مقالاتمقالات المنتدى

معاناة المرأة في زمن موسى (4)

إذلال فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام

معاناة المرأة في زمن موسى (4)
إذلال فرعون للنساء في زمن موسى عليه السلام

بقلم .د. عادل حسن يوسف الحمد( خاص بالمنتدى)

جعل الله المرأة سكنًا للرَّجل، وجعل الله الرَّجل سندًا للمرأة، تحتمي به من كل المخاوف، وتشعر بالأمن فِي كنفه، ولذلك تحب المرأة أن ترمي برأسها على صدر الرَّجل لتشعر بهذه الطمأنينة، وتحب أن ترى من الرَّجل قوَّته فِي الدفاع عنها وحمايتها.
كما أنَّها تحب أن تشعر بغَيرته عليها، بل قد تستثيره عمدًا لترى أثر هذه الغَيرة على وجهه، وفي تصرفاته، لأن هذه الغَيرة دليل على محبته لها، وفيها تظهر حمايته لها، والذبُّ عنها. فالمرأة عِرضُه الذي يحميه، ويخاف عليه من كل ما يؤذيه، أو يجرحه.

والرَّجل وقت الغَيرة فِي قمة الغضب، وشدة غليان قلبه على ما يحدث لزوجه.
والمرأة فِي قمة السَّعادة لما ترى من غَيرته، وإن كانت تخفِي سعادتها فلا يظهر لها أثر على وجهها الذي يمثل الخوف، فإن قلبها يمتلئ فرحًا بما ترى.
هذه السعادة التي تشعر بها المرأة فِي حال غيرة زوجها عليها، فقدتها المرأة فِي زمن موسى بسبب ظلم فرعون وإذلاله لزوجها.

وهذا هو النوع الرابع من العذاب الذي تمر به المرأة فِي زمن فرعون، وهو إذلال زوجها وإهانته وكسره، بما وضع فرعون من قوانين عليهم تهينهم، وتربيهم على الذُّل والخنوع وفقدان الرجولة، فلا يملك هذا الرَّجل أن يدافع عن زوجته، ولا عن مولودها، بل هو مستسلم لقرار فرعون بقتل الذكور من بني إسرائيل، فلا يحرك ساكنًا من أجله، ولا يدافع عن عرضه، ولا يرد عنها أيَّ نوع من أنواع العذاب الذي تسلَّط به فرعون على نساء بني إسرائيل.

ولم يقف الأمر عند هذا الحدِّ، بل إنَّ فرعون استخدم رجال بني إسرائيل فِي الأعمال الشاقة مع إذلالهم وتعذيبهم، حتى أصبحت شخصية غالب رجال بني إسرائيل فِي ذلك الزمان شخصية ضعيفة أمام طغيان فرعون وهامان وجنودهما.

و«‌هامان» ((‌هو اليد العاملة لفرعون، فيما يشاء. وقد يكون وزيرًا لفرعون، أو مستشارًا له، أو كبير جنده. وهو الذي دعاه فرعون إلى أن يبنى له صرحًا يطلع منه إلى إله موسى)). (التفسير القرآني للقرآن 10/ 310)
وهذه عادة الطغاة فِي الأرض، صناعة شخصيات ومناصب تعينهم على الطغيان. وهذا ما فعله فرعون، فجعل هامان وزيرًا له يُنفِّذ أوامره، ويبطش بالنَّاس.
وعادة ما يزيد طغيان أمثال هؤلاء الذين هم أعوان الظلمة لشعورهم أنَّ لهم سندًا يستمدون قوتهم منه، ويبطشون باسمه، وإن لم يأمرهم. ولو علم لن يخذلهم لأنه يريد البطش بالنَّاس ويعجبه ذلك.

فاجتمع على نساء بني إسرائيل بطش فرعون وهامان، من جهة، وضعف شخصية رجالهنَّ من جهة أخرى، فلا حماية لهنَّ، ولا صيانة لعرضهنَّ، ولا رحمة لمواليدهنَّ.
وهذا التعذيب والإذلال بأنواعه المختلفة كان قبل ولادة موسى عليه السلام.

فجاءت البشارة من الله لبني إسرائيل قبل ولادة موسى عليه السلام برفع الظلم عنهم، وإذلال عدوهم، فقال عَزَّ وَجَلَّ مبينًا قدره فِي إنهاء هذه المعاناة التي كانت تمرُّ بها المرأة: ﴿طسم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 1-6]

قال ابن جرير الطبري رحمه الله: ((ومعنى الكلامِ: إن فرعونَ علا فِي الأرضِ، وجعَل أهلَها من بني إسرائيلَ فِرَقًا، يَسْتَضْعِفُ طائفةً منهم، ونحن نُرِيدُ أن نَمُنَّ على الذين استَضْعَفهم فرعونُ فِي الأرضِ من بنى إسرائيلَ، ونَجْعَلَهم أئمةً)). (تفسير الطبري 18/ 152)

وقال القشيري رحمه الله: ((نريد أن نمنَّ على المستضعفين بالخلاص من أيديهم، وأن نجعلهم أئمة، بهم يهتدى الخلق، ومنهم يتعلم النَّاس سلوك طريق الصدق، ونبارك فِي أعمارهم، فيصيرون وارثين لأعمار من يناويهم، وتصير إليهم مساكنهم ومنازلهم فهم هداة وأعلام، وسادة وقادة بهم يُقتدى وبنورهم يُهتدى، ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ نزيل عنهم الخوف، ونرزقهم البسطة والاقتدار، ونمدُّ لهم فِي الأجل. ونُري فرعون وهامان وقومهما ما كانوا يحذرون من زوال ملكهم على أيديهم وأنَّ الحقَّ يُعطى وإن كان عند الخلق أنّه يُبطي)). (لطائف الإشارات 3/ 54)

وقال ابن كثير رحمه الله: ((وقوله تعالى: ﴿يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ﴾ يعني بني إسرائيل، وكانوا فِي ذلك الوقت خيار أهل زمانهم، هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبَّار العتيد يستعملهم فِي أخس الأعمال، ويكدهم ليلًا ونهارًا فِي أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم ويستحيي نساءهم، إهانة لهم واحتقارًا وخوفًا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه أن يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه)).

وقال أيضًا: ((أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب، بل نفذ حكمه وجرى قلمه فِي القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفًا من الولدان، إنَّما منشؤه ومرباه على فراشك وفِي دارك، وغذاؤه من طعامك وأنت تربيه وتدلـله وتتفداه، وحتفُك وهلاكُك وهلاكُ جنودِك على يديه، لتعلم أن ربَّ السموات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال، الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن)). (تفسير ابن كثير 6/ 198)

ومثل هذه البشارة التي نالها بنو إسرائيل، بشرنا الله بها فِي قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55] قال ابن كثير رحمه: ((هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنَّه سيجعل أُمَّته خلفاء الأرض، أي أئمة النَّاس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد. وليُبدِّلنَّهم من بعد خوفهم من النَّاس أمنًا وحُكمًا فيهم)). (تفسير ابن كثير 6/ 70)

فأبشري أختي الكريمة بنصر الله، ورفع معاناتك وتبديلها مهما كان الطغيان، ومهما فعل الطواغيت، فأمر الله نافذ بعلوِّ هذا الدين، ونصرة أهله، جعلنا الله ممن ينصرون دينه.

��إذلال فرعون للنساء في زمن موسى_4�

إقرأ أيضا: ردّ مرابط فلسطينيّ علی عثمان الخميس!

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى