ميديا بارت: اعتماد الأئمة.. ماكرون يفشل في تجديد الإسلام بفرنسا
وفقا لوثيقة حصل عليها موقع ميديا بارت (Mediapart) الفرنسي، فإن مشروع المجلس الوطني للأئمة التابع للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يشترط حصول الإمام على اعتماد قابل للسحب في حالة ارتكابه خرقا أخلاقيا، وهو كما طلبت الرئاسة الفرنسية يضع حدا قبل كل شيء لآمال تجديد قوانين العبادة التي أثارها المرشح إيمانويل ماكرون عام 2017.
وقد دعا ماكرون في خطابه بشأن النزعة الانفصالية (عدم اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي كما ينبغي) إلى إنشاء مجلس وطني للأئمة مكلف باعتماد رجال الدين من أجل تحرير الإسلام في فرنسا من التأثير الأجنبي، كما دعا إلى ذلك المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، مما يعني أن إنشاء هذا الكيان ضروري لدعم الأجندة الرئاسية.
وليس سرا لدى المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أن “الفكرة هي تثبيت المجلس الوطني للأئمة رسميا قبل تقديم مشروع القانون المتعلق بالنزعة الانفصالية في 9 ديسمبر/كانون الأول في مجلس الوزراء” كما أوضح لميديا بارت أنور كبيش رئيس تجمع مسلمي فرنسا أحد اتحادات المساجد التسعة التي يتألف منها المجلس.
وفي تحقيق بقلم لو سيره، قال الموقع إن كتابة المسودة الأولى للمشروع تمت خلال 4 أسابيع من قبل رئيس المجلس الفرنسي للديانة ونوابه، وجاء النص من 6 صفحات تقدم بعد النقاش إلى قصر الإليزيه قبل التحكيم النهائي والإعلان الرسمي “ربما في مسجد باريس الكبير” كما يعتقد أنور كبيش أو غيره.
ووفقا للنسخة السرية الأولى للمشروع التي اطلع عليها الموقع بعنوان “إعلان إنشاء مجلس الأئمة”، فإن الهيئة توزع الأئمة على 3 مراتب، في الأولى يكون الإمام مسؤولا عن “إمامة الصلوات الخمس” فقط، وفي الثانية يكون الإمام خطيبا قادرا على كتابة وإلقاء خطب الجمعة، وتشترط فيها خبرة لا تقل عن 5 سنوات من إمامة الصلاة اليومية، أما المرتبة الثالثة فهي الأعلى وهي رتبة الإمام “المحاضر” التي لا يمكن الوصول إليها إلا بعد “10 سنوات على الأقل من الخبرة في الإمامة”.
سلطة تنظيم وحيدة
وحسب المعلومات التي حصل عليها الموقع، فإن هذه الرتبة المرموقة الأخيرة مشروطة بحيازة الجنسية الفرنسية، ويمكن “تعليق اعتماد أي إمام تلقائيا إذا لم يعد في وضع عادي على الأراضي الفرنسية حتى تتم تسوية وضعه”، كما يمكن “السحب الدائم أو المؤقت لاعتماد الإمام” في حال انتهاكه القواعد الأخلاقية.
وأشار الموقع إلى أن هذا المشروع يطرح الأسئلة أكثر مما يحلها، إذ إن المجلس الوطني للأئمة دعا إليه ماكرون لمواكبة نهاية “الإسلام القنصلي” المعلن عام 2024 والذي يعتمد على أئمة معارين من دول أجنبية.
ونبه الموقع إلى أن النص يتجاهل تنوع الإسلام الفرنسي، ويقدم رؤية محدودة للدين الإسلامي تقتصر على أهل السنة، خاصة ممارسة الشعائر الدينية في المستعمرات السابقة بالمغرب والجزائر.
وحسب أعضاء مجلس الديانة الإسلامية الفرنسي الذين اتصل بهم الموقع، فإن “الهدف هو ترسيخ مجلس الأئمة كسلطة تنظيم وحيدة”، وبالتالي سيحتاج جميع الأئمة في النهاية إلى الحصول على اعتماد، كما أن على كل اتحاد أن يقدم أئمته في غضون عام كما يوضح أنور كبيش.
وحتى قبل الانتهاء من المشروع أثار الإعلان عن إنشاء مجلس الأئمة من قبل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أسئلة كبيرة، فمن حيث الشكل كان اجتماع الاتحادات في الإليزيه منظما من قبل ماكرون وتم تقديمه للصحافة على أنه استدعاء، وهذا جعله صادما، بل اعتبر مهينا من قبل أعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي قال رئيسه إنه نقل هذه النقطة إلى مستشاري الرئيس.
ومن دون أن يقول ذلك نسب ماكرون الفضل في هذا المشروع إلى الهيئة الاستشارية للعبادة التي شكلها نيكولا ساركوزي عام 2003، نافضا بذلك يديه من برنامجه الرئاسي لعام 2017 كما يلاحظ الموقع.
وفي ذلك الوقت كان ماكرون قد خلص إلى أن إهمال هذا الموضوع سياسي أكثر منه دينيا، وبدا أنه يريد وضع حد لذلك من خلال تشجيع ظهور هياكل منافسة حين قال في برنامج 2017 إن “المسلمين الفرنسيين ممثلون بشكل ضعيف، وغدا سيسمح الهيكل الجديد بإعادة إطلاق المشاريع الرئيسية للديانة الإسلامية في فرنسا”.
ورغم تقديمه من قبل السلطات كممثل فإن المجلس الفرنسي للدين الإسلامي لا يمثل جميع المساجد في البلاد، حتى أنه لا يعرف بالضبط عدد من يشرف عليها ولا يستطيع تقديم خريطة نهائية لها.
موقف غير مفهوم
ورغم أن وضع مخطط لمشروع المجلس الديني قد تم عام 2015 فإن تسوية الأمور الدينية تمت على مستوى الاتحادات داخليا ولم تتم على مستوى المجلس، وهذه هي المفارقة في هذا الكيان المكلف من قبل السلطة التنفيذية بالعمل على نظام الاعتماد الديني.
وآخر ما يتحدث عنه المسلمون -حسب الموقع- كان حلول المحامي الفرنسي الجزائري شمس الدين حافظ محل مدير مسجد باريس الكبير دليل بوبكر.
ونبه الموقع إلى أن هذه الطريقة في فعل الأشياء فتحت بابا لدى المسلمين في فرنسا بشأن عدم الثقة في ممثليهم، حيث يتحدث البعض عن موالين للسلطات، ويشير آخرون إلى “أكلة العيش”، وهم الانتهازيون.
ومع ذلك، أشارت القراءة الأولى لفترة ماكرون الحالية إلى ظهور سياسة مختلفة للديانة الإسلامية نظمها الولاة عام 2018، لتحديد الجهات الفاعلة المؤسسية الناشئة على المستوى الإقليمي لهيكلة الديانة من القاعدة، بعد أن اتضح أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يعاني من ضعف التمثيل.
وحتى قبل بضعة أشهر كان يعتقد أن رئيس الدولة سوف يدعم مبادرة حكيم القروي في تقريره لمعهد مونتين عام 2016 حول “إسلام فرنسي ممكن”، وهو تقرير عُرض على ماكرون ويقترح سحب البساط من تحت المجلس الفرنسي للديانة، وذلك من خلال الاعتماد على مؤسسة الإسلام في فرنسا، وتعيين إمام أكبر لفرنسا.
ورغم أن ماكرون ذكر هذه المؤسسة التي كان من المتوقع أن تجبي أموال الطعام الحلال والحج فإنه لم يتضح هل كان يدعمها أم لا، خاصة أنها لم تجب مليما واحدا، مما يعني أن موقف الإليزيه لم يعد واضحا ولا مفهوما.
من جانبه، قال النائب فلوران بوديي إنه “كان هناك إغراء بالقيام بعملية مسح الطاولة، ولكن من الضروري أن نكون واقعيين، خاصة أن المجلس الفرنسي للديانة موجود (…)، والقضية هي معرفة كيف تناور الدولة مع هؤلاء المحاورين المختلفين مع احترام قانون 1905”.
ووفقا لمصادر داخل فريق حملته الرئاسية، فإن خط ماكرون فيما يتعلق بالإسلام “هش للغاية لأنه لم يكن مثبتا من الناحية الفكرية”، وعندما يتعلق الأمر بالهجرة أو بالشؤون الإسلامية يمكن أن يقتنع بأي شيء لأنه لا يكاد يهتم بالأمر، حسب مسؤول آخر في حملته.
وفي الختام، يسأل الأمين العام للجنة فاتح ساريكير: هل سيرى مشروع المجلس الوطني للأئمة النور قبل يوم من الحملة الرئاسية المقبلة؟ وهل سيكون مستعدا لضمان الانتقال مع نهاية الإسلام القنصلي المعلن لعام 2024؟ مضيفا “علينا أن نكون متسامحين”.
(المصدر: الجزيرة)