بقلم إبراهيم التركاوي
وقف مصور ( الفضائية المصرية ) يصور صلاتنا للتراويح في إحدي ليالي رمضان ، وأحسست مع غيري أننا نُحسن السمت ونبالغ في الخشوع , لأن شاشة ( الفضائية ) ستنقل صورنا وصلاتنا – من أمريكا – للمشاهدين , هنا وهناك .
وفجأة .. انتابتني قشعريرة شديدة – لم أعهدها من قبل – تذكرت معها آلة ( التصوير الإلهية ) التي لا ترقب الظاهر فحسب , بل ترقب الباطن.. ولا تغيب عن الإنسان , ولا يغيب عنها , أينما حل , وحيثما كان..
وتساءلت – والقشعريرة تهزني – هل نجوِّد – بتشديد الواو – الباطن أمام آلة ( التصوير الإلهية ) – التي لا نغيب عنها – كما جودنا الظاهر أمام آلة ( التصوير البشرية ) ؟ !
ومن محراب الصلاة إلي محراب الحياة , وجدتني أمام أسئلة كثيرة في حياتنا :
هل نجود المعاني كما نجود الحروف ؟
هل نجود الحقائق كما نجود الصور ؟
هل نجود الباطن – وهو محل نظر الله – كما نجود الظاهر – لأنه محل نظر الناس – ؟
هل نحسن العمل ونتقنه كأن الله يرانا ؟
وما انتهيت من الأسئلة حتي انسابت عليَّ الأدلة – التي زادت من قشعريرتي وخوفي – تتري :
-(فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ) الأعراف 7
-(يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) الطارق9 لا الظواهر .
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي ، عن ابن عباس قال: قال رجل : يا نبي الله إني أقف المواقف أبتغي وجه الله وأحب أن يرى موطني ، فلم يرد عليه شيئا حتى نزلت هذه الآية : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف 110
– عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن الله تعالى لا ينظر إلى أجسامكم و لا إلى صوركم و لكن ينظر إلى قلوبكم ) رواه مسلم و ابن ماجه …
وبُعيد الصلاة , سجلت لإخواني المصلين , ما انطبع في نفسي , واهتز له قلبي , فا نسابت العبرات – حياء – , بعد ما انكشفنا أمام أنفسنا – في لحظة ضعف أمام آلة ( التصوير البشرية ) – وأحسسنا أننا عراة أمام الله – عز وجل – مكشوفون له – لايسترنا عنه شئ – بمظهرنا ومخبرنا .. فهو – جل جلاله – الأجدر والأحق وحده – وليس غيره – أن نحسن له المظهر , ونجود له المخبر , ونتوجه إليه بكل كياننا : قلبا وقالبا , وعاطفة وفكرا وسلوكا.
وارتفع صوتي بقول محمد بن الترمذي : ( اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك , واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك , واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه , واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه ) .
ووجدتني , و أمتي – أفرادا وجماعات , حكاما ومحكومين – أحوج ما نكون إلي تلك المعاني , التي تحمل الإنسان علي احترامه لذاته – أينما كان – , فتجعل انضباطه واستقامته في الحياة , لا من سلطان – رغبة أو رهبة – بل من نفسه التي انطبعت بطابع الإيمان , وانصبغت بصبغة الإسلام .. (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) البقرة 138
إن الأمة لن ترقي وينتظم شأنها , بإصدار القرارات , وسن القوانين , ويقظة الحراسة .. – مع أهمية ذلك كله – وإنما ترقي وينتظم شأنها برجال : مظهرهم كمخبرهم , ما خانوا ضميرا , ولا شهدوا زورا , ولا غشوا فجورا .. بل , رعوا ضميرا , وشهدوا حقا , وقالوا عدلا وصدقا ..
وقد قيل – من قبل ومن بعد – : ( العدل ليس في نص القانون , وإنما هو في ضمير القاضي ) .
ولله در من قال :
لن يصلح القانون فينا رادعا … حتي نكون ذوي ضمائر تردع
ورحم الله الإمام ( البنا ) حين قال – كلمة تبني أمة , وتصنع حضارة – : ” إذا وجد المسلم الصحيح , وجدت معه أسباب الصلاح والنجاح . !”.