،ضمن مشروع العلاقات الدولية فى الاسلام () ، القاهرة : المعهد العالمى للفكر الإسلامى، 1999، ص91 –ص95 .
سيف الدين عبد الفتاح ، العلاقة بين العروبة و الإسلام …، مرجع سابق ، ص45 .
- فى إطار التعريفات الاجرائية يمكن مراجعة ذلك فى :- سيف الدين عبد الفتاح ،النظرية السياسية من منظور حضارى إسلامى : منهجية التجديد السياسى و خبرة الواقع العربى المعاصر ، عمان –الاردن :المركز العلمى للدراسات السياسية، مطبعة الجامعة الاردنية ، 2002 ، ص65- ص85 .انظر فى تفصيل و اهمية فكرة المؤشرات د. عبد الباسط عبد المعطى ، البحث الاجتماعى : محاولة نحو رؤية نقدية لمنهجه و ابعاده ، الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، 1984 ، ص200- ص201.
- انظر فى اطار فكرة بناء المقاييس و متطلباتها واركانها و قدراتها و فاعلياتها :-
د. عبد الغفار رشاد ، مناهج البحث فى علم السياسة ،الكتاب الثانى : “بناء المقاييس” ، القاهرة : مكتبة الآداب ، ص163 و ما بعدها.
- فى اطار المعايب التى تطول عملية بناء المقاييس و معمارها انظر :- سيف الدين عبد الفتاح ، النظرية السياسية …، مرجع سابق ،ص67 و ما بعدها
عبد الغفار رشاد ، مرجع سابق ..، ص171 و ما بعدها (أخطاء و المقياس)
- فى اطار فكرة التعقيد فى فى مقابل الاختزال و عناصر التبسيط المخلة انظر :-
ادجار موران ، الفكر و المستقبل : مدخل الى الفكر المركب ، ترجمة : احمد القصوار و منير الحجوجى ،الدار البيضاء : دار توبقال للنشر ، 2004 ،ص21 و ما بعدها .
- المقياس ميزان و موازين المصالح و الاضرار فى اطار المقاربة الشاطبية حول
جدول المصالح و الذى سنضمنه البحث لاحقا فيما يكن لنسميه بمقياس التدافع (درء المفاسد و جت المصالح ) او (دفع المضرة و جلب المصلحة ) انظر :-
سيف الدين عبد الفتاح ،نحو تفعيل النموذج المقاصدى فى المجال السياسى الاجتماعى ، لندن ، مركز المقاصد العامة لشريعة ، 2005.
- انظر فى تصنيف المقاييس :-
حامد عبد الماجد ، مقدمة فى منهجية دراسة و طرق بحث الظواهر السياسية ، جامعة القاهرة : قسم العلوم السياسية ، سلسلة الكتب الدراسية ، 2000 ، ص185 و ما بعدها .
- انظر فى ذلك : د. عطية حسين افندى ، الممارسات غير الاخلاقية فى الادارة العامة،
ضمن : الفساد و التنمية (الشروط السياسية للتنمية الاقتصادية ) ، تحرير :مصطفى كامل السيد ،صلاح سالم زرنوقة ، كلية الاقتصاد و العلوم السياسية ،مركز دراسات و بحوث الدول النامية ،1999 ،ص42 و ما بعدها
- راجع و قارن فى هذا المقام : د. هدى ميتكيس ، الشروط السياسية للتنمية (خبرة دول الجنوب ) ضمن المرجع السابق ، ص28 و ما بعدها .
- حول اتجاهات تعريف الفساد يمكن ملاحظة :- إكرام بدر الدين (محرر)، الفساد السياسى : النظرية و التطبيق ، القاهرة: دار الثقافة العربية ، 1992 ،ص15 و ما بعدها .
- انظر معانى الفساد فى المعاجم اللغوية .
- انظر فى نظرية الحفظ البحث المتعلق بالمدخل المقاصدى :سيف الدين عبد الفتاح ، المدخل المقاصدى وفقه الواقع……….. مرجع سابق.
- انظر هذا المقام :- د. إسماعيل صبرى مقلد ، د. محمد مجمود ربيع (محرران) موسوعة العلوم السياسية، جامعة الكويت ، 1993 -1994.مادة الفساد السياسى من 488-489.
- انظر فى هذا المقام وقارن فى تأثيرات المدرسه السلوكية : عبد الغفار رشاد ، مناهج البحث ، الكتاب الثانى ، مرجع سابق ، ص15-21.
- فى اطار المدرسة السلوكية التقليدية واعتناقها القياس كغاية ولس كوسيلة انظر وقارن: المرجع السابق، ص29-33.
قارن فى هذا المقام : سيف الدين عبد الفتاح ، الاسلام و التنمية ، المساعدات الخارجة و التنمية فى العالم العربى ،رؤية من منظور عربى وإسلامى ، محمد صفى الدين خربوش (محرر) ، عمان- الاردن ، المركز العلمى للدرسات السياسية،2001، ص29-30.
17.انظر:د.ابراهيم شحاتة،وصيتى لبلادى (محاربة الفساد)،القاهرة:مركز ابن خلدون للدارسات الانمائية . دار الامين ، ح4 ، 1997، من 9 وماعدها .
.18إشارة الى الآيه فى سورة الحديد \17 (….فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ) .
19الزخرف \54 .
20الاعراف \58 .
21القوم البور اشارة إلى آية الفرقان \18 ، و الفتح \12 .
22النحل \92 .
23انظر فى العلاقة التدافعية بين الاصلاح و الفساد :
سيف الدين عبد الفتاح ، تفعيل المنظور المقاصدى و دراسة الظاهرة الاجتماعية والسياسية ، ضمن الندوة التأسيسية ، لندن : مركز المقاصد العاة للشريعة ، 2005 .
24انظر طارق البشرى ، دور مؤسسات الدولة فى مكافحة الفساد ، ضمن ندوة الفساد و الحكم الصالح فى البلاد العربية ، بيروت-القاهرة . مركز داسات الوحدة العربية ، المعهد السويدى بالإسكندرية ، ديسمر 2004 ، ص 510 ومابعدها .
25المرجع السابق ، ص 514 و مابعدها .
26فى إطار علاقة الخطاب السياسى و السطة انظر :-
عمر اوكان ، مدخل لدراسة النص و السلطة ، الدار البيضاء : إفريقيا الشرق ، 1991 .
27وفى إطار المقولات الاسطورية الخمسة يمكن ماجعة كتابات متقدمة أشارت الى بعضها وأهمها ، ندوة مركز دراسات الوحدة العربية- المعهد السويدى بالاسكندرية ، الفساد و الحكم الصالح فى البلاد العربية ، مرجع سابق ، مواضيع متفرقة .
ندوة مركز دراسات و بحوث الدول النامية ، الفساد و التنمية ( الشروط السياسية للتنمية الاقتصادية) ، مرجع سابق ، مواضع متفرقة .
28فى إطار فهم السنة الالهية وحاكميتها وعمل سنة التدافع عن وجه الخصوص يمكن مراجعة :- سيف الدين عبد الفتاح ، مرجع سابق ، مواضيع متفرقة . مدخل القيم…… مجع سابق ، ص 186 ومابعدها .
انظر كذلك المدخل السننى لدى ابن خلدون فى : سيف الدين عبد الفتاح ، المدخل السننى لدى ابن خلدون ؛تحت الطبع.
29الانفال \24 .
30ضمن مقولة الفساد الوظيفى إنظر :- إكرام بدر الدين ، الفساد السياسى : النظرية و التطبيق …….، مرجع سابق ، ص46-50 .
31.فى إطار النسبية و العلاقة فيا بينهما ونسق القيم انظر وراجع وقارن: سيف الدين عبد الفتاح ، مدخل القيم ……. ، مرجع سابق ، ص20 ومابعدها.
32.وفى إطار صيغة المجتمع الانتقالي انظر :-
Lerner ، Daniel ، The Passing Of Traditional society- Modernizing The Middle East ، New York ، The free Press، 1958.
أما إساءة استخدامها فذلك فى قمة الفساد إذ تعد هذه المقولة تثبيتا للأمر الواقع و الواقع المرتبط به على فساده وتراكم الفساد فيه .
33.محمد بن محمد بن خليل الاسدى ، التيسير و الاعتبار و التحرير و الاختيار ، يما يجب من حسن التدبير و التصرف و الاختيار ، تحقيق: عبد القادر أحمد طليمات ، القاهرة دار الفكر العربى ، 1967 . ص 159 .
34. المرجع السابق ، ص 54 .
35. المرجع السابق ، ص 35 .
36.المرجع السابق ، ص 84-85 .
37.المرجع السابق ، ص 87-88 .
38.المرجع السابق ،ص46 .
39. المرجع السابق ، ص 47 .
40. المرجع السابق ، ص 46 .
41. المرجع السابق ، ص 47 وما بعدها .
42. المرجع السابق ، ص47 .
43. المرجع السابق ، ص114- ص115.
44. المرجع السابق ، ص116- ص126.
45. أماني غانم ، الجهود الدولية لمكافحة الفساد ، ضمن ندوة : الفساد و التنمية …، مرجع سابق ، ص357 – ص369 .
46. المرجع السابق ، ص365 – ص366.
د. حسن نافعه ، دور المؤسسات الدولية و منظمات الشفافية فى مكافحة الفساد ، ضمن ندوة (الفساد و الحكم الصالح فى البلاد العربية ) ، مرجع سابق ، ص531 و ما بعدها .
انظر على وجه الخصوص تقرير “منظمة الشفافية الدولية حول الفساد و قياساته ” ، ص2
قارن : تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004 (نحو الحرية فى الوطن العربى ) ، U.N.D.P ، المكتب الإقليمى للدول العربية ، برنامج الامم المتحدة الإنمائى ، 2005
و قارن كذلك : برنامج إدارة الحكم فى الدول العربية ، البرنامج الإنمائى للامم المتحدة ، مؤشرات ادارة الحكم .
47. كبمبر لى آن إليوت ، الفساد و الاقتصاد العالمى ، ترجمة : محمد جمال امام ، القاهرة : الأهرام للترجمة و النشر ، 2000 مواضيع متفرقة .
48. البنك الدولى للانشاء و التعمير ، تقرير عن التنمية فى العالم ، “الدولة فى عالم متغير” ، القاهرة : مركز الاهرام للترجمة و النشر ، 1997 ، انظر الفصل السادس ، الحد من الفساد و التصرفات التحكمية للدولة ، ص108 – ص118 .
49. البقرة من آية 11-12 .
50. انظر :- عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ، مقدمة ابن خلدون ،
تحقيق : د. على عبد الواحد وافى ، القاهرة : نهضة مصر ، ج2، 2004 ، ص688 – ص704 .
51. انظر الجدول الذى يتعلق بموازيين المصالح و الاضرار و المنافع و المقاصد فى شكل تدافعى ضمن المقاربة الشاطبية و التى أشرنا اليها سابقا .
52. فى إطار هذه الرؤية التكاملية ضمن المدرسة الخلدونية من المهم ان تلحظ عناصر الشبكة الاستبدادية لدى الكواكبى :-
عبد الرحمن الكواكبى ، الاعمال الكاملة للكواكبى ، إعداد و تحقيق : محمد جمال طحان ، بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية ، يونيو 1995 ، ص413 – ص435
و محمد بن خليل الاسدى الذى قدم شبكة الفساد :-
محمد بن خليل الاسدى ، التيسير و الاعتبار …، مرجع سابق ، مواضع متفرقة .
و المقريزى الذى قدم حالة الازمة و ارتباطها بالفساد انظر :-
تقى الدين احمد بن على المقريزى ، اغاثة الامة بكشف الغمة ، القاهرة :- الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1999 ، مواضيع متفرقة .
53. اعتمدنا فى صياغة هذه الرؤية للحالة الجبائية و الحالة الترفية و الحالة الاستبدادية و الحالة الاخلاقية و المعنوية على فصول مهمة من مقدمة ابن خلدون سبقت الاشارة اليها .
المصدر: المعهد المصري للدراسات