مقالاتمقالات مختارة

مفردات الوعي بين الجيل المعاصر وجيل الصحابة

بقلم عبد المنعم اسماعيل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)} سورة إبراهيم.

كلما مر التاريخ، وتعددت العقول المتتالية، في ركب الانتماء لهذا الدين، العظيم وهو دين الإسلام، كلما طالعت الأجيال المسلمة من الشباب رجال ونساء، صفحات مضيئة من سجل التاريخ الإسلامي، كان للعقول أن تفكر في منهجية المتابعة خلف هذا المجد العالي، والقمة السامقة، التي وصل اليها، الجيل الأول، والرعيل الأول، من صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

مفردات الوعي ارتبطت بالغاية وسيطرت الغاية على الوسيلة، فليس البحث عن الوسائل يؤثر في الغاية أو الغاية النبيلة ليست سببا في تغيير الوسيلة أبداً،

الجيل الأول : أو الرعيل الأول جيل الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين كان له، خصائص منها، استقامة الرؤية لحقيقة الواقع الذي يعيشون فيه، قبل الإٍسلام حتى تم تمييز، أهل الأمانة وأهل العفاف وأهل الكرم وأهل المروءة وأهل الشجاعة وأهل العدل، وإن كان غالب الواقع جاهلي لأنهم يعبدون الأصنام إلا أن سلامة التصورات لبعض الأخلاقيات كانت موجودة عند ثلة أو قليل من أبناء المجتمع، أولم تقرأ قول هند عند إسلامها حين سمعت قول الله عزوجل ولا يسرقن ولا يزنين فقالت أو تزني الحرة ؟

إن عملية الاستهجان للانحطاط الأخلاقي كانت ملازمة لهند رضي الله عنها حتى وهي قبل أن تدخل الإسلام، إن تمييز المجتمع لخلق الأمانة عند الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، أمر فيه غاية الإنصاف، لأهل الأمان والأمانة، كل هذه المفردات، كانت بمثابة إرهاصات سلامة المجتمع من الناحية الأولية لاستقبال نداء السماء، حين يتلوا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيات الكتاب العظيم، ألا وهو القرآن الكريم

إن فهم مراد الله من القرآن، خاصة قضية التوحيد، استوعبه الجميع من أسلم، مثل أبي بكر الصديق، ومن رفض الإسلام مثل أبي جهل فرعون الأمة، وكان لعدم إيمان الكفار على درب صنيع المنافقين، أكبر دلالة على حكمة الله عزوجل من خلو المجتمع المكي الأول من ظاهرة النفاق فكان جيل لا نفاق فيه، وكان كفر لا تغيير لمعالمه أمام الناس، كما فعله المنافقون بعد ذلك، ولكن قليل من يعتبر، أدرك أهل الجاهلية أو مجدر النطق بكلمة التوحيد، لا اله الا الله محمد رسول الله، لا حاكمية للعقل ولا حاكمية للقبيلة، ولا حاكمية للمجالس العرفية، ولا حاكمية، للمجموع الكلي لكونه الأغلبية المطلقة، بل فهم الجيل حقيقة النقلة المنشودة أمام الأجيال المعاصرة في مكة، من بطحاء مكة إلى سهول الوديان في فارس والروم ومصر والحبشة حال الاستقامة وتحقيق شروط الوهد ليقع واقع في حقيقة الكون المنظور.

جيل النبوة الأول : أدرك طبيعة الواقع ومفردات نقاط التأثير فعاش بين أمرين، الأول حب النجاة، ثم الدعوة إن استطاع مع تحييد الخصوم قدر الإمكان، فكانت ثقافة التخذيل عن أهل الإيمان ثقافة جماهيرية لمن يستطيع ولو كان كافرا كما فعل ذلك أبو طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم

في هذه المرحلة : التي أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم

حقيقة الدين الذي معه، حقيقة الخصوم لهذا الدين، تقييم المقومات المادية للخصوم، ليس في أدبيات الجيل الأول فعل كانت العاقبة له، قدوم الكفار لاستهلاك أهل الإيمان أبدا، لم تكن من أخلاقيات الجيل الأول، مفاهيم الاستفزاز للكفار حتى يدفع المستضعفون الثمن، أبداً،

لم يتفاجأ الرسول صلى الله عليه وسلم، بقدوم الكفار يوما ًواحداً عليهم أبداً، لا في مكة ولا في المدينة،

لم نقرأ في السيرة المحمدية وقوع الصحابة رضي الله عنهم في عشوائية ردود الأفعال أبداً، لم نشاهد في السيرة، كلام الصغار فيما سكت عنه الكبار أبداً،

كان الجيل يسعى نحو العبودية لله وكفاها شرف، ذاب الجيل في أعمال القلوب، فذلت الجوارح لبقية أهل الإسلام،

جيل النبوة أدرك المربي صلى الله عليه وسلم أهمية ثقافة الوعي الشامل بأدبيات التخذيل عن المسلمين، بل كلف نعيم بن مسعود بقوله ارجع فإن استطعت أن تخذل عنا فافعل،

يا الله خذل عنا يا نعيم بن مسعود، مكنون الكلام المحمدي صلى الله عليه وسلم ومنها من مفهوم المخالفة، لا تكن سببا ً في استثارة الناس علينا

– أي استثارة الكافرين المشركين

– أي استثارة القبائل الأخرى على أهل الإسلام

– أي استثارة عموم الجزيرة على الفئة المؤمنة

شبابنا في الواقع المعاصر بل شيوخ العالم الإسلامي خاصة علماء الحركة الإٍسلامية إخوان مسلمين أو جماعة إسلامية أو سلفية بتنوعها – إلا فريق أدرك ويعمل في صمت بعيد عن هوس الاستنفار الغير مجدي – أهمية إدراك الوعي في ثقافة التخيل عن الموحدين.

أم عشق الجميع، ثقافة الاستفزاز للخصوم ومن ثم كثير من الضحايا، ثم لا نملك حينها إلا ثقافة، ذهب الأسير أو الشهيد أو المجاهد ولله الأمر

جيل النبوة الرشيد، مر بمراحل الوعي الشامل لأمور منها، طبيعة الدين و طبيعة التربية المنشودة – طبيعة الجيل المطلوب جيل العبودية لله – طبيعة التوافق مع القدر العام ودور كل مسلم في منهج البناء حتى لا تتداخل الصلاحيات، أو تتكرر الجهود، ومن ثم يتم استنزاف الوقت والعمر والسير في الطريق العكسي من الهدف أو مرور الزمن ولا رثاء لعدد الضحايا،

الجيل المعاصر وبداية معركة الوعي

ليس من أدبيات الوعي الشامل، بهذا الدين أن نجعل له عقول معاصرة، تكون هي من تحمل صك الفهم، لحقيقة هذا الدين، سواء إمام أو زعيم أو حزب أو مذهب سياسي معاصر أو جماعة محدثة، لا ندري مؤسسها أفي الجنة أم في النار فافهم.

معركة الوعي أول دلالتها إدراك الجيل لبداية الأزمة المعاصرة فالتأريخ لأي مرض هو بداية العلاج فمتى انحرفت الأمة في توصيف الأزمة فلن تجد سبيل من تكرار الانحراف عن حقيقة أو أدب الوعي في علاج هذه الأزمة.

كثير من أوعية العمل الإسلامي المعاصر تؤصل للأزمة من تاريخ وجود خصوم لدعوتهم في الواقع المعاصر، وهذا التوصيف تأزيم لأزمة الوعي المعاصر من جديد، وتكرار لنفس نماذج العجز التي مرت، دون فائدة، ولله الأمر،

أخي الشاب المسلم، والعالم المسلم، والسياسي المسلم، إنها السنن فلا تنزعج، ولكن أدرك موضع أقدامك من دائرة السببية، في تأزيم الواقع المعاصر، حين أنت جعلت الكليات تضييع في الفرعيات لهذا الدين، وجعلت من الولاء على فرع الانتماء، بديل عن الولاء على أصل الانتماء لهذا الدين العظيم،

الوعي بتنزيل الأوصاف على الأعيان، هذا الأمر، من أخطر ما أهلك قلوب شباب العمل الإسلامي على مدار التاريخ وقليل من يعتبر،

الاستعجال في عملية التوصيف، للأولياء، وللخصوم، وللمنهج الذي نعمل من خلاله، ولمفردات التوافق، ولمفردات الخلاف، ومفردات التقييم، ومفردات التقويم، لماذا تدفع الأجيال المعاصرة خلال القرن الحالي والقرون القادمة الثمن للخطأ في عملية التوصيف لما مر ؟

هل أصبحت الأجيال، شباب، ونساء، وأطفال، ورجال، وعموم الأمة، حقل تجارب لأصل الإصلاح، أو أهل الإفساد ؟

هل باتت عقول أبناء الأمة أسيرة، لرؤية يراها المحبون من الأتباع رؤية معصومة، أو هي الدين، وما عداها كفر أو فسق أو نفاق، أو خيانة لله والرسول وكأن الاستنساخ للعصمة بات أمر ملازم لفرقاء العمل الإسلامي شئنا أم أبينا فأنتم أو علاكم النفاق رغم عن تاريخكم ولله الأمر.

ليس أمام الأجيال المعاصرة من خيار عن شمولية معركة الوعي ب التاريخ والواقع والمستقبل، يجل أن ندرك أهمية إخراج مفردات فهمنا من دائرة الإصلاح الشامل للجماعة المسلمة، أمة الإسلام.

إن التحرر، من أسر ردود الأفعال للواقع المعاصر، أصل من أصول التربية الرشيدة، إن العودة، لجذور، الانتماء، خير من الاستهلاك في فروع الانتماء، التي تتجدد، كلما اختلف الجالسون في دوائر صنع القرار، فينتج من الاختلاف رؤية جديدة بعصمة جديدة !!! ولله الأمر.

قال تعالى : وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) سورة الحج

(المصدر: موقع الأمة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى