بقلم د. عيسى القدومي
لأول مرة منذ خضوع القدس للاحتلال الصهيوني في العام 1967، ومع بداية العام الدراسي الجديد، شكل إدراج بلدية الاحتلال في مدينة القدس منهاجا دراسيا إسرائيليا جديدا، بدل المنهاج الفلسطيني الذي يدرس في مدارس المدينة المقدسة منذ ما يزيد على عقد من الزمان بعد أن كان المنهاج الأردني هو المعتمد في المدارس العربية في المدينة منذ احتلال الشطر الشرقي عام 1967م.
وتقر الآن سلطات الاحتلال في المدينة -ولأول مرة منذ احتلالها- هذا المنهاج التهويدي الصريح الذي يربي الطالب -منذ طفولته- على قبول الاحتلال، بل واعتبار كيان الاحتلال وطنه الذي عليه أن يفرح به ويحتفل باستقلاله، بل -وبكل صراحة- يدعوه المنهاج للامتنان لدولة الاحتلال التي بفضلها تتم رعايته وأرضه وآباؤه والإنعام والإنفاق عليهم.
حيث تعمل سلطات الاحتلال على طمس الهوية الفلسطينية، وفصل المواطن المقدسي عن ثقافته وقوميته العربية عبر تطبيق المنهاج الدراسي (البجروت الإسرائيلي) في 5 مدارس مقدسية، بفرض واقع تعليمي جديد في القدس؛ حيث تقوم المناهج اليهودية بتغييب المسجد الأقصى وعد الأماكن المقدسة في القدس مقتصرة على كنيسة القيامة وحائط البراق وقبة الصخرة.
ولا شك أن فرض ذلك المنهج تقويض لأركان الهوية الوطنية للشبان الفلسطينين في شرقي القدس، وهذه الخطوة التي يصر المسؤولون في بلدية الاحتلال أنها اختيارية واجهت معارضة عنيدة من أهالي القدس.
حيث إن التعليم في القدس مستهدف من قبل سلطات الاحتلال وأذرعها المختلفة ووصل التهويد إلى التعليم بعدما هودوا الحجر والشجر، فهاهم يمارسون تهويدهم الممنهج للمناهج الدراسية، وذلك بتزوير التاريخ الفلسطيني وهويته الإسلامية والعربية. ومن خلال ذلك المنهاج يدرس أبناء القدس بأن القدس عاصمة دولة إسرائيل وأن عمر بن الخطاب كان يحتل القدس، وقد حررتها (إسرائيل) في العام 1967م وما إلى ذلك !!!
ويتضمن المنهاج الجديد أن (الهيكل) حقيقي وموجود مكان المسجد الأقصى، وأن بلدية الاحتلال تعطي التراخيص لتنظيم البناء في المدينة المقدسة ولكنها تهدم منازل الفلسطينيين الفوضويين. وسترسخ بفكرهم الأسماء العبرية للشوارع والأماكن في المدينة المقدسة، وتشطب الأسماء الأصلية العربية للمدينة.
نعم أراد قادة اليهود وباحثوهم خلق تاريخ جديد لليهود واليهودية على أرض فلسطين، واختراع شعب، وتلفيق تاريخ عبر الآثار المزعومة، والمناهج المحرفة، والتاريخ المصطنع ، ليجعلوه مناهج علمية تدرس في مدارسنا!!
وهذا نتاج عمل الباحثين اليهود في إقناع طلبتهم أن اليهود عاشوا على هذه الأرض لسنين عديدة، ثم عادوا إلى وطنهم بعدما أبعدوا عنه جبراً!! والزعم بأن جُلّ الممارسات التي يمارسها اليهود في فلسطين مسوّغة؛ لأنهم عندما عادوا إلى فلسطين -بزعمهم أنها لهم!- وجدوا فيها سكاناً غير يهود قد تمكنوا من بيوتهم وأراضيهم؛ فعملوا على إخراجهم!! فاستراتيجية المؤسسات التربوية والتعليمية اليهودية هي: نشر ما تنتجه مراكزهم المتناسقة مع الاحتلال على أرض فلسطين.
واليهود على يقين أن تلك الدراسات والبحوث ضرورية، ولا مناص من العمل فيها وتوفير أدواتها؛ بوصفها أساساً للتعامل مع المسلمين والعرب وأهل فلسطين؛ حتى لا يكون مصيرهم كمصير الصليبيين، ولا يتكرر معهم ما حدث مع غيرهم، ولتلك الأسباب أضحت مسؤولية تلك الدراسات والأبحاث ونتاجها مسؤولية الجميع – أفراداً ومؤسسات وقيادة – في خدمة المشروع الصهيوني.
فتاريخنا يؤرقهم؛ لأن في صفحاته تفاصيل فتح أمير المؤمنين عمر بن الخطاب للقدس، وأخبار عماد الدين ونور الدين زنكي، وانتصارات صلاح الدين الأيوبي، والظاهر بيبرس، والأخبار والسير التي يشيب منه غلمان الحاقدين وأعداء المسلمين!
ففي طيات تاريخنا أخبار الفتوحات والبطولات، ثم الهزائم والانتصارات، قام بها علماء وقادة، فتحوا الأمصار، وانتصروا على غارات المغول، وردوا حملات الصليب، وكسروا شوكة الاستعمار المعاصر فليس أمام الباحثين اليهود -إلى حين نهوض الأمة الإسلامية من جديد- إلا الكذب على هذا التاريخ!! وتدريس أبناء المسلمين تاريخ اليهود المزعوم .ولا طريق أمامهم إلا الاستمرار في الكذب والخداع! أرادوا هدم تاريخنا، وعملوا على ذلك؛ لعلهم يجدون في أنقاضه ما يصلح ليسطروا منه الأساطير والأباطيل!!
وقد دعا الشيخ عكرمة صبري بوضوح للتصرف، كما فعل المعلمون والطلاب عام 67 عندما قاطعوا المدارس التي حاولت فرض منهاج الاحتلال وأضربوا، يأتي هذا كله أثناء قيام رئيس بلدية الاحتلال (نير بركات) – بصفة شخصية- بالتجوال على مدارس شرقي القدس ضمن حملته التهويدية الواضحة .
وحذر خبراء تربويون وحقوقيون فلسطينيون من عواقب هذه الخطوة، مؤكدين أن المنهج الصهيوني يحرف التاريخ والدين والجغرافيا، ويشوه الثقافة الوطنية الفلسطينية، مطالبين الجامعة العربية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بالعمل على إيقاف هذا الإجراء الذي يتعدى على حق الطالب الفلسطيني في دراسة منهج يراعي قيمه وهويته الثقافية والعقائدية.
ولا شك أن ذلك عمل خطير يخدم أجندات الاحتلال في طمس الهوية العربية والإسلامية، وتغييب وتحريف الحقائق الدينية والتاريخية والجغرافية، وربط الجيل الفلسطيني بالفكر والوعي الصهيوني. وذلك يؤكد عدم اكتفاء الصهاينة بادعاء الآثار والتاريخ في القدس وفلسطين، بل يتجاوز ذلك إلى محاولات لتزوير المناهج التدريسية، ولا شك أن مثل هذه الأعمال تأتي في إطار مخططات اليهود ولهاثهم وراء تشويه العقول .
(المصدر: مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية)