بقلم خالد موسى
إن الواقع الذي تحياه أمتنا الإسلامية العظيمة بالرغم مما يبدو أنه واقع مأساوي لبعض الناس الذين ينظرون تحت أقدامهم فقط ولا يقرأون التاريخ ولا ينتبهون لسنن الله في نشوء الحضارات ونهايتها ولا يعطون الوعود القرآنية والسنن النبوية حقها كونها قد حددت مسار الأمة منذ بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ورسمت أطوارها المختلفة في العديد من الأحاديث والأيات الكثيرة نكتفي هنا بذكر التالي:
في صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليها عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال يا محمد إني قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها”.
وفي مسند أحمد وسنن أبي داوود بإسناد حسن عن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قال قلنا وما الوهن ؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت “.
وفي الصحيحين والسنن عدة روايات عن كثير من الصحابة بلغوا نحو عشرين صحابيا و أوصله بعض العلماء إلى حد المتواتر أنه صلى الله عليه وسلم قال ” لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم لا يضرهم من خذلهم ولا خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله – وفي لفظ أخر – حتى تقوم الساعة”. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح عن النعمان بن بشير رضي الله عنه من لفظ حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا جبريا ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة “. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإن النظرة الاستراتيجية السليمة وتتبع سنن التاريخ بشكل علمي سليم مع النظر لملامح وطبيعة الواقع بدقة وشمول كلها تتوافق مع ما جاء من البيان الإلهي الواضح فكما قال شيخ الإسلام ابن تيميه في درء تعارض العقل مع النقل : “إن العقل الصريح لا يخالف النص الصريح ” فسنحاول خلال الأسطر التالية أن نذكر بعض معالم وسمات طريق المستقبل للأمة في صراعها مع عدوها وهذه العلامات والسمات حين نرى بوادرها نستبشر وحين يكتمل بنائها يتحقق الوعد وحين تغيب نعمل على إحيائها، فيمكننا أن نعتبر أن هذه ملامح لاستراتيجية عمل أو أنها علامات على الطريق الصحيح نحو نهضة الأمة مرة أخرى.
وحدة المعركة والقضية والمصير
إن جميع الثوار والمجاهدين في جميع بلاد الأمة المختلفة لابد أن يدركوا أنهم يخوضون معركة واحدة عنوانها التحرر من أنظمة الحكم المحلي الموالية للنظام الدولي الذي يهيمن على العالم بقيادة أمريكا فهي معركة واحدة وإن اختلفت الأسماء وعدو واحد بأشكال كثير فأمريكا في أفغانستان وروسيا في القوقاز والقرم والصين في تركستان الشرقية والكيان الصهيوني في فلسطين وفرنسا في أفريقيا وإيران في الأحواز والعراق والسيسي في مصر وحفتر في ليبيا والحوثي والإمارات في اليمن وحكام السعودية كلهم وغيرهم عدو واحد بأقنعة متعددة، وقضية المعركة أيضا واحدة هي التحرر من قيود الظلم والاضطهاد وسرقة الثروات وإقامة الشرع الإسلامي بتطبيق أحكامه سعيا نحو قيام دولة الإسلام مرة أخرى ولذا فإن المحصلة من مواجهة عدو واحد في معركة واحدة أنه بالنهاية لابد أن يكون المصير واحد فإما نصر وإما هزيمة وكل نصر في اليمن يقرب النصر في مصر وسوريا وكل الأمة وكل هزيمة في السعودية وليبيا تضعف سوريا وأفغانستان والأمة كلها.
كلما تقاربت المفاهيم ووضحت العقيدة وبنيت علاقات التنسيق والتناصح والتعاون بين الثوار في كل الأقطار كلما سهل بناء الوحدة وتكوين مؤسساتها والعكس بالعكس.
العقيدة والوعي
إن سبب افتراق وضعف الأمة هو تغييب العقيدة الصحيحة للإسلام والجهل بتعاليم الدين والحياة بكل مجالاتها وبحقيقة المعركة والأعداء، فعقيدة الإسلام الصحيحة من التوحيد تطبيقها الصحيح يقود نحو تطبيق عقيدة الولاء للمسلمين والبراءة من الكافرين وهذا التمييز يقود للصراع بين الجانبين جانب الإيمان وجانب الكفر والنفاق مما يزكي العلم في كل المجالات لأنها هي وسائل الصراع الذي هو واجب المسلمين أن يجاهدوا عدوهم ويعدوا له كل ما يستطيعون من أجل تحقيق النصر.
صراع الأمة والشعوب بدلا من صراع الدولة والخلافة
إن خطاب الله لجميع المسلمين هو خطاب فردي وحسابهم يوم القيامة أيضا فردي فكل إنسان مسلم عليه تأدية واجبات الإسلام بنفسه لكي ينجو من الحساب يوم القيامة، هذا المفهوم الأساسي وتوضيحه وترسيخه هو ما سيدفع الشعوب والأمة للاستجابة والنهوض لمقارعة عدوها فحتى الواجبات الكبيرة مثل الجهاد الذي يحتاج لمجموع من الناس وإمكانيات وغيرها قال الله عز وجل فيه ” فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ” فحتى هذا الواجب العظيم خاطب الله المسلمين خطاب فردي حتى لا يظن أحد أنه إذا لم يجد الدولة أو المجموعة أو الإمكانية أنه يحق له تركه ، لذلك حين يشعر الفرد المسلم بصحيح عقيدته ويبصر عقله صحيح واقعه فلابد له من أن ينطلق ليساهم في صراع أمته نحو التحرر من كل أشكال العدوان.
الشئون العسكرية
إن الناظر عبر التاريخ الإسلامي الكبير يرى سمة مشتركة في المجتمع وهي صفة العسكرية التي تعني أن كل المسلمون مطالبون بالاشتراك في القتال وجهاد الأعداء كلا على حسب إمكانياته وقدراته وبالرغم من تعدد ميادين الصراع إلا أن أكبرها و أكثرها تأثيرا هي الحرب التي يزداد أهميتها وتصبح ضرورة أولى في حالة أمتنا الحالية بسبب احتلال الأراضي الإسلامية سواء بطريقة مباشرة وغير مباشرة فأول الواجبات هو جهاد الدفع، لأن إن استباحنا العدو ضاع كل شئ ولا معنى لأي مستوى من الصراع قبل محاربة العدو عسكريا.
ولا يخفى على الجميع سوء حال الجيوش النظامية وعدم صلاحيتها كونها تم تسخيرها من أجل فقط ضمان استقرار أنظمة الحكم وترسيخ الهيمنة الأمريكية مما جعلها تقوم بيد الذراع الثقيلة لقمع الشعوب حين تفشل الوسائل الأخرى أما في مجال العسكرية الحقيقية فلا يوجد في سجلها سوى الهزائم والفشل على الرغم من ظهور بعض المخلصين والأكفاء في هذه المؤسسات ولكنهم قلة واستثناء نادر ويتم لفظهم من هذه المؤسسات الفاشلة لكي يبقى دورها المرسوم ولا تخرج خارجه.
لذا فإن الاهتمام بالشئون العسكرية علما وتطبيقا وتحصيلا للعدة و تدريبا للشباب وابتكارا في العلوم التي تخدم الشأن العسكري وتسخيرا للجهود هو سمة أساسية لمستقبل النصر للأمة المسلمة .
قادة وجنود نحو النصر
إن من أهم خصائص الأمة هي القادة المخلصين المؤهلين لتحمل أعباء القيادة وتبعات المواجهة والذين يملكون الرؤية و المقدرة التي تستطيع تلمس الطريق الصحيح . فعلى مر تاريخ الأمة كانت تذخر بالقادات والكفاءات المخلصة والكُفء ولكن في هذه العصور عمدت الأنظمة العميلة وأجهزة الهيمنة على تخلف الأمة في كل المجالات وإشغالها بكل ضار حتى تخرج أجيال فاسدة مشوهة لا يرجى منها خير و لكن تأبى حكمة الله إلا أن يظهر قادة ومجددون فتحاول هذه الأنظمة على عزلهم ومنع الناس من السماع لهم والتفاعل والالتفاف حولهم.
لذلك فإن الواجب علينا كأفراد يختلف باختلاف إمكانياتنا وظروفنا فمن وضعه الله منا في موضع قيادة أو هو قريب من ذلك فعليه أن يكون على قدر المسئولية ويعمل على تنمية قدراته ويفني عمره ويسخر حياته من أجل خدمة قضية الإسلام وألا يتأخر عن الحق حيثما وجد والواجب على عموم الأمة المسلمة هو الالتفاف حول القادة المخلصين ونبذ الأدعياء المتصدرين ولا يدفعنا حب الدنيا وكراهية الموت أن نختار ما وافق هوانا حتى لا نتحمل تبعات نصرة الحق و لا يخلو زمان من القادة المخلصين مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم عن طائفة الحق الموجودة في كل الأزمان ومصداقا للحديث عن أبو هريرة رضي الله عنه في سنن أبي داود بإسناد صحيح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها” لذا فليؤد كلا منا واجبه في موقعه الذي وضعه الله فيه بكل إخلاص حتى يفوز برضى الله ويقترب النصر للأمة.
اشتعال قواعد العدو الخلفية
مهاجمة مؤخرات العدو وتهديدها هو من أشهر استراتيجيات النصر في الحروب فلذا فإن اشتعال قواعد العدو الخلفية وعمقه يكون على مستويين أولهما في مناطقنا المحتلة مثل الأحواز في إيران وفلسطين الداخل والضفة وليس غزة فقط والقوقاز والقرم المسلمين في روسيا وتركستان الشرقية في الصين وثانيهما هو مناطق المحتلين مثل جنوب أوربا والبلدات الأمريكية والبريطانية والروسية ، عدم الاستقرار والفوضى في هذه المناطق كلها واشتعال أعمال المقاومة فيها يؤدي لإرباك العدو وانشغاله بنفسه مما يقرب من تحرر بلادنا المحتلة ولا يهمنا هنا ذكر الأسباب والوسائل التي تؤدي لهذا العنصر بل يعنينا أنها علامة هامة ينبغي لنا أن نستبشر حين نرى بداياتها فأي حدث في هذا الاتجاه هو من مصلحتنا الاستراتيجية.
تفكيك الأنظمة المركزية
إن من أهم وسائل تثبيت ودعم الاحتلال الغربي والهيمنة الأمريكية هو وجود أنظمة مركزية في بلاد المسلمين تتكون من نخب عميلة تتركز في أيديها السلاح والأموال والثروات والسلطات وتكون تولي السلطة عبر الاختيار من أعضائها المنتقين بعناية من أجل ضمان كامل ولائهم للنظام الدولي وتشبع أفكارهم وأرواحهم بالمفاهيم الاستعمارية التي من خلالها يتم التحكم في شئون الشعوب المسلمة، هذه الدول المركزية هي أعظم جنايات عصرنا وقد تم إقناع الناس بأنها هي الشكل الوحيد الذي يضمن العيش الرغيد وبدونها فلا يوجد سوى الخراب حتى يجعلون من عموم المسلمين المضطهدين خدما لترسيخ النظم التي تستعبدهم وتظلمهم وتسرق ثرواتهم .
والمقصود بتفكك الدول المركزية ليس إشاعة الفوضى والخوف و توقف معيشة الناس بالعكس فهذه الأنظمة هي ما يمنع من تحقيق الأمن فهي تريد أمن نظام الحكم في حين تهدر أمن الشعب وتريد استقرار الطبقة الحاكمة ومعاناة الشعب المسلم وتريد النظام والقانون الوضعي الذي يحمي فسادها واستبدادها في مقابل الشرع الإلهي الذي يرسخ للعدل وحرية البشر.
لذا فأن أي جهد وأي حدث يضعف مركزية نظم الحكم أو يؤدي لزلزلة هذه الأنظمة وتفكك وتدمير أجهزتها ومؤسساتها هو من الجهد المحمود وهو حدث ينبغي لنا أن ندعمه ونستبشر به حتى لو كان من غير صنعنا فالله سبحانه وتعالى إذا أراد أمرا هيء له أسبابه فأمة عاشت سنين طويلة في الظلم لن تتخلص منه في يوم وليلة بل يرتب الله لهذا التغير أمورا وأطوارا ينبغي علينا قراءتها في سياقها الصحيح والتدبر في أيات الله حتى نواكب التغيير المطلوب في مستقبل الأمة.
ضعف وانهيار الاقتصاد العالمي
المال والعولمة الاقتصادية واقتصاد السوق هذا النظام الاقتصادي العالمي الذي صنعته، أمريكا والغرب بعد الحرب العالمية الثانية وترسخ تماما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي هو العدو الأكبر الذي يمكن أمريكا من الهيمنة على كل دول العالم ومن التحكم في اقتصادها وبالتالي من مصائرها وثرواتها، العديد من الأحداث والأزمات والاتفاقيات التي تنقض حجرا في هذا البناء هي من الأمور التي ينبغي لنا أن ننتبه لها و ندعمها ونعد أنفسنا لها فالوقت الذي ينتهب فيه هذا النظام الاقتصادي العالمي هو الوقت الذي نحصل فيه على حريتنا وليس فقط شعوبنا بل جميع شعوب العالم مسلمها وكافرها.
(المصدر: موقع تبيان)