من تجليات غزوة طوفان الأقصى
تراجع الثقة في مؤسسات الكيان الصهيوني بعد سبعة أشهر
بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)
لكل مجتمع مؤشرات يقيس بها مقدار مرونته أو مناعته القومية، ويتم تعريف المرونة/المناعة عادةً على أنها قدرة أي نظام على التعامل بنجاح مع أي خلل أو كارثة شديدة (طبيعية أو من صنع الإنسان)، والحفاظ على استمرارية وظيفية معقولة أثناء الحدث، والتعافي منه في أسرع وقت ممكن، ثم الارتقاء بعد ذلك إلى مستوى أعلى.
وقد أدت غزوة طوفان الأقصى، وما تلاها من حرب سجال بين المجاهدين والمرابطين في غزة وبين الكيان الصهيوني إلى تصدعات كبيرة في الجسد السياسي والاجتماعي لهذا الكيان الغاصب، وفي هذا المقال نطالع أحدث استطلاعات الرأي بخصوص ما وصل إليه هذا الكيان الغاصب من تراجع في مرونته/مناعته القومية، والذي أجراه واحد من أهم معاهد البحث في الكيان، وهو معهد دراسات الأمن القومي.
يعد معهد دراسات الأمن القومي INSS من أهم معاهد الدراسات في الكيان الصهيوني. ويعرف المعهد مهمته بأنها “إجراء أبحاث مبتكرة وذات صلة وعالية الجودة متعلقة بالقضايا المدرجة على أجندة الأمن القومي الإسرائيلي، كما يقدم تحليل السياسات والتوصيات لصناع القرار والقادة والمجتمع، وتشجيع طرق جديدة للتفكير. واستكشاف القضايا الأكثر إلحاحًا المتعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي، والمساهمة من خلال التفكير الإبداعي والمبتكر في صنع سياسات الأمن القومي للكيان الصهيوني”.
وقد أجرى المعهد 15 استطلاعًا للرأي العام منذ اندلاع الحرب على غزة بعد غزوة طوفان الأقصى المباركة لقياس مستوى المرونة أو المناعة داخل المجتمع الصهيوني الغاصب لفلسطين، وفي سبيل الوقوف على حالة التماسك داخل المجتمع الصهيوني بعد سبعة أشهر من الحرب، أجرى المعهد استطلاعه السادس عشر لقياس المرونة أو المناعة القومية؛ وذلك خلال المدة من 14-16 أبريل الماضي، وقام بمقارنته بالاستطلاعات السابقة وقد نشرت نتائج الاستطلاع والمقارنة بينه وبين الاستطلاعات السابقة بالأمس (27 مايو) على موقع المعهد بعنوان: After Seven Months of War, Israeli National Resilience Is Clearly in Decline ، في هذا المقال نوضح تطورات مدى تماسك المجتمع الصهيوني حسب نتائج الاستطلاع لبيان بعض الآثار الايجابية لغزوة طوفان الأقصى.
تبين خلاصة الاستطلاع والمقارنة مع الاستطلاعات السابقة، أنه بعد سبعة أشهر من الحرب، أصبحت المناعة/المرونة الوطنية الإسرائيلية في تراجع بشكل واضح. وقد تم قياس ذلك التراجع من خلال ملاحظة رؤية عينة الاستطلاع من مواطني الكيان للعناصر الأربعة الرئيسية لقياس الصمود والمناعة أو المرونة الوطنية، وهي:
أولا: الثقة في مؤسسات الدولة
أكدت المقارنة بين الاستطلاع الأخير والاستطلاعات الخمسة عشر السابقة له أن:
-مستوى الثقة التي يشعر بها الجمهور الإسرائيلي تجاه الجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية والحكومة الإسرائيلية في تراجع مع زيادة أمد الحرب في غزة، فهناك انخفاض واضح وثابت في نسبة الذين يعبرون عن ثقتهم في قدرة الجيش الإسرائيلي على كسب الحرب، من 92% في بداية الصراع إلى 64% ، كما طرأ انخفاض في نسبة الذين يعتقدون أن أهداف الحملة في غزة ستتحقق، ويعتقد 10% فقط من المستطلعين اليهود أن أهداف الحرب سوف تتحقق بالكامل.
– ثقة الجمهور في الحكومة تتراجع بشدة. ووفقاً للاستطلاع المقارن، فإن مستوى الثقة في الحكومة لا يزال منخفضاً باستمرار، حيث يتراوح بين 20% و28%.
ثانيا: التضامن المجتمعي ودعم المجهود الحربي
-توضح نتائج الاستطلاع المقارن إن النتيجة الأكثر إثارة للقلق هي تراجع التأييد بين السكان اليهود لهدف الحرب (تفكيك نظام حماس في قطاع غزة.)، فقد انخفضت نسبة المؤيدين لهذا الهدف بقوة من 84% في ديسمبر إلى 67% في منتصف مارس. وتبين نتائج الاستطلاع أنه على الرغم من أن المستوى الإجمالي لدعم أهداف الحرب لا يزال مرتفعا، إلا أن عددا أقل من الإسرائيليين يدعمون تلك الأهداف كلما طال أمد الحرب. ويرجع القائمين على الاستطلاع ذلك إلى خيبة الأمل من الوضع العسكري وعدم القدرة على حسم الحرب والقلق بشأن جدوى تحقيق أهداف الحرب بعد هذه المدة الطويلة.
-يلاحظ الاستطلاع تراجع حس التضامن داخل مجتمع الكيان بشدة، فبعد أن كانت أغلبية كبيرة بعد غزوة طوفان الأقصى تعتقد أن حس التضامن أصبح أقوى. ولكن تلك النسبة انخفضت بشكل ملحوظ، وتبلغ الآن أقل من 50%.
-هناك نتيجة أخرى مثيرة للاهتمام يظهرها الاستطلاع، وهي أن ما يقرب من نصف الذين شملهم الاستطلاع (48٪) يشعرون بالقلق من التوترات الاجتماعية والوطنية داخل إسرائيل أكثر من قلقهم من التهديدات الأمنية الخارجية لدولة إسرائيل (43٪). وهذه نتيجة هامة تشير إلى وجود قلق من تراجع التضامن الاجتماعي.
ثالثا: التفاؤل والأمل
-على الرغم من أن أكثر من 80% من القطاع اليهودي الذي شمله الاستطلاع قال في بداية الحرب إنهم متفائلون بشأن قدرة المجتمع الإسرائيلي على التعافي والازدهار بعد الأزمة، إلا أن نسبة المتفائلين تلك انخفضت مع استمرار الحرب. وفي الاستطلاع الأخير، وصف 65% أنفسهم على هذا النحو، ورغم أن هذا الرقم لا يزال مرتفعاً نسبياً، إلا أنه من المرجح أن يستمر في الانخفاض مع استمرار الحرب بشكلها الحالي.
في موازاة ذلك، كانت هناك زيادة طفيفة في نسبة أولئك الذين يشعرون بالقلق الشديد بشأن دولة إسرائيل في اليوم التالي للحرب فبعد أن كانت نسبتهم في نوفمبر 56% ، أصبحت تلك النسبة 64% وفقاً لآخر استطلاع.
رابعا: الروتين الشخصي والاستمرارية الوظيفية أثناء الاضطراب
يقيس هذا المؤشر القدرة على ضمان الاستمرارية الوظيفية أثناء وقوع كارثة مستمرة، باعتباره مؤشراً على مستوى عال من المرونة، والعكس صحيح. ويرى الاستطلاع أن هذا المؤشر يعطي نتائج إيجابية بخلاف باقي المؤشرات، فمع تقدم الحرب، هناك تحسن ملحوظ في العودة إلى الروتين والاستمرارية الوظيفية بين معظم شرائح المجتمع الإسرائيلي. مع وجود استثناء واضح لدى الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من الشمال حيث مازالت حالة الاضطراب تسيطر عليهم وعدم الأمان.
-لم يبلغ المشاركون في الاستطلاع عن أي تحسن ملحوظ في الشعور بالأمن الشخصي. ومن الممكن أن تكون هذه النتيجة-حسب تفسير القائمين على الاستطلاع- مرتبطة بالهجوم الصاروخي والطائرات بدون طيار الإيراني واسع النطاق على إسرائيل قبل أيام قليلة من إجراء الاستطلاع، مما خلق شعورا بالتهديد بين العديد من المواطنين الإسرائيليين.
ويلخص القائمون على الاستطلاع أهم النتائج التي خرجوا بها من الإجابات عليه، بعد استعراض تلك المؤشرات الأربعة، فيما يلي:
- أن المجتمع الإسرائيلي لم يتعاف بعد من الصدمة الجماعية الناجمة عن “الأحداث المروعة” التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. فقد أدت “المذبحة” التي ارتكبتها حركة حماس إلى “تقويض قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود” إلى حد كبير.
- يشكل عدم حسم الحرب في غزة، والمصير الغامض للرهائن والحملة التي تشنها عائلاتهم، والظروف الصعبة التي يعيشها الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من منازلهم في جنوب وشمال إسرائيل، والصراع المستمر مع حزب الله، وإمكانية وجود جبهة مباشرة مع إيران، تحدياً أكبر لقدرة إسرائيل على الصمود.
- يقوض الخلل الوظيفي في الحكومة والمؤسسة السياسية، وزيادة الانقسامات داخل الحكومة، والخطاب العام السام، قدرة المجتمع الصهيوني على الصمود.
- هناك انخفاض كبير في الثقة بقدرة الجيش الإسرائيلي على الانتصار في الحرب وتحقيق أهدافه المعلنة
- هناك انخفاض مستمر في مستوى الثقة في أداء الحكومة.
- هناك انخفاض في الدعم لأهداف الحرب، التي صار تحقيقها بعيد المنال في رأي نسبة كبيرة من عينة الاستطلاع.
- هناك تراجع مستمر في التضامن والتفاؤل والأمل داخل مجتمع الكيان.
والمؤشر الأكثر خطورة الذي يؤكد عليه القائمون بالاستطلاع بالنسبة لمرونة مجتمع الكيان وقدرته على الصمود في الأزمة الحالية والذي يعد السبب الرئيسي لكل ما سبق من تراجعات هو تعامل طريقة الحكومة مع الحرب المتأثر بالمصالح السياسية الضيقة للسياسيين الصهاينة، والتي طغت على هدف تعزيز القدرة الوطنية على الصمود،. حيث يشكل فشل الحكومة في إدراك هذه الحقيقة واستيعابها ضربة مباشرة وكبيرة للمرونة الوطنية.
فالخلافات السياسية الداخلية التي أصبحت لا تقل أهمية عن الحرب نفسها، صار لها تأثير كبير على المجتمع الصهيوني واتجاهاته ومواقفه وحالته المعنوية. حيث يذهب كاتبو تحليل الاستطلاع إلى أنه في مناخ سياسي متزايد الاستقطاب وفي ظل عدم إحراز أي تقدم على تحقيق أهداف الحرب، ومع تفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية، تتقوض القدرة على الصمود الوطني في الكيان يوما بعد الآخر.
هذه حالة الكيان كما يقدمها أحدث استطلاع رأي، وهي تبين حجم الزلزال الذي أحدثته غزوة طوفان الأقصى في نفوس قادة وأفراد المجتمع الصهيوني والتي استدعت صرخة هذا المركز وغيره لقادة الكيان ومؤسساته للتداعي لإنقاذ حالة التماسك فيما بينهم. ومن ثم فإننا نحتاج إلى دراسة وتحليل الإنتاج الفكري الذي يصدر عن مراكز الدراسات والبحوث باستمرار، لمعرفة مجتمع الكيان من الداخل؛ في قوته وضعفه دون مبالغة أو تهوين، وكيف يفكر وإلى أين يتجه؟
فهل يتداعى قادة الرأي والدين فينا لنستفيد مما أنجزه مجاهدو غزة المرابطين وقدموه لنا من برهان على قدرتنا بعون الله على هزيمة الكيان، لنبدأ في إعادة بعث مجتمعاتنا من جديد انطلاقا من إنجازات أهل غزة المجاهدين المرابطين قبل أن تضيع فرصة تاريخية جديدة امتن الله بها على الأمة وعلى هذا الجيل من المؤمنين أم تضيع منا الفرصة مرة أخرى.