مقالاتمقالات مختارة

مهزلة التخريج المذهبي

مهزلة التخريج المذهبي

بقلم أيمن صالح
الاجتهاد ببناء الأحكام على نصوص الشرع وأدلته أولى وأسهل منه بتخريجها ومقايستها على أقوال الأئمة المجتهدين وفروعهم لأسباب كثيرة:
  • منها أن نصوص الشارع محفوظة، إذ تعهد بحفظها بخلاف أقوال الأئمة المجتهدين فهي لا يؤمن ضياعها، ولا يضمن عدم تراجع المجتهد عنها أو حكمه بخطئها فيما لم يبلغنا.
  • ومنها: أن الشارع لا يجوز عليه التناقض بخلاف المجتهد {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}، ولذلك من الخطأ معاملة قول المجتهد كقول الشارع في أحكام التعارض بالجمع والترجيح والنسخ، ولا موجب لذلك. وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما وأحمد وغيرهم؛ إذ كرهوا أن تُكتب آاراؤهم: إنا نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا.
  • ومنها أن المقرر هو أن لازم دليل الشرع لازم وأما لازم المذهب فليس بلازم؛ لأن الشرع حق وما يلزم عنه حق قطعا. أما صاحب المذهب فقد يقول القول ويغفل عن لوازمه، ولو ذُكرت له هذه اللوازم لأنكرها ولم يلتزمها، والتخريج مؤداه أن لازم المذهب لازم.
  • ومنها أن نصوص الشارع تصحبها القرائن من أسباب الورود والنزول وحافات السياق القريب والبعيد وفهم الصحابة مما يعين على فهم المقصود منها بدقة، بخلاف أقوال المجتهدين من الأئمة التي تنقل في الغالب من غير قرائن سياقية أو حالية تعين على تبين المقصود منها، بتخصيص عامها وتقييد مطلقها وتوضيح مجملها.
  • ومنها أن نصوص الشارع يصحبها التعليل كثيرا بالنص أو الإيماء، ثم باجتهاد العلماء منذ الصحابة، بخلاف أقوال الأئمة.
  • ومنها أن نصوص الشارع مخدومة بالشرح والنظر والتحليل والتفسير والتوثيق من كبار العلماء والمجتهدين منذ الصحابة رضوان الله عليهم، بخلاف أقوال الأئمة التي لم تخدم كما خدمت نصوص الشرع، وأكثر من خدمها المقلدون المنحطّون عن رتبة الاجتهاد بل تركها عامة المتأخرين منهم وأقبلوا على تفكيك متون المقلدين أمثالهم.
  • ومنها أن نصوص الشارع أدلة بنفسها بخلاف أقوال المجتهد إذ هي دليل بواسطة تضمنها لمعنى النص ودلالته، والبناء على ما كان دليلا بنفسه أولى وأكثر صوابا من التخريج على ما يتضمّن الدليل.
  • ومنها أن العلماء اختلفوا في جواز التخريج على قول المجتهد، وفي جواز نسبة ذلك إلى المجتهد بينما اتفقوا على حجية نصوص الشرع والاستدلال بها. والأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه.
  • ومنها أن الأصوليين اختلفوا في جواز تقليد الميت من المجتهدين بينما لم يختلفوا في وجوب اتباع نصوص الشرع.
  • ومنها أن جمهور القائلين بحجية القياس من الأصوليين لا يجيزون قياس الفرع على الفرع (التخريج) بينما اتفقوا على جواز قياس الفرع على الأصل.
ومع كل هذه الأسباب الظاهرة لا ينقضي العجب ممن قال ويقول بالتخريج المذهبي سبيلا للاجتهاد في أحكام النوازل بعد عصر الأئمة. ولذلك قال ابن الوزير، رحمه الله:
«الظاهر في كثير من التخاريج أنها داخلة في عموم البدع المنهي عنها، ولو كانت من مهمات الدين ما فاتت خيرالقرون من الصحابة والتابعين وتابعيهم… إلى رأس ثلاث مئة سنة من الهجرة النبوية، فما أعلم أحدًا من الصحابة خرّج على كلام من نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على علمه كعلي عليه السلام، ومعاذ، وابن عباس، ولا من بعدهم من التابعين، ولا خرّج أحد من أهل البيت على قول إمام الأئمة علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع تعظيمهم له وفي الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “إن شر الأمور محدثاتها”»
(المصدر: مدونة أيمن صالح)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى