مقالاتمقالات مختارة

مفهوم الجهاد الشرعي (1) | د. سفر الحوالي فك الله أسره

مفهوم الجهاد الشرعي (1)

بقلم د. سفر الحوالي فك الله أسره

الجهاد هو بذل الجهد، ومن أنواعه القتال، ولما ذكر الله تعالى شراء الأنفس وبين فضل قتال الكفار، أعقب ذلك بقوله: ﴿لتَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة : 112].

وليس الجهاد محصورا في قتال الكفار فقط، فكل من جاهد نفسه في طاعة الله فهو مجاهد، وكل من دعا إلى الله وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر فهو كالمقاتل في سبيل الله وربما أعظم منه لأنه يحافظ على رأس المال الذي إذا ذهب لا ربح بعده.
قال ابن كثير في تفسير آية الشراء المتقدمة من سورة التوبة: “هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم”، وقال: “وهم مع ذلك ينصحون خلق الله ويرشدونهم إلى طاعة الله، بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه عملا وانقياداً، فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق” اهـ.

وأفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر كما ثبت في الحديث، ومن رحمته تعالى أن جعل الجمع بين أنواع من الجهاد ممكن، فما على فاعل ذلك من تبعة.

والجهاد ليس فيه أكبر وأصغر وفق زعم بعض الصوفية، إذ يجعلون قتال الكفار أصغرا، وإنما فيه أفضل وفاضل كما في الحديث وكلاهما كبير.

ومن قتال الكفار ما هو فرض عين ومنه ما هو تطوع، أما طاعة الله فهي فرض عين على كل مسلم حسب طاقته، كما أن الهجرة قبل فتح مكة كانت فرض عين وبعدما فتحت مكة أصبحت هجر ما نهي الله عنه، وقد يقتضي ذلك الانتقال من بلد لآخر.

وعلماء الإسلام يجب عليهم الجهاد الأفضل ما استطاعوا إليه سبيلا، وإذا تخلّوا عنه أصبحوا كالحجر في الساقية، بل ربما من قطّاع الطريق إلى الله كما ذكر ابن القيم، ولا يجوز لهم تأويل كل ما يفعله الحكام، فإن الأصنام إنما عُبدت بالتأويلات ومن كان منهم عاجزا عن قول الحق فليعتزل ولا يقل الباطل، ولا يخدر الأمة بالثناء على من يعطيه الراتب!

والجهاد في سبيل الله -بمعنى القتال- أجره عظيم وفضله كبير، يرفع الله به من شاء من خلقه، وهو المراد بالجهاد إذا أطلق.

ووجوب الجهاد لا يعني تقحم المراحل أو إغفال بعض أنواعه التي لا يتم إلا بها ولا بد منها، فالله تعالى جعل لكل فريضة وقتها، ولا يقبل ممن صلى الظهر مثلا قبل الزوال، ولم يأذن للأنصار ليلة العقبة أن يميلوا بأسيافهم على أهل الموسم، وهكذا، فلكل شيء وقته ولكل مرحلة تعاملها.

وعقيدة أهل السنة والجماعة متسقة مع العقل في كل شيء، ومن ذلك أن الناس كما يتفاوتون في الإيمان يتفاوتون في شُعبه، فليس كل أهل لا إله إلا الله سواء، وليس كل المصلين سواء، وليس كل الذاكرين سواء، وليس كل المستحين سواء، وليس كل مميطي الأذى عن الطريق سواء وهكذا.

وهذا التفاوت وارد في القرآن، فليس من أنفق وقاتل قبل الفتح كمن أنفق وقاتل بعده، وليس الأعراب كالمهاجرين وإن كان ما لديهم من الإيمان يسمى إسلاماً.
كما أنه ثابت بالسنة فليس من أسلم متأخراً مثل سيف الله خالد بن الوليد كالسابقين الأولين من مثل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما، ولما اختلفا زجر النبي صلى الله عليه وسلم خالداً.

ولما قال أحد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم أين أنت من فلان إني لأراه مؤمناً، قال له النبي صلى الله عليه وسلم (أوْ مسلمًا).

ولما جىء له صلى الله عليه وسلم بأحد الصحابة أقام عليه حدّ الشرب ولما قال أحدهم “لعنه الله كم يشرب”، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله).

وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم حكم أن بعض الناس لا يقبل الله منه عدلا ولا صرفًا، وقال: (وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم).

وقال الله تعالى: (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ) [النساء : 95] وأمثال ذلك كثير.

وكلام الصحابة والتابعين وسائر السلف في ذلك لا يحصى.

ومن مجموع هذه الأدلة نوقن أن بعض أنواع الجهاد أعلى من بعض، وأن المجاهدين متفاوتون فيه.

ومن قاتل من أجل مُلْك أحد أو من أجل القومية أو الوطنية أو قاتل من أجل شيء وكله الله إليه.

وقد قتل قزمان سبعة أو ثمانية من المشركين وقال الصحابة إنه شهيد، فقال صلى الله عليه وسلم: (بل هو من أهل النار)، فلماذا ذهبوا إليه قال: إنما قاتلت عن أحساب قومي، فالقومية أضيق من الوطنية وتجعل من قاتل لأجلها غير شهيد.

وكذا من قاتل ليقال شجاع أو قاتل لأجل الراتب، وهو الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أجد له إلا الدريهمات تلك)، ومثله من قاتل ليترقى في الرتب العسكرية.

وقد روى صاحب الصحيح أن أبا برزة الأسلمي قال: (اللهم إني أحتسب عندك أني أصبحت ساخطا على كل هؤلاء)، ثم ذكرهم وقال: (إنهم يقاتلون على الدنيا).

وقال الصحابة (رضى الله عنهم) عن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له كركرة، “هنيئًا له الشهادة”، فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلّها لتشتعل عليه نارًا).

وقد روى قصته البخاري وفيها أنه من عبيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بمن يغل اليوم المليارات من بيت مال المسلمين؟ وليس له صحبة ولا صلة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

ونحن مأمورون بقول الحق والعدل مع الأفراد والجماعات والأحزاب والدول والحضارات، والعدل مع المسلمين أولى.

فلا نغمط الإخوان المسلمين مثلا فضلهم وجهادهم ولا نبخسهم أشياءهم ولا نفضل السيسي عليهم، ولا نقول إنهم جماعة إرهابية ولا نسميهم الاخوان المفلسين، بل نذكر ما نعلمه عنهم من الصواب والخطأ، وسوف يسألنا الله عن كل قول قلناه (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).

والإخوان منهم المحافظون ومنهم دون ذلك، والحكم عليهم جميعا خطأ، وإنما كل امرئ بما كسب رهين.

وأعظم مآثر (الإخوان المسلمين) مثلا هي جهادهم في حرب السويس، الذي كتب عنه كامل الشريف، وأكبر أخطائهم ترك الجهاد ومع ذلك لم يسلموا بل وصفوهم بأنهم إرهابيون وصنفوهم كذلك.

يسلموا بل وصفوهم بأنهم إرهابيون وصنفوهم كذلك.

وقد أسس الشيخ حسن البنا -رحمه الله وتقبله شهيدا- جماعة الإخوان المسلمين، لتكون حركة دعوية تجديدية، لا لتكون حزبا سياسيا معارضا يؤمن بالديمقراطية، وكتب الوصايا العشرين وغيرها لتكون مصدرا دعويا للإخوان، وكان الشيخ متأثرا بدعوة الإخوان في جزيرة العرب، وجعل الجهاد ركنا ركينا من دعوته، ولكن الإخوان المتأخرين انحرفوا عن دعوته، وأصبحت حزبا سياسيا ولا يكادون يذكرون الدعوة والمهمة الأساسية للحركة، ولا يذكرون الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، ويقولونه في شعارهم المشهور “الموت في سبيل الله أسمى أمانينا”، وكذا في نشيدهم:

هو الحق يحشد أجناده ويعتد للموقف الفاصل

واشتغلوا بالأعراض عن المرض نفسه كإلغاء فلان للديمقراطية، بل يقولون نحن سلميون، ولم يمنع ذلك أن يتهمهم أعداؤهم بالإرهاب!! ويقولون إن فلانا انقلب على خيار الشعب وعلى الديمقراطية، وفي عهده تدهورت الأوضاع الاقتصادية، وهذا صحيح في ذاته، لكن ليس هو الداء، وصار أكبر همَّ بعضهم الحصول على حقيبة وزارية أو مقعد في البرلمان، بل إن بعضهم أصبح من ركائز الطواغيت، الذين قامت الحركة أساسا لتخليص الأمة منهم، وهكذا تداخلت الأهواء الشخصية مع الأهداف الدعوية وبعضهم يدعو إلى العلمانية وهو لا يشعر.

وبعضهم ذهب لأبعد من ذلك فتحالف مع الشيوعيين أو الاشتراكيين أو غيرهم من المعارضين.

وبعضهم يقول إنه حزب وطني محلّي، أي أنه يؤمن بالتقسيم الذي وضعه (سايكس وزميله بيكو)، واستدرجهم أهل الكتاب ليدخلوا اللعبة السياسية ففعلوا، وبعضهم يقول إن كون الدستور الفلاني فيه عبارة دين الدولة الإسلام كاف!! ولا حاجة للمطالبة بتطبيق الشريعة، وخير من الإخوان من جاهد وجهاد اليهود هو جهاد المرحلة.

أما الجماعات الجهادية فأكبر أخطائها هو أنها حصرت الجهاد في أحد معانيه، وهو القتال، وأهملت الأنواع الأخرى وذمت أهلها وأهدرت دماءهم وجعلتهم مرتدين، مع أن الأنواع الأخرى مذكورة في القرآن والسنة ومنها:

أ – الجهاد بالقرآن (وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان : 52]، وهو الدعوة والمجادلة، ويدل عليه قوله تعالى عن الوالدين: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا
لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) [لقمان : 15].

ب – دهاد المنافقين (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة : 73].

ت – الصدع بالحق، قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، وقال: (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله)، ولذلك كانت حياته صلى الله عليه وسلم كلها جهادا.

فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة إلا مجاهدا؟

وهل كان حين أرسل المهاجرين إلى الحبشة إلا مجاهدا؟

وهل كان في صبره على الأذى وتحمله لما يقوله عبدالله بن أبي وحزبه إلا مجاهدا؟

وهل كان حين همّ المنافقون باغتياله وهو قافل من تبوك إلا مجاهدا؟

وهل كان حين عقد صلح الحديبية إلا مجاهدا؟

وهل كان حين يستقبل وفود العرب إلا مجاهدا؟

وهل كان وهو ينذر عشيرته الأقربين، ويجادل الكفار، ويبلِّغ شرع الله لعامة الأمة إلا مجاهدا؟

وهل كانت مناظراته لليهود وذهابه لبيت المدراش إلا نوعا من الجهاد؟

وهل كانت مناظرته لنصارى نجران إلا نوعا من الجهاد؟

وهل كانت مؤاخاته بين المهاجرين والأنصار وتكفله بالنفقة على أهل الصفة ويتامى بدر إلا جهادا؟

وهل كان بناؤه للمسجد إلا جهادا؟

وهل كانت إقامته للحدود إلا جهادا؟

وهل كان دعاؤه ربه إلا جهادا؟

وهل تواضعه للفقراء والعجائز إلا جهادا؟

وبالجملة كانت كل أعماله العسكرية والتعليمية والاقتصادية والسياسية جهادا، فجاهد في الله حق جهاده حتى لقي ربه وهو عنه راض.

وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم بدعائهم وإخلاصهم)، وابحث بنفسك عن سبب النصر والتنمية الدائمة والرفاهية الحقيقية!! وهل ذلك يتحقق بالقتال وحده؟

وانظر أي خطأ يرتكبه الذين يحصرون الجهاد في بعض أنواعه، أو يجعلونه صراعا بين قوى شريرة وحشية ظالمة من جهة، وبين قوى خيرة أخلاقية عادلة من جهة أخرى كالغرب.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الجهاد منه ما يكون باليد ومنه ما يكون بالقلب والحجة والبيان والدعوة واللسان والبذل والصناعة” أهـ، وفي زماننا هذا أصبح الإعلام من أخص أنواع الجهاد وأهمها، وأصبحت مواقع العدو الاليكترونية من أكبر أهداف المجاهدين! وأصبح اختراق مواقعهم أكثر تاثيرا من قتل قادتهم.
ولا يصح حصر الجهاد في بعض أنواعه مهما كان عظيما، كما لا يصح حصر الرسالة في محمد صلى الله عليه وسلم،
أو حصر ما أنزل الله في القرآن وحصر الإسلام فى هذه الأمة، وإن كان محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الرسل، والقرآن هو أفضل الكتب، وهذه الأمة هي أفضل الأمم.
والجهاد ليس فرض عين في كل الأحوال، بل حسب المصلحة الشرعية، وإنما يكون الجهاد فرض عين في ثلاثة مواضع:
أ- إذا استنفر الإمام المسلمين كلهم، كما فعل صلى الله عليه وسلم عام تبوك.
ب – إذا دهمهم العدو وجاء إلى بلادهم، فيجب على أهل تلك البلاد الدفع عن أنفسهم ويجب على المسلمين نصرتهم وإمدادهم بالمال والدعاء وبأي وسيلة ممكنة.
ت – إذا حضر المجاهد بين الصفين، لم يجز له الفرار من الزحف، وقد قال تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ..) [التوبة : 123].
وأكثر الفقهاء على أن حكمه العام فرض كفاية، قال ابن القيم: “وأما جهاد الكفار والمنافقين فقد يكتفى فيه ببعض الأمة إذا حصل منهم مقصود الجهاد”، ورجح أن الجهاد بمعنى القتال فرض كفاية وكذا قال ابن كثير.
وقال ابن القيم: “والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب وإما باللسان وإما بالمال وإما باليد، على كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع، أما الجهاد بالنفس ففرض كفاية”.
واستدل ابن كثير على أن القتال باليد فرض كفاية بأنه تعالى أمر المؤمنين أول الأمر بكف اليد.
هذا ويجوز قول فلان شهيد لمن علم القائل أنه مات شهيدا أو غلب ذلك على ظنه، والدليل قوله تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌۚ بَلْ أَحْيَاءٌ) [البقرة : 154]، وقول الصحابة رضى الله عنهم بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلان شهيد، وفلان شهيد، وأقرهم على ذلك حتى قالوا “فلان شهيد”، فقال: (كلا والله إني رأيته في النار في بردة غلّها)، رواه مسلم.
لكن لا يكون ذلك على سبيل الجزم، وإنما على سبيل الرجاء خروجا من الخلاف في المسألة.
ولا شك أن قتال الكفار له في الدين مترلة عالية وفضل عظيم، ولكن غيره أهم منه وقد يقدَّم عليه في النصوص لا سيما الإيمان بالله.
وإنما يكون فرض عين في حالات معينة تقدم ذكرها، وحتى في هذه الحالات لا يكون كل الناس حاملين للسلاح، بل كلٌّ يجاهد في ميدانه، فالإمام أحمد مثلا صبر على الأذى والجلد، ولو أنه ذهب إلى الثغر لما فعل من ذلك شيئا، ولربما فعل بعض العوام أكثر منه، وصبره هذا من أعلى أنواع الجهاد.
قال شيخ الإسلام: “والواجب أن يعتد في أمر الجهاد برأي أهل الدين الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا”، فلا بد من الرأي ومن معرفة الواقع.
والدعوة مقدمة على القتال حتى في حالة قتال العدو أو محاصرته.
قال صلى الله عليه وسلم: (لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال فأيهن أجابك فاقبل وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوا فاقبل منهم وكف عنهم..) الحديث.
وقد يكون الجهاد فتحا سياسيا للدعاة يُسلم به كثير من الناس، وقد سمى الله تعالى صلح الحديبية فتحا مبينا مع أنه لم يكن فيه قتال بل رجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعتمر تلك السنة.
وسمى الرسول صلى الله عليه وسلم الانسحاب يوم مؤتة فتحا كما في الصحيح، مع اتفاق أهل السيرة على أن المسلمين إنما رجعوا، وجهز عليه الصلاة والسلام أسامة ليأخذ بثأر أبيه، وأخبر صلى الله عليه وسلم باستشهاد قادة المسلمين في ذلك اليوم: زيد وعبدالله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب.
وعاد صلى الله عليه وسلم عن حصار الطائف، ونهى عن قتال الترك والحبشة، وقال: (جاهدوا المشركين بأيديكم وأموالكم وأنفسكم)، وجعل انتظار الصلاة إلى الصلاة رباطا.
والدعوة عامة لكل الناس (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا) [سبأ : 28]، وليس القتال كذلك.
ويجب البدء في الجهاد بأشد الناس عداوة للذين آمنوا وهم اليهود كما بين الله.
ومن ترقى في درجات الإيمان، أعطى كل مترلة حقها وعرف أن الترتيب واجب، وأن الأهم مقدم على المهم، وأن واجب الوقت مقدَّم على غيره، وشرط ذلك كله هو الإخلاص لله، فمن قاتل فليكن قتاله لله، ومن دعا فلتكن دعوته إلى الله، ومن تعلم فليكن علمه لله ومن قرأ فلتكن قراءته لله، ومن تصدق فلتكن صدقته لله، وإن أعطى فلله، وإن منع فلله، وإن والى فلله، وإن عادى فلله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “من المعلوم أن القتال إنما شرع للضرورة ولو أن الناس آمنوا بالبرهان والآيات، لما احتيج إلى القتال، فبيان الإسلام وآياته واجب مطلقا وجوبا أصليا، أما الجهاد فمشروع للضرورة، وإذا وجب علينا جهاد الكفار بالسيف ابتداء ودفعا، فلأن يجب علينا بيان الإسلام وأعلامه ابتداء ودفعا لمن يطعن فيه، فهو واجب بطريق الأولى” اهـ.

ــــــــــــــــ
(1) من كتاب “المسلمون والحضارة الغربية” ص: 2174 وما بعده.

(المصدر: مجلة كلمة حق)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى