“معركة سيف القدس”.. مؤشرات التهديد الاستراتيجي للاحتلال
إعداد خالد هنية
في السنوات الأخيرة غابت القضية الفلسطينية عن المشهد السياسي الإقليمي والدولي بشكل مقصود ومعروف.
أحد أهمّ ملامحه الحقبة الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترمب، التي أولت الاحتلال الإسرائيلي أهمية بالغة في تحقيق أهداف استراتيجية لها علاقة بقضايا مثل “ضم الضفة الغربية المحتلة ومنطقة الأغوار وإعلان القدس عاصمة للاحتلال”.
ولقد زاد التراجع الفلسطيني في ظلّ صعود الاحتلال، لا سيما في دول التطبيع، التي حظيت بمكانة مهمة لا سيما على صعيد نفوذها الإقليمي أو ترشيحها بديلاً لتأمين الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط التي كان أهمّها إدخالها في القيادة الوسطى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط ضمن منظومة القيادة والعمليات، بالإضافة إلى توسيع دائرة التعاون الاقتصادي وتوسع دائرة سيطرتها على المواني وتطوير مشاريع اقتصادية واستراتيجية كبيرة مع دول كثيرة.
وفي إطار ذلك كانت فصائل المقاومة الفلسطينية، لا سيما حركة حماس، تراقب سلوك الاحتلال وسلبه للحقوق الفلسطينية بشرعية وغطاء دولي، حتى جاءت الاحتمالات متعددة لدخول المقاومة في معركة مع الاحتلال، لكون القوة العسكرية هي أقوي الأوراق بيدها، لكن لظروف كثيرة أُجّلت هذه الجولة وتفصيلاتها، إلى أن جاءت ساعة الصفر بالاعتداء على القدس والمسجد الأقصى وتهجير الفلسطينيين من حي الشيخ جراح، حيث تطور الفعل الإسرائيلي من القضايا السياسية إلى الميدانية.
ولقد جاءت هذه المعركة على غير تقدير المستويات المختلفة لدى الاحتلال الإسرائيلي، أولها حول نية المقاومة خوض معركة أو طبيعتها أو شكلها.
ولأن المقاومة الفلسطينية تطورت تطوُّراً مهمّاً في السنوات الأخيرة على صعيد أدائها السياسي والعسكري، ومعرفة أهمّ نقاط القوة والضعف لهذا الاحتلال، فإن هذا جعلها تحقّق مكتسبات متعددة من هذه المعركة، والأمر الذي سيجعلها تخرج بمكتسبات متعددة.
مكتسبات سياسية داخلية وإقليمية ودولية
زادت شرعية المقاومة الفلسطينية داخلياً وإقليمياً ودولياً، لا سيما حركة حماس، فهي التي أخذت على عاتقها التحرك باتخاذ قرارات أكثر جرأة بالذهاب إلى المواجهة.
كما عملت على تجميد صفقة القرن التي تمّت في عهد ترمب، إذ إن هذه الصفقة أعطت إسرائيل مساحة واسعة من أحلامها ومشروعها الإقليمي. ولو لاحظنا فإن برنامج الديمقراطيين بقيادة بايدن ترك البرنامج الفاعل لدى الاحتلال على ما كان عليه في عهد ترمب، لكن بعد هذه المعركة تغير موقفه على الأقلّ في ما يتعلق بالعودة إلى مشروع حلّ الدولتين، وإن كان الفلسطيني لا يتفق مع هذا البرنامج.
كما جمدت وأضعفت وأنهكت كل خطوة يقوم بها الاحتلال تجاه أي قضية تتعلق بالاستيطان أو التغير الديموغرافي على الأرض (رضوخ الاحتلال لاحقاً في تعليق قضية الشيخ جراح سيظهر مدى جدوى ذلك).
وأضعفت ثقة الحلفاء بالعدو الصهيوني الذي أصبح بوليس المنطقة، وأهمّ معالم هذه الثقة التي منحته وجوده في القيادة المركزية الوسطى للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط والتي تمّت لملء الفراغ الإقليمي، نظراً إلى انشغال الإدارة الأمريكية بتهديدات كبيرة.
كما أنه لا يمكن لأي قوة إقليمية تجاوز القضية الفلسطينية أو المقاومة، في أي خيار في الفترة المقبلة، إذ ضربت المقاومة مشاريع استراتيجية وتعاقدات إقليمية ودولية في المجال الاقتصادي أهمّها مشروع تمار (مشروع الغاز الاستراتيجي الذي تم استهدافه من قبل المقاومة عدة مرات)، الذي يجعله قيمة مضافة من أجل إضعاف فكرة الاستثمار في هذا الكيان من قبل الدول ورؤوس الأموال.
على جانب متصل، عملت الهبَّة الفلسطينية على بناء وعي جديد لدى القوى الإقليمية والدولية عن حقيقة مكانة إسرائيل وقدراتها، في إطار التعاطي المصلحي مع الكيان، وزيادة الثقة لدى المقدسيين والفلسطينيين أينما كانوا بأنهم قادرون على فرض الوقائع بالقوة، وهذا وحده كفيل بتكسير أنف إسرائيل، وشاهدنا بسالتهم وصمودهم، واللد خير دليل.
بالمحصلة عملت الهبة الفلسطينية والمقاومة على إحياء القضية الفلسطينية من جديد في زمن التطبيع، فقد تحركت العواصم والمدن والجماهير للدفاع عن القدس ورفض العدوان الهمجي على المسجد الأقصى المبارك، الأمر الذي أثار القلق لدى الجانب الرسمي وجعله يتحرك لوقف العدوان.
مكتسبات ميدانية على الخارطة الفلسطينية
أفقدت هذه الحرب العدو عنصر المفاجأة ونقلته من مرحلة ما يُعرف بتآكل قوة الردع بتقديرهم في ما بعد حرب 201،- إلى فقدانها في هذه المعركة، وعلى الرغم من استمرارها فإنه حُسمت نقاط متعددة لصالح المقاومة من بدايتها، أُولاها الضربة الصاروخية الأولى للعاصمة السياسية للاحتلال “تل أبيب”، يافا القديمة، بـ130 صاروخاً، حتي أصبح بيان من قائد أركان المقاومة محمد الضيف يوقف الحركة في تل أبيب.
وقد عملت أيضاً على إدخال قواعد اشتباك جديدة من المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لترتسم معادلة تربط بين التصعيد في القدس أو في أي مكان في فلسطين، بأنه يستدعي ردّ من قبل المقاومة، فقد كان تصريح قائد أركان القسام محمد الضيف، بمثابة حافز مهمّ وكبير، وهذا وحده صنع وحدة معنوية، غير أنه سيشهد بناء وعي في المستقبل على مستوى الكل الفلسطيني لترتسم خارطة الوطن.
إن هذه الجولة مع الاحتلال أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية ووضعتها على طاولة صناع القرار في دول الإقليم والعالم، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما سيعطي أولويات مهمة لها في المراحل المقبلة، بين تقدير المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط ودعمها اللا محدود للاحتلال، ثم إن المقاومة الفلسطينية حظيت بشرعية كبيرة في الآونة الأخيرة، إذ كان للاتصالات الإقليمية والدولية الرسمية التي استمرت مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية ذات دلالة على أهمية وحضور المقاومة، وبذلك فإن المرحلة القادمة على مستقبل القضية الفلسطينية لها ما بعدها، وستكون الكلمة العليا للشعب الفلسطيني وفصائله.
(المصدر: تي آر تي TRT عربي)