مقالاتمقالات مختارة

من “مدينة الحَجّاج” الثقفي إلى عاصمة السيسي.. هل منعت عواصم المستبدين عروشهم من قواصم السقوط؟

من “مدينة الحَجّاج” الثقفي إلى عاصمة السيسي.. هل منعت عواصم المستبدين عروشهم من قواصم السقوط؟

بقلم عبد القدوس الهاشمي

في 13 مارس/آذار 2015 أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراره القاضي بإنشاء عاصمة إدارية جديدة في مصر. وستضم المدينة مقرات أجهزة الحكم في الدولة كالرئاسة والبرلمان والوزارات الرئيسية، بالإضافة إلى السفارات الأجنبية، ومطار دولي، والعديد من المنتزهات والمرافق الخدمية. ويتوقع أن تكون هذه العاصمة عالية الأسوار لا يدخلها إلا الموالون للحكم، مما سيطيل بقاءها ويقيها غضبة الشعب المقهور؛ حسب آمال مؤسسها.
بيد أن هذا النمط من العواصم ليس ابتكارا لأنظمة الحكم العسكري الاستبدادي المعاصرة، بل هو أمر مألوف ضاربٌ في القِدَم وله نسبٌ في الاستبداد عريق، منذ أن تولى أمرَ هذه الأمة عسكريّوها غلبةً وقهرا طوال 1400 سنة الماضية.
وتسعى هذه المقالة إلى رصد أبرز النماذج التاريخيّة لهذه الظاهرة اللافتة في سلوك الأنظمة الاستبدادية في تاريخنا الإسلامي، بحيث تتناول أبرز تلك العواصم في قرونه الزاهرة (الأول والثاني والثالث والرابع)، وتغطي دوله الكبرى -بمختلف انتماءاتها الطائفية- التي حكمت شعوبها باسم “الخلافة” في تلك العصور: الخلافة الأموية بفرعيها في المشرق والأندلس، ثم الخلافة العباسية، وبعدهما الخلافة الفاطمية الشيعية.

بدايات عراقية

1- واسط:
بعد نهاية حكم الخلفاء الراشدين واستيلاء الأمويين على سلطة الأمة بالإكراه المسنود بالقوة؛ قامت دولة الغلبة والاستبداد، فكانت أول مدينة أسست بعد المدن التي استحدثها الصحابة هي مدينة “واسط” بالعراق، التي شيدها الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95هـ) سنة 84هـ لتكون “عاصمة” لحكم ولايته التي غطت الجناح الشرقي من الخريطة الإسلامية حينها، فكان قلب ولايته العراق وامتدادها ما بين الحجاز وآسيا الوسطى. ومن هنا روى ياقوت الحموي (ت 626هـ) -في كتابه ‘معجم البلدان‘- أن الحجاج هو “أول من بنى مدينة في الإسلام بعد الصحابة”.

كانت أرض العراق أرض ثورات وتمرّد على حكم بني أميّة، فرماهم الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالحجّاج أعتى قادته العسكريين وأكثرهم استخفافًا بالدماء، فأعمل فيهم السيف وقاتل المنشقين عليهم، فـ”لما فرغ من حروبه استوطن الكوفة فآنس منهم الملال والبغض له، فقال لرجلٍ ممن يثق بعقله: امضِ وابتغِ لي موضعًا.. أبنِ فيه مدينة وليكن على نهرٍ جارٍ”. وهكذا بعث الحجاج الخبراء ليرصدوا له موضعا لمدينته الإدارية التي يحلم بها، وبعد فحص طوبوغرافي واسع استقر رأيهم على مكان “واسط”.

وقع الاختيار على هذا الموقع لتوسّطه الإستراتيجي بين بؤرتيْ الثورات المتأججة: الكوفة والبصرة، فكانت “واسط” -التي سُميت بهذا الاسم “لتوسطها بين مدن العراق”؛ كما يفيدنا القلقشندي (ت 821هـ) في كتابه ‘صبح الأعشى‘- تبعد من كلتا المدينتين خمسين فرسخًا (= 277 كلم تقريبا)، فهي بعيدة عنهما بمقدار ما يأمن الحاكم على نفسه، وقريبة منهما بمقدار ما يخشى الثوّار فيهما سطوته.

ثم إن الحجاج بناها على طراز أمنيّ عالي المستوى فكان يحيط بها سوران وخندق، ونقل إليها مؤسسات الدولة من الكوفة، وبنى فيها مسجدًا وأسواقًا لأصحاب المهن من الجزارين والحدادين، وحدائق للنزهة. واتخذ في داخلها ترتيبات أمنية شديدة فأقام على أبوابها الحرّاس، وجعلها حكرًا على العرب وحدهم بادئ الأمر، فأخرج منها النبطيين “وقال إنهم مفسدة”.

وكان لا يترك أحدًا من “أهل السواد (= القرى الزراعية) يبيت بواسط، فإذا كان الليل أخرجهم جميعًا ثم يعودون بالغداة لحوائجهم”؛ كما يروي لنا مؤرخ هذه المدينة أسلم بن سهل الواسطي المعروف بـ”بَحْشَلْ” (ت 292هـ) في كتابه ‘تاريخ واسط‘.

كما كانت المدينة على قدر عالٍ من الرفاهيّة ورغد العيش. فلتأمين الجانب البشريّ الموالي للنظام الحكم وضمان ولائهم قدمت الإدارة الجديدة تسهيلات للسكان، ودعمت السلع الغذائيّة، واشتهرت واسط -التي عُرفت تاريخيا أيضا بـ”مدينة الحَجّاج”- برخصها على مر السنين، حتى شهد لها بذلك ياقوت الحموي بقوله: “وكان الرخص موجودًا فيها من جميع الأشياء، ما لا يوصف”.

وقد أرهق الحجاج ميزانية الدولة ببناء مدينته المحروسة هذه، فأنفق فيها مالية ضرائب العراق لمدة خمس سنوات؛ حسب تقديرات بَحْشَلْ الواسطي. وهكذا قامت هذه المدينة “العاصمة” على أسس المعايير الأمنية لحماية النظام الحاكم، والفساد الإداري وإهدار المال العام. ويحكي لنا الحموي كيف احتال الحجاج على عبد الملك بن مروان (ت 86هـ) ليمرر هذا الميزانيّة المليونية في بناء مدينته وقصره.

فقد جعل الحجاج الجزء الأكبر من ميزانية البناء على بند وزارة الدفاع ونفقات الجيش التي لا ترقى إليها المساءلة في دول العسكر، وذلك حتى يسلم من غضبة عبد الملك: “أنفق الحجاج على بناء قصره والجامع والخندقين والسور ثلاثة وأربعين ألف ألف درهم (= 1.075 مليار دولار تقريبا بأسعار اليوم)، فقال له كاتبه (= سكرتيره) صالح بن عبد الرحمن (التميمي المتوفى 103هـ): هذه نفقة كثيرة ولو احتسبها لك أمير المؤمنين وَجَد (= غضب) في نفسه، فقال: فما نصنع؟ قال الحروب لها أجمل! فاحتسب منها في الحرب أربعة وثلاثين ألف ألف، واحتسب البناء بتسعة آلاف ألف درهم”.

ولم يدخر الحجاج جهدًا في استخدام الآلة الإعلاميّة في دعم مشروعه الأمنيّ الجديد، فسخّر روايات تضفي هالة قدسيّة على المدينة بأسْطَرتها ليشيع فضلها بين الناس؛ إذ يروي “بَحْشَلْ” أن الحكم بن عوانة الكلبي (ت 158هـ) قال: “كنت مع الحجاج وهو يرتاد موضعًا يبنيه فبينا نحن نطوف معه، إذ رأى راهبًا راكبًا على حمارٍ له، فراث الحمار، فنزل الراهب فأخذ الروث في ثوبه، فدعاه الحجاج وقال له: ماذا صنعت؟ فقال: أيها الأمير إنا نجد في كتبنا أنه لما كان يوم الطوفان انقطعت أرضٌ من الأرض المقدّسة فصارت إلى ههنا، فهي هذي. فكرهت أن يكون روث حماري فيها. فقال الحجاج: انزلوا، ثم أمر بالتقدير والبناء”.

ورغم كل هذا التقدم الاقتصادي الذي أحاط بالمدينة الإدارية الجديدة، والهالة القدسيّة، والرفاه الموفّر لساكنيها الحكوميين؛ فإنها كانت من الناحية الحقوقيّة كسائر دول العسكر القمعيّة، تحفل بسجل انتهاكات وظلم رهيب. وطبقا لإحصاءات ياقوت الحموي؛ فقد “أحصِي في محبس الحجاج ثلاثة وثلاثون ألف إنسان لم يُحبسوا في دم ولا تبعة ولا دَين (= معتقلو رأي)، وأحصِي مَن قتله [الحجاج] صبرًا (= أحكام إعدام) فبلغوا مئة وعشرين ألفًا”.


الحجاج الثقفي أول من فكر بعد عهد الراشدين في إنشاء مدينة إدارية يدير منها ولايته للأمويين التي غطت الجناح الشرقي من الخريطة الإسلامية حينها (مواقع التواصل الاجتماعي)
الحجاج الثقفي أول من فكر بعد عهد الراشدين في إنشاء مدينة إدارية يدير منها ولايته للأمويين التي غطت الجناح الشرقي من الخريطة الإسلامية حينها (مواقع التواصل الاجتماعي)

2- بغداد:
في سنة 132هـ؛ تقوّضت دولة الأمويين على أيدي ثوار بني العباس الذين مضى حكامهم على سُنّة الحجاج في بناء مدنهم الإدارية الحصينة، التي أرادوا بها أن تقيهم من صولة الثورات الشعبيّة والانقلابات العسكرية؛ فسرعان ما بنى أول خلفائهم أبو العباس السفاح (ت 136هـ) مدينة بالأنبار على شاطئ الفرات سماها “الهاشمية”.

لكن السفاح توفي قبل تمام مدينته فأتمم بناءها أخوه أبو جعفر المنصور (ت 158هـ) وأقام فيها، إلا أنه لم يلبث أن كره البقاء فيها بعد أن ثارت عليه جماعته “الراونديّة” التي كانت هي نصيبه من شيعة آل البيت الهاشمي، كما أن قرب المدينة من الكوفة -التي تعدّ معقلا تاريخيا للعلويين- منعه الشعور بالاطمئنان.

عزم المنصور –الذي يصفه الإمام الذهبي (ت 748هـ) في ‘سير أعلام النبلاء‘ بأنه “فحل بني العباس هيبةً وشجاعة… وجبروتا”- على تأسيس عاصمة ثانية، أصبحت فيما بعد تُدعى بغداد أو “دار السلام”؛ فبعد أن أعجبه موقعها “شرع في عمارتها عام 145هـ ونزلها 149هـ، وكان سبب عمارتها أن أهل الكوفة كانوا يفسدون جنده فبلغه ذلك من فعلهم، فانتقل عنهم يرتاد موضعًا… يبني فيه مدينة، ويكون الموضع واسطا رافقا بالعامة والجند”؛ على ما رواه الحموي.

لقد أخِذ المنصور بميزة التحصين الأمني الذي يتيحه توسط موقع بغداد بين نهريْ دجلة والفرات بها، فتصير خنادق مائيّة أمام الخطر القادم من خارج المدينة، ولا يصل بين الضفتين سوى جسور يمكن تخريبها بسهولة لتصعب مهمة العبور إليها. وبالنظر إلى موقعها الجغرافي؛ يتضح لنا سبب آخر رجّح لدى المنصور اختيار هذا الموقع، نستنبطه بالنظر إلى خريطة العراق في ذلك الزمان؛ وهو أنه مال إلى جهة فارس لكثرة أنصار دولته هناك، وابتعد عن مدن العرب لما يجده لديهم من معارضة لحكمه.

ويبدو أن المنصور تنبّه لما سيدوّنه لاحقا ابن خلدون (ت 808هـ) من محددات إستراتيجية يجب توفرها في بناء المدن المنيعة؛ إذ يقول –في كتابه ‘المقدمة‘- إن أول تلك المحددات هو “الحماية من المضار، فيراعى لها أن يُدار على منازلها جميعا سياج الأسوار، وأن يكون وضع ذلك في متمنّع من الأمكنة: إما على هضبة متوعّرة من الجبل، وإما باستدارة بحر أو نهر بها حتى لا يوصل إليها إلا بعد العبور على جسر أو قنطرة، فيصعب منالُها على العدو ويتضاعف امتناعها وحصنها”.

بُنيت بغداد –كما يروي لنا الخطيب البغدادي (ت 463هـ) في ‘تاريخ بغداد‘- لتكون حصنا كبيرًا فيه جميع مرافق المقاومة -عند فرض الحصار عليها- وأسباب العيش والمصابرة، فأحاط بها سوران تفصل بينهما أرض خلوٌ من البناء والعمارة لحماية المدينة، ارتفاع الداخلي ثلاثون مترًا والخارجي دونه في الارتفاع، وكان عرض السور نحو عشرة أمتار ليصمد أمام المنجنيق، وشُيد عبر طوله نحو 113 برجا لجنود المراقبة.

وجُعل للمدينة أربعة أبواب ضخمة من الحديد وأحيطت بالخنادق. وحسب الخطيب البغدادي؛ فإن المنصور أمر “ألا يسكن تحت السور الطويل الداخل أحد ولا يبني منزلًا”، فجعل من المنطقة المقاربة من الأسوار منطقة عازلة، بحيث لا يُحفر نفقٌ من الخارج إلى إحدى دورها الملاصقة للسور، وبُنيت للمنصور قباب على مداخل المدينة يُشْرف منها على أحيائها كلها؛ وهذا خيال أمنيّ متقدم للغاية.

حشد المنصور “مئة ألف من أصناف المهن والصناعات” -كما يفيد المؤرخ والجغرافي أبو العباس اليعقوبي (ت بعد 292هـ) في كتابه ‘البلدان‘- لبناء عاصمته المحصنة، ومثّل لمهندسيها هيئتها التي يريدها طالبا منهم أن يراها مجسّمة أمامه، فيما يشبه فكرة ما يُعرف اليوم بـ”النموذج المعماري” (الماكيت – Maquette)؛ فخُطّت له بخطوط هندسية و”أمر أن يُجعل على تلك الخطوط حب القطن وينصبّ عليه النفط، فنظر إليها والنار تشتعل، ففهمها وعرف رسمها، وأمر أن يُحفر أساس ذلك على الرسم، ثم ابتُدئ في عملها”؛ كما يروي الطبري (ت 310هـ) في تاريخه.

قسّم المنصور بغداد إلى أحياء “وأمرهم أن يوسعوا في الحوانيت ليكون في كل رَبَضٍ (= حي سكني) سوقٌ جامعة تجمع التجارات” (مجمع تجاريّ – Mall) لأهل الحيّ، وأوصى –حسب اليعقوبي- بـ”أن يُسمّوا كل درب باسم القائد [العسكري] النازل فيه، أو الرجل النبيه (= الوجيه) الذي ينزله، أو أهل البلد الذي يسكنونه”. ولم يقصّر المنصور -رغم اشتهاره بالبخل- في إكرام رجال الجيش والدولة ليضمن ولاءهم، فأقطعهم مساحات واسعة ومهمة من المدينة الجديدة.

وبنى المنصور لنفسه “قصر الذهب” أو “قصر القبة الخضراء”، وشيّد قصرًا آخر سماه “قصر الخلد” تفاؤلًا بخلود ملكه واقتباسًا ربما من “جنة الخلد”؛ ولكن الخطيب البغدادي سجّل شهادته على زوال هذا القصر بقوله: “وقد انْدَرَسَ الآن فلا عيْن ولا أثر” لبنائه!!


"المئذنة الملوية" أثر تاريخي باق من مدينة سامراء التي شيدها المعتصم العباسي وبالغ في تحصينها وتجهيزها لتكون عاصمة لخلافته (مواقع التواصل الاجتماعي)
“المئذنة الملوية” أثر تاريخي باق من مدينة سامراء التي شيدها المعتصم العباسي وبالغ في تحصينها وتجهيزها لتكون عاصمة لخلافته (مواقع التواصل الاجتماعي)

3- سامراء:
توالى خلفاء بني العباس حتى وصلت الخلافة إلى المعتصم (ت 227هـ) الذي كان جنرالًا صارمًا، فقد وصفه الذهبي بأنه كان “ذا قوة وبطش وشجاعة”. لقد أراد المعتصم أن يوطّد أركان حكمه بعيدا عن سيطرة الفُرس التي سادت أيام أسلافه وخاصة أخاه المأمون (ت 218هـ)؛ فاستجلب حشودا من الجنود الأتراك لحماية عرشه، فتكوّن له منهم جيش كبير مخلص الولاء لعرشه.

ولكن ما إن قضى هذا الجيش المُوالي على كل مخاوف للخليفة حتى فتح له بابًا جديدًا من الإشكاليات، فقد غصّت “مدينة السلام” بجيش المرتزقة، وقامت فتن بين أهل بغداد والوافدين الجدد، فلاح للمعتصم خيال مدينة عسكريّة جديدة تجمعه وجيشه بعيدا عن جموع المدنيين، ويدير منها شؤون ملك خلافته العريض.

وقع اختياره على منطقة منعزلة على هضبة مطلة على دجلة، وبنى فيها سنة 221هـ مدينته “سامَرّاء” -أو “سُرَّ مَنْ رأى”- على نموذج الأحياء المستقلة التي يجمع كل حي فيها مرافقه العامة من أسواق وحمامات ومساجد، كما “بنى ثمانية قصور” لنفسه؛ حسب رواية الذهبي. وغاية هذا التقسيم هي ضرب نوع من العزلة بين الجنود لضمان عدم حدوث مؤامرات ضده أو مخططات انقلابيّة تستهدفه.

بيد أن المعتصم وقع –بفكرته تلك- في خطأ جرّ على دولة بني العباس آفة لم يجدوا لها علاجا إلى أن انقرض حكمهم بعد أربعة قرون؛ وهو تمييزه لقواته الخاصة من الأتراك، ومعاملتهم بشكل استثنائي حتى خصص لهم أحياء يسكنونها دون غيرهم، فتضخّم دور الأتراك في الجيش مما خوّلهم -خلال عقدين فقط من وفاته- أن يقودوا انقلابات عسكرية على كل خليفة لا يرضيهم.

لقد كانت هذه العاصمة الإداريّة مدينة بُنيت في عهد ازدهار الخلافة العباسية، فلا تسلْ عن مدى التفنن في البناء والتكلّف في التعمير، وصارت سامراء أغنية سائرة على ألسنة الشعراء يتغنون بحسنها وجمالها وبديع بنائها، حتى قال علي بن الجهم (ت 249هـ) إنها بدعة لم تعرفها الأمم من قبلنا:
بدائعٌ لم ترها فارسٌ ** ولا الروم في طول أعمارها

لقد كان قَصْر الخليفة المسمى “الجَوْسَق” نموذجًا لامتزاج البذخ المادي بالذهنيّة العسكريّة، فقد قام هذا القصر -الذي كان من أعاجيب البناء كما يحدثنا عالم الآثار ألاستير نورثدج في كتاب ‘أطلس سامراء الأثري‘- على البذخ والتنعّم للخليفة ومواليه، وحفر وأخاديد للمعارضين والخصوم، حتى إن الآثاريين وجدوا -أثناء بحثهم في آثار القصر- أن أحد أقبيته تؤدي إلى عرين للأسود، يُتوقع أنه كانت تتم فيه عمليات إعدام للمعارضين.

لكن هذه المدينة العسكريّة لم تلبث أن أدركها الخراب والدمار، فرثاها شاعرها -الذي تحوّل عنها بعد ولادته فيها- الأمير العباسي عبد الله ابن المعتز الذي صار خليفة لمدة يوم واحد، ثم قتل في اليوم التالي لتنصيبه سنة 296هـ على أيدي العسكر الأتراك الذين مكّن لهم جدُّه المعتصم؛ فقال:
قد أقفرت “سرّ من رّى” ** وما لشيء دوامُ
ماتت كما مات فيلٌ ** تُـــــــسلّ منه العظامُ


القائد العسكري جوهر الصقلبي أسس القاهرة لتصبح عاصمة للفاطميين الذين رغب خليفتهم المعز في بناء مدينة بمصر "تقهر الدنيا" (الجزيرة)
القائد العسكري جوهر الصقلبي أسس القاهرة لتصبح عاصمة للفاطميين الذين رغب خليفتهم المعز في بناء مدينة بمصر “تقهر الدنيا” (الجزيرة)
عواصم مصر
تحكي المنطقة الجغرافية التي تقوم عليها العاصمة المصرية اليوم (القاهرة) تاريخًا طويلا من النزوع المتكرر إلى استحداث المدن الإداريّة منذ الفتح الإسلامي؛ فقد نزل عمرو بن العاص (ت 43هـ) بادئ الأمر وأسس فيها مدينة “الفسطاط”، وبنى هناك جامعه المعروف باسمه إلى اليوم.

ويبدو أن عقلية عسكر مصر لم يغادرها نموذج عمرو بن العاص في بنائه لمدينة إداريّة، وهو في حالة فتح عظيم للبلاد وبين ظهرانيّ الأعداء؛ فاستصحبوا هذه الحال دائمًا، بحيث تتالى -وفي دائرة نفس البقعة- بناء عواصم للدولة تنسخ إحداها الأخرى بتعاقب الدول التي حكمت البلاد، وذلك على النحو التالي:

1- العسكر:
قدِم من الشام سنة 132هـ الأميرُ العباسي صالح بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي (ت 152هـ) إلى مصر، وهو يطارد آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد (ت 132هـ)؛ “فنزل عسكره في شمالي الفسطاط وبنوا هنالك الأبنية، فسُمي ذلك الموضع بـ‘العسكر‘”؛ على ما يرويه السيوطي (ت 902هـ) في كتابه ‘حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة‘.

وقد تم بناء مدينة “العسكر” سنة 135هـ وظلت قائمة حتى عمّها “الخرابُ في المحنة (= المجاعة) زمن المستنصر” بالله الفاطمي (ت 487هـ)؛ كما يقول المقريزي (ت 745هـ) في ‘الخطط والآثار‘.

2- القطائع:
بعد أن تأسست الدولة الطولونية سنة 254هـ على يد والي العباسيين بمصر أحمد بن طولون (ت 270هـ)؛ قرر سنة 259هـ بناء مدينة جديدة لتكون عاصمة إدارية للبلاد على مقاسه وسماها “القطائع”، ويقول المؤرخ ابن تغري بردي إن “سبب بناء ابن طولون القصر و‘القطائع‘ لكثرة مماليكه وعبيده، فضاقت دار الإمارة عليه، فركب إلى سفح الجبل” فاختار موضعًا مرتفعًا طيب الهواء بين مدينة ‘العسكر‘ وجبل المقطم، حيث بنى عاصمته الجديدة التي سيدبّر منها شؤون دولته، وينحاز إليها بجنده وجيشه.

لقد أراد ابن طولون –الذي قال الذهبي إنه “كان يرجع إلى عدل وبذل لكنه جبار سفاك للدماء”- لعاصمته أن تكون على طراز سامراء المعتصم التي وُلد فيها؛ فبنى فيها مدينته وقصره، ثم وزّع الأراضي الباقية على عسكره وجنده، ولذلك سميت ‘القطائع‘ بهذا الاسم من إقطاعه أراضي المدينة لقوّاده، وأعطى لكل فئة من أتباعه حارة مجهزة بمرافق السكن المريح. وقد أقيمت المدينة على نمط الأحياء المستقلة التي تقدم ذكر نماذجها في مدينتيْ بغداد وسامرّاء، وكان فيها “ما ينيف على مئة ألف دار”؛ حسب تقديرات المقريزي في ‘الخطط والآثار‘.

لم تلبث القطائع أن أصبحت خرابًا بعد بنائها بقرن واحد؛ ويوضح لنا السيوطي سبب هذا الخراب بقوله إن القطائع “هدمها محمد بن سليمان الكاتب في أيام [الخليفة العباسي] المكتفي (ت 295هـ) -حنقًا على بني طولون- سنة اثنتين وتسعين ومئتين”. وهو ما يؤكده الرحالة ابن حوقل (ت 367هـ) الذي أفادنا بأنه حين زار مصر -في أوائل العصر الفاطمي- لم يجد سوى أطلال لهذه المدينة؛ فقال: “وكان خارج الفسطاط أبنية بناها أحمد بن طولون… يسكنها جنده تُعرف بالقطائع…، وقد خربت جميعا في وقتنا هذا”!!

3- القاهرة:
أسس الفاطميون دولتهم ابتداء في منطقة الغرب الإسلامي، واتخذوا مما يعرف اليوم بتونس مقرا لحكم مملكتهم، لكن عيونهم ظلت دوما ترنو للسيطرة على مصر تمهيدا للوصول إلى العراق حيث قلب العالم الإسلامي السُّني وعاصمته بغداد، وحين تمت لهم السيطرة على مصر سنة 358هـ نقلوا إليها عاصمة خلافتهم. وحسب المقريزي في كتابه ‘اتعاظ الحنفاء‘؛ فإن خليفتهم المعز لدين الله (ت 365هـ) تحدّث يوما -أمام أركان دولته- عن رغبته في أن “تُبنى [بمصر] مدينة تسمى ‘القاهرة‘ تقهر الدنيا”.

وفي يوم السبت 24 جماد الأولى سنة 359هـ؛ اختطّ قائد الجيش الفاطمي الغازي جوهر الصقلبي (ت 381هـ) -قرب مدينة الفسطاط- موقعَ القصر الذي أعدّه لاستقبال الخليفة الفاطمي المعز، وانتهى من بنائها في نهاية سنة 361هـ. وأحاط جوهرُ القصرَ والجامع بسور خارجيّ من اللبِن على شكل مربع.

ويقول يحيى الأنطاكي (ت 458هـ) -في تاريخه- إن المعز حين استقر في قصره “تقدم إلى أصحابه أن يبني كل واحد منهم.. دارا ومنزلا”. ورغم كل ما كرسه الفاطميون من أدوات لكي تكون عاصمتهم مانعة لهم من قواصم السقوط؛ فإنها لم تحمهم حين قرر “وزيرهم” صلاح الدين الأيوبي (ت 589هـ) إنهاء حكمهم بمجرد قرار إداري أصدره سنة 569هـ.


رغم أن عواصم المستبدين الجديدة تشيّد بثروات الشعوب المستضعفة فإن عامتهم لم يكن يسمح لها بسكنها والانتفاع بمرافقها الخدمية (مواقع التواصل الاجتماعي)
رغم أن عواصم المستبدين الجديدة تشيّد بثروات الشعوب المستضعفة فإن عامتهم لم يكن يسمح لها بسكنها والانتفاع بمرافقها الخدمية (مواقع التواصل الاجتماعي)

الغرب الإسلامي
ذلك ما حصل في المشرق الإسلامي؛ أما في المغرب فقد نشأ نمط مختلف من المدن الإداريّة كان أحيانا ذا صيغة انقلابيّة، وسنقدم أمثلة لذلك بالعواصم التالية:

1- المهديّة:
بعد أن قضى الخليفة الفاطمي عبيد الله المهدي (مؤسس الدولة الفاطميّة) على أي معارضة داخلية بتصفية داعيته المخلص أبي عبد الله الشيعي وحزبه؛ لاح له التحدي الذي ينتظره من أهل القيروان، وكانوا سنة مالكية شديدي المحافظة على مذهبهم.

ولما عجز المهدي عن إخضاع القيروانيين انتبذ عنهم مكانا قصيا، فخرج يرتاد لنفسه موضعًا على ساحل البحر يتخذ فيه عاصمة جديدة لسلطانه، فلم يجد “أحسن ولا أحصن من موضع المهديّة، وهي جزيرة متصلة بالبر كهيئة كفٍّ متصل بزند، فتأمَّلَها فأعجبته”؛ وفق تعبير المؤرخ ابن الأثير في كتابه ‘الكامل‘. وقد بدأ بناء المدينة سنة 303هـ وانتهى سنة 308هـ.

وطبقا لرواية أبي عُبيد البكري (ت 487هـ) في كتابه ‘المسالك والممالك‘؛ فقد بنى المهدي مدينته الإدارية فجاءت غاية في الحصانة والإحكام وسمّاها باسمه، ولم يكتفِ بمساحة اليابسة من المدينة بل أخذ جزءا من البحر فرَدَمَه، وحفر في الصخر ميناء للمدينة يستوعب نحو ثلاثين سفينة ومصنعًا للسفن، وبنى سورا منيعا مزودا ببرجين عظيمين للحراسة، ومدّ بينهما سلاسل تمنع دخول السفن الأجنبيّة إلى الميناء. كما أسّس مسجدًا حصينًا على هيئة قلعة، وشيّد لنفسه ولخلَفه قصرين مهيبين.

وبعد أن تم بناء المدينة الجديدة؛ انتقل إليها المهدي مع قوّاده وأهل دعوته، وأمر بأن تحوّل طرق التجارة إليها لإنعاش حركتها الاقتصادية، وعقوبة لأهل القيروان الرافضين لحكمه. وكان يمنع التجار من المبيت داخل المدينة مع الاحتفاظ ببضائعهم في السوق الداخليّ، ليأمن من العمليات الليليّة من الغرباء. وكحال مثيلاتها من المدن الإداريّة العسكريّة؛ لم تدم المهديّة طويلًا؛ فقد انتقل عنها الخليفة الفاطمي الثالث إسماعيل المنصور بنصر الله (ت 341هـ)، وبنى مدينته “المنصورية” بالقرب من القيروان ثم اندثرت سريعا.

2- الزاهرة:
لم تسلم منطقة الأندلس –على كثرة مدنها العظيمة- من عدوى عواصم المستبدين المستجدة؛ ولعل أبرز نماذجها هناك مدينة “الزاهرة” التي بناها المنصور ابن أبي عامر (ت 393هـ) -حاجبُ الخليفة الأموي الصبي هشام المؤيد بالله (ت 403هـ)- بقرب قرطبة، عاصمة الخلافة الأموية في الأندلس. قال ابن خلدون في تاريخه: “وابتنى لنفسه (= المنصور) مدينة لنُزله سمّاها ‘الزاهرة‘ ونقل إليها جزءا من الأموال والأسلحة”.

ويحكي ابن عذاري (ت 695هـ) -في كتابه ‘البيان المُغرب في أخبار الأندلس والمَغرب‘- العوامل النفسية الدافعة لتأسيس هذه المدينة العاصمة؛ فيقول إنه “في سنة 368هـ أمر المنصور بن أبي عامر ببناء الزاهرة، وذلك عندما استفحل أمره واتّـقد جمره، وظهر استبداده…، وسما إلى ما سمت إليه الملوك من اختراع قصر ينزل فيه، ويحله بأهله وذويه، ويضم إليه رياسته.. وتوسّع في اختطاطها.. وبالغ في رفع أسوارها، وصار بناؤها نبأً من الأنباء، وبنى معظمها في عامين”.

وفي سنة 370هـ؛ انتقل المنصور إلى مدينته الجديدة التي لا ينازعه عليها منازع، وابتعد عن أجواء قصر الخلافة في قرطبة المشحون بالخلافات والخصوم، ونقل إليها وزراءه وقوّاد الجيش، وأقطعهم فيها قصورًا باذخة. حتى صارت تنافس قرطبة التي كانت جوهرة الأندلس، وسحبت المدينة الإداريّة الجديدة تدريجيا صلاحيات الخلافة واحدة تلو الأخرى، فصارت تُرسل إلى قصره فيها جبايات الأموال، وتعقد لديه اجتماعات أهل الحل والعقد، وصار الحكم إليه بفضل مدينته المحدثة.

وبذلك أصبح الخليفة الأموي المؤيد بالله خليفة صوريًّا لا ينهى ولا يأمر، وفرض عليه حاجبه المنصور رقابة أمنيّة عالية التشديد. حتى روى شهاب الدين المقري (ت 1041هـ) -في كتابه ‘نفح الطيب‘- أنه كان يُخرجه من قصره ويلقي عليه لباس النساء حتى لا يتميّز عن جواريه، فلا يعرف الناس أن الخليفة يسير بينهم!!


يبالغ الطغاة في تحصين عواصمهم بالأسوار والقلاع الحامية لكنها لا تمنعهم من السقوط حين يأتي بتمرد داخلي غاضب أو بغزو خارجي غالب (مواقع التواصل الاجتماعي)
يبالغ الطغاة في تحصين عواصمهم بالأسوار والقلاع الحامية لكنها لا تمنعهم من السقوط حين يأتي بتمرد داخلي غاضب أو بغزو خارجي غالب (مواقع التواصل الاجتماعي)
 تشابه بطبائع الاستبداد
لم نُرد –في هذا المقال- استقصاء كل نماذج العواصم الإدارية القديمة؛ فحسْبنا ما ذكرناه من أمثلة تكشف لنا جوانب من ظاهرة عواصم أنظمة الاستبداد كما عرفها تاريخنا الإسلامي، وظلالها فيما يجري حديثا من استعادة لتلك النماذج على مستوى العقليات والسياسات. وفيما يلي نورد بعض أوجه التشابه التي بدا لنا أنها تنتظم تلك العواصم وشبيهاتها في واقعنا الراهن:

1- عواصم مؤقتة: تخالف المدن الإداريّة التي ينشئها العسكر المدن الحضاريّة التي يعمرها الإنسان؛ فهي مشاريع مؤقتة ولا يهتم بانيها غالبا ببقائها من بعد رحيله قتلا أو موتا طبيعيا، فغاية ما يريده منها أن تحفظ له ملكه مدة عمره ثم لا يهمه أن تبيد بعد ذلك. ولم يشذ عن قاعدة فناء هذه العواصم إلا بغداد والقاهرة اللتان تمردتا على رغبات منشئيهما الأنانية، وأصبحتا عواصم ثقافية وحضارية لكل أطياف الأمة طوال تاريخهما وحتى الآن.

ويحكي لنا ياقوت الحموي قصة تكشف مقصد الحجاج في بناء مدينة واسط، وكيف أنه ما كان مهتما بطول عمرها الافتراضي، بعد أن نبّهه صاحب الأرض لعيب في تربتها؛ فقال الحجاج: “هذا رجل يكره مجاورتنا!! فأخبره أنّا سنحفر بها الأنهار ونكثر من البناء والغرس فيها والزرع حتى تطيب. وأما قوله إنها سبخة وإن البناء لا يثبت فيها؛ فسنُحكمه ثم نرحل عنه ويصير لغيرنا…”!!

2- مدن أمنيّة: وهي كذلك لأنها تُبنى عادة لمنفعة فئة خاصة من الناس وحمايتها دون بقية الفئات، تلك هي فئة الموالين المخلصين من النخبة العسكرية والصفوة الأمنية والطبقة الإدارية الخادمة لمصالحهم، كما يكون تأسيسها قائما على المحاباة والفساد المالي كما استعرضناه في النماذج المذكورة. وقد أصدر السيسي قرارا سنة 2016م يفيد بأن عائد بيع أو استثمارات العاصمة الإدارية الجديدة سيذهب إلى حسابات القوات المسلحة وليس إلى الخزانة العامة للدولة.

3- مشاريع مستعجلة: حين سَأل الرئيس المصري السيسي القائمين على إنشاء عاصمته عن المدة التي يحتاجها إنشاؤها، كان الجواب بأنها عشر سنوات؛ فانتفض السيسي قائلًا: “ولا سبع سنوات”. إن هذه العجلة صفة تشترك فيها مشاريع عواصم المستبدين الاستثنائية، فمدينتا واسط والزاهرة أنجِزت كل منهما في عامين، واستغرق تأسيس القاهرة ثلاث سنوات، أما بغداد فأخذت أربع سنوات، بينما تطلب تأسيس مدينة المهدية بتونس خمس سنوات.

وهذه العجلة في التشييد سببها اللهفة القوية لدى المؤسسين على تحقيق هدف الاحتماء بها من الخصوم، لكنها عجلة يعقبه في الغالب زوال سريع لهذه المدن كما رأينا؛ فأكثر هذه العواصم لم يبقَ منها سوى آثار بالية، نظرا لعدم قيامها على أساس منطقي صحيح وحاجة وطنية موضوعية.

4- خزائن مستنزَفة: يبدّد إنشاء هذه العواصم خزائن الشعوب التي تعاني أصلا من شح مواردها وسوء توزيع ثرواتها، وكان بمقدور الحكام الطغاة أن يوجهوا هذه الميزانيات المهدرة إلى استصلاح مدن تخدم العامة، وإلى إقامة العدل الاجتماعي فيهم، بدل إنفاقها في مدنٍ أمنية مؤقتّة والإغداق على العُصبة الموالية، وحرمان سائر فئات المجتمع. ولكن العقلية العسكريّة عقليّة أنانية، لا تنظر إلى أبعد من مصيرها الشخصي.

وفي الأخير.. تبقى السمة المشتركة الأكثر لفتا للانتباه؛ هي ذلك العمى التاريخي الذي أصاب هؤلاء الحكام، إذ لم يعتبر أي منهم بالدرس التاريخي الذي سبقه إليه سلفه، ويدل على أن قيام المدن المتقدمة تقنيًا واقتصاديًا لا يعني استمرارها ولا ديمومتها، ما لم يتم الاستثمار في الرعيّة بالقيام فيهم بالعدل والقسط.

فكل المدن التي قامت كانت رائدة في عوالم الأشياء، بيد أن الإنسان فيها ظل –في الغالب- إنسانا مشغولا بنزواته المادية، فلا يكون صالحا لعمارة تلك المدن بعد أن تزول قوة العسكر البانية لها بقوة عسكرية أخرى، تكرر نفس الخطأ بإنشاء عاصمة استبداد جديدة تستلذ فيها بطغيانها حتى تجتاحها القواصم الداخلية أو الخارجية!!

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى