بقلم محمد أكرم الندوي
قالوا: ما الإعلام؟ قلت: هو نشر الأخبار، ويطلق أيضًا على الوسائل المعنية به، وقد تعدى الإعلام ذلك المعنى المتعارف المصطلح له إلى موضوع التثقفيف والتربية والتوجيه والإرشاد والترفيه والتسلية والتسويق والإثارة، وهو الآن الوسيطة الكبرى للتواصل مع الجماهير، وتناقل الوقائع والأحداث والآراء والاتجاهات والمشاعر والعواطف بين عامة البشر، وترويج الدعايات المموهة والإفك المردي والتضليل المزري واختلاق الأكاذيب والأباطيل من قبل الدول والوكالات والشركات والأحزاب السياسية وغير السياسية.
قالوا: ما الذي تعني بالوسائل المعنية بنشر الأخبار؟ قلت: هي الوسائل المطبوعة كالصحف والجرائد والمجلات، والمسموعة والمرئية كالراديو والتلفاز، والإعلام الإلكتروني، والأنواع المختلفة من الإعلام الاجتماعي، وإن هذا الأخير قد أحدث طفرة مذهلة وثورة كبرى في عالم التواصل، وحرر الإعلام من قبضة الدول وسياساتها والوكالات ومصالحها تحريرا.
قالوا: ما قوته؟ قلت: لا ينكر أحد قوة تأثير الإعلام في الأفراد والمجتمعات، فهو أبلغ نفوذا وأشد فاعلية وأوسع نطاقا وأعمق توغلا من التعليم المنهجي، وهو مخترَع عالمي غير متقيد بالحدود والمساحات، وقد اخترق المدن والقرى والأرياف، والصحارى والغابات، والبحار والمحيطات، الأمر الذي جعل الدول المتقدمة يهتم به اهتماما كبيرا، بتخصيص ميزانيات ضخمة، وتوفير القوى العاملة له، والتركيز على تطوير أدواته وأجهزته تطويرا فنيا يساعد على سهولة تناوله في كل بيت ومكتب ومصلحة ولكل فرد من الأفراد، ساقيا الناس ماءً بلا عطش مستهنئين له استهناء، وعابثا بعقولهم ولاعبا بأفكارهم مستطيبة إياه استطابة.
قالوا: يؤلمنا أن يستغل الإعلام لأهداف سلبية. قلت: إن غرضه الأساسي هو التواصل بين الناس نقلا للمعلومات والأخبار والآراء والاتجاهات، ولكن قد أسيء استخدامه إساءة كبيرة فضحت سره المكتوم فضحا، مسخرا للأهداف السلبية والنوايا الخبيثة والحركات الهدامة، كبث الأفكار الضالة والمشاهد الخليعة والسلوك المنحرف وهتك الستور مما يرمي إلى تمييع المجتمع وهدمه، وإن استخدامه في الشر والفساد والتخريب والتدمير وموبق الأمور أكثر منه في الخير والصلاح والتعمير والبناء ومنجي الأفعال، كأنه سُنَّ بينه وبين الفساد نكاح بغير تطليق، ترى الناس عليه متهافتين تهافت الظمآن في يوم قائظ ملتهب على الماء البارد، وعليه متزاحمين تزاحم الإبل العطاش على الموارد، وذلك كله نتيجة لطغيان الإنسان، وخروجه على الفطرة والعقل والدين، وثورته على القيم الرفيعة والمثل العليا، وتمرده على الأخلاق الفاضلة والمكارم، وصار المعلمون والمربون كأنهم كليلو التمييز وضعفى العقول ومبلدة أنظارهم تبليدا.
قالوا: ما السبيل إلى التوقي من سلبيات الإعلام؟ قلت: إن الغزو الثقافي والفكري والسلوكي الذي قد سُخِّر الإعلام من أجله تسخيرا، لابد أن يثير في نفوس الصالحين والمعنيين بالتربية والتعليم كراهية شديدة ضده وإنكارا بالغا وروحا من التحدي والمقاومة، وإنه لإثم كبير وجريمة شنعاء أن نقف منه موقف الخنوع والاستسلام والوهن والخور، فهذا الغزو الإعلامي ليس بأقل من الغزو العسكري، بل هو أشد منه فتكا وإفسادا وهدما وتخريبا، ولا سبيل إلى مواجهته إلا بالرجوع إلى مصدر الهدى الأصيل (كتاب الله)، ومعلمه الرشيد (خاتم النبيين)، والاعتماد عليهما في تطهير القلوب وتزكية النفوس، فقد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.
قالوا: من أخذت منه مادة الإعلام في دار العلوم لندوة العلماء؟ قلت: من شيخنا العلامة نذر الحفيظ الندوي صاحب كتاب (الإعلام الغربي وتأثيره على المجتمع) الذائع الصيت الذي لم يؤلف في موضوعه مثله. قالوا: ترجمه لنا، قلت: هو شيخنا الصالح التقي العالم الأديب الصحافي البارع نذر الحفيظ بن عبد الحفيظ بن محمد إسحاق بن خدا بخش أبو معظم الندوي الأزهري، ولد سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وألف في قرية ململ من مديرية مدوبني في ولاية بيهار، وكان جده لأمه الشيخ سراج الدين من خريجي مظاهر العلوم ومن خلفاء حكيم الأمة أشرف علي التهانوي.
حفظ القرآن الكريم في مدرسة كافية العلوم في برتابكراه حيث كان أبوه مدرسًا، والذي كان من أقرب الناس إلى الشيخ الجليل المربي العظيم العالم الرباني محمد أحمد البرتابكرهي، وأخذ بها كذلك اللغتين الأردية والفارسية، ودرس كلستان وبوستان للشيخ السعدي الشيرازي على عمه الشيخ محمد عاقل، وأتقن اللغة الفارسية إتقانًا كبيرًا، وكان يراسل أباه في الفارسية.
والتحق بدار العلوم لندوة العلماء سنة أربع وسبعين وثلاثمائة وألف، وحصل على شهادة العالمية سنة إحدى وثمانين، وعلى شهادة الفضيلة بعدها بسنتين، وأخذ الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي من الشيخ محمد أسباط، وبعض الأبواب من أول صحيح البخاري من شيخنا الإمام أبي الحسن علي الندوي، وسائر الصحيح من الشيخ المحدث محمد أيوب الأعظمي، وصحيح مسلم وسنن النسائي وابن ماجه من العلامة الكبير محمد إسحاق السنديلوي، وسنن الترمذي من العلامة الشيخ محمد منظور النعماني، ومشكوة المصابيح من الشيخين محمد أسباط ووجيه الدين الندوي، وأجازه شيخنا أبو الحسن الندوي إجازة عامة، وأخذ هداية الفقه من شيخنا المفتي محمد ظهور الندوي، والأدب العربي من شيخينا محمد الرابع الحسني وسعيد الرحمن الأعظمي.
والتحق بالأزهر الشريف سنة أربع وتسعين وثلاثمائة وألف وعمل الماجستير في قسم الأدب والنقد، وكتب بحثه حول موضوع “الزمخشري كاتبًا وشاعرًا”.
ودرّس في جامعة الرشاد بأعظمكراه ثم في دار العلوم لندوة العلماء، وعني بالصحافة، وكتب مقالات رائعة قوية في صحيفة (نداء الملة) الصادرة من لكنؤ، وغيرها من الصحف والمجلات، وهو من أكبر شيوخ ندوة العلماء في اللغة والأدب، وهو الآن عميد كلية اللغة العربية وآدابها، ومن أشهر مؤلفاته (أبو الحسن الندوي كاتبا ومفكرا).
أخذت منه دروساً في مادة الإعلام، وموضوع العقائد الباطلة والمذاهب المنحرفة، وموضوع حاضر العالم الإسلامي، وهو من شيوخي الصالحين المخلصين، مالئة قلوب أصحابه وتلاميذه بقويم سلوكه ورشيد منهجه وحميد مقامه، مهذب الأفعال في السراء والضراء، وخلائقه أصفى وأعذب من زلال الماء.
قالوا: فماذا توجهنا إليه في موضوع الإعلام؟ قلت: إن موضوع الإعلام موضوع خطير كبير الشأن جداً، يجب لنا أن ندرك أهميته وندرسه من كافة جوانبه، ونجاهد لإنقاذه من الفساد والخلاعة والميوعة ساعين أن نجعل الإعلام إيجابياً بنَّاءً خادمًا للفضائل والمكارم، وأن نتقدم بهذا الإعلام الطاهر النزيه إلى الأمام، ونستخدمه في سبيل العلم و الدين ونشر القيم الرفيعة والمثل العليا، صائني النفوس عن كل ما يدنسها تدنيسا، وما أصعبها من خطة على الأحرار، اللهم جنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فبئس المقام لآل العقول والأخطار.
(المصدر: رابطة خريجي ندوة العلماء – الهند)