مواقف وعبر تربوية من طبقات الشافعية “أبو داود” – د. يوسف السند
سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الإمام الجليل أبو داود السِّجِيسْتاني الأزدي صاحب السنن، من سِجِسْتان، الإقليم المعروف المتاخم لبلاد الهند، ولد سنة ثنتين ومائتين هجرية.
قال أبو بكر الصَّغاني: أُلين لأبي داود الحديثُ كما أُلين لداود عليه السلام الحديد، كذلك قال إبراهيم الحربي.
وقال موسى بن هارون الحافظ: خُلق أبو داود في الدنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة، ما رأيت أفضل منه.
وقال أبو بكر بن داسة: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمّنته كتاب «السنن»، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما كان فيه وهْن شديد بيّنته.
قال شيخنا الذهبي: وقد وفَّى بذلك؛ فإنه بيّن الضعف الظاهر، وسكت عن الضعف المحتمَل، فما سكت (عنه) لا يكون حسناً عنده ولا بُدّ، بل قد يكون ممّا فيه ضعفٌ. انتهى.
وقال زكريا الساجِيّ: كتاب الله أصل الإسلام، وكتاب أبي داود عهْد الإسلام.
وقال أحمد بن محمد بن ياسين الهرويّ في «تاريخ هَراة»: أبو داود السِّجِسْتاني كان أحد حُفّاظ الإسلام لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعِلله وسنده، في أعلى درجة النُّسُك والعفاف والصلاح والورع، من فُرسان الحديث.
وقال الحاكم أبو عبدالله: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مُدافعة.
وقال أبوبكر الخَلّال: أبو داود الإمام المقدَّم في زمانه، ولم يُسبق إلى معرفته بتخريج العلوم، وبَصَرِه بمواضعه، رجلٌ ورِعٌ مقدَّم.
وقال الخَطَّابيّ: حدثني عبدالله بن محمد المِسْكِيّ، حدثني أبوبكر بن جابر، خادم أبي داود قال: كنت مع أبي داود ببغداد فصلّيت المغرب، فجاء الأمير أبو أحمد الموفَّق فدخل، فأقبل عليه أبو داود وقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟ فقال: خِلالٌ ثلاث.
قال: وما هي؟ قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطناً؛ لترحل إليك طلبةُ العلم فتعمُر بك، فإنها قد خَرِبت وانقطع عنها الناس، لما جرى عليها من محنة الزَّنْج، قال: هذه واحدة، قال: وتروي لأولادي «السُّنَن» فقال: نعم، هات الثالثة، قال: وتُفرد لهم مجلساً؛ فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامّة، قال: أمّا هذه فلا سبيل إليها؛ لأن الناس في العلم سواء.
قال ابن جابر: فكانوا يحضرون ويقعدون، وبينهم وبين العامّة سِتر.
قال شيخنا الذهبيّ يرحمه الله: تفقّه أبو داود بأحمد بن حنبل ولازمه مدة؛ قال: وكان يُشَبّه به، كما كان أحمد يشبَّه بشيخه وكيع، وكان وكيع يُشبَّه بشيخه سفيان، وكان سفيان يشبَّه بشيخه منصور، وكان منصور يشبَّه بشيخه إبراهيم، وكان إبراهيم يشبَّه بشيخه عَلْقمة، وكان عَلْقمة يشبّه بشيخه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.
توفي أبوداود في سادس عشر شوال سنة خمس وسبعين ومائتين(1).
الفوائد والعبر التربوية:
– من عظّم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاح شذا ذكره وطاب عبير سيرته بين الخلق ولا سيما العلماء.
– العفاف والصلاح والنسك والورع خِلال عظيمة وصفات جليلة كانت سائدة في سمت العلماء وأخلاقهم.
– تبجيل العلماء للعلم، وكانوا لا يبذلون للأمراء دون عامة الناس، وهذا واضح في رد الإمام أبي داود على الأمير الموفق حين طلبه في مجلس خاص لأولاده فامتنع الإمام أبو داود يرحمه الله قائلاً: أما هذه فلا سبيل إليها؛ لأن الناس في العلم سواء.
– بالعلم تعمر الديار والأمصار والبلدان، ولذا طلب الأمير من أبي داود الإقامة في البصرة بعد أن خربت.
– كان سلفنا يرحمهم الله يتشبهون بمشايخهم وعلمائهم من حيث العلم والسمت الحسن والأخلاق العظيمة؛ فالتشبه بالكرام فلاح.
_______________
الهامش
(1) تاج الدين السبكي- طبقات الشافعية الكبرى ج 2، تحقيق: عبدالفتاح محمد الحلو، محمود محمد الطناحي.
(المصدر: مجلة المجتمع)