مقالاتمقالات المنتدى

معاناة المرأة في زمن موسى (١١)

إنَّ وعد الله حقٌّ

معاناة المرأة في زمن موسى (١١)
إنَّ وعد الله حقٌّ

بقلم د. عادل حسن يوسف الحمد( خاص بالمنتدى)

وعدنا الله عَزَّ وَجَلَّ في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة، وأخبرنا جلَّ في عُلاه بأن وعدَه حقٌّ وأنه لا يُخلف الميعاد، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) [فاطر: 5].
وقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ) [الرعد: 31].
وقال عزَّ وجلَّ: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) [الزمر: 20].
وقال سبحانه: (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) [النساء: 122].
ولكن الإشكال الحقيقي هو في جهلنا بالله، وضعف إيماننا ويقيننا بوعد الله، كما قال تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 6].

وإذا طال زمن الابتلاء، وبلغت القلوب الحناجر، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، وهجم اليأس على القلوب، هنا يعرف المسلم حقيقة إيمانه ويقينه بوعد الله، قال تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 10-12].
وقال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214].

وقال سبحانه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف: 110].
هنا يحصل التمحيص، ليعلم الناس حقيقة إيمانهم وإيمان من حولهم، (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) [الأنفال: 42]، فيتميز المؤمن بإيمانه، والمنافق بشكِّه وعدم تصديقه بوعد الله، وهذه فائدة الشدة التي تصيب المسلمين.
قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22].

فمن عرف حقيقة إيمانه ومدى تصديقه بوعد الله في حياته، واستثمرها في تصحيح مساره إلى الله والدار الآخرة، فاز.
ومن أهمل هذه الآيات التي تمرُّ به في دنياه لتعرفه حقيقة نفسه، خسر خسرانًا مبينًا.
ومن رحمة الله بنا أن قصَّ علينا قصص السابقين لنعتبر بها، ولنعلم أن وعد الله حقٌّ.
قال الله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود: 120]].

ومن هذه القصص قِصَّةُ أُمِّ موسى، فقد وعدها الله عزَّ وجلَّ بقوله: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7]، وصدق الله وعده، (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 13].

قال ابنُ كَثِير رَحِمَهُ الله: (وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الشِّدَّةِ وَالْفَرَجِ إِلَّا الْقَلِيلُ؛ يَوْمٌ وليلة أو نحوه، والله أعلم، فسبحان من بيده الْأَمْرُ، مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، الَّذِي يَجْعَلُ لِمَنِ اتَّقَاهُ بَعْدَ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَبَعْدَ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَلِهَذَا قال تعالى: (فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) أَيْ بِهِ (وَلا تَحْزَنَ) أَيْ عَلَيْهِ (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) أَيْ فِيمَا وَعَدَهَا مِنْ رَدِّهِ إِلَيْهَا وَجَعْلِهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَحِينَئِذٍ تَحَقَّقَتْ بِرَدِّهِ إِلَيْهَا أَنَّهُ كَائِنٌ مِنْهُ رَسُولٌ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَعَامَلَتْهُ فِي تَرْبِيَتِهِ ما ينبغي له طبعًا وشرعًا). (تفسير ابن كثير 6/202).

وقال السَّعْدِي رَحِمَهُ الله: ((فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ) كما وعدناها بذلك (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ) بحيث إنه تربى عندها عَلَى وجه تكون فيه آمنة مطمئنة، تفرح به، وتأخذ الأجرة الكثيرة عَلَى ذلك، (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ) فأريناها بعض ما وعدناها به عيانًا، ليطمئن بذلك قلبها، ويزداد إيمانها، ولتعلم أنه سيحصل وعد الله فِي حفظه ورسالته). (تفسير السعدي 613).

فوعدها بردِّه إليها، وقد حصل ذلك أمامها في فترة قصيرة، ووعدها بجعله من المرسلين، وهذا يحتاج إلى زمن طويل، قد تدركه أُمُّ موسى وقد لا تدركه، ولكنها تؤمن بتحقُّقه، كما تحقَّق الوعد الأول بردِّه إليها.
وهذا يعني أنه لا يلزم أن يتحقَّق ما وعدنا الله به في حياتنا، ولكننا نؤمن أن الله سيُحقِّق وعدَه.
وقد وعدنا الله عزَّ وجلَّ بأمور تتحقَّق لنا في الدنيا، وأمور تتحقَّق في الآخرة، فما كان منها في الآخرة نؤمن به، ولكننا لن نراه في الدنيا، وهو من الوعد الحقِّ.

وأما ما كان في الدنيا فإما أن نراه في حياتنا، أو نموت قبل تحقُّقه، ولكننا كذلك نؤمن به، وهو من الوعد الحقِّ.
ومثال ذلك: الاستخلاف في الأرض.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور: 55].
فهذا وعد من الله عزَّ وجلَّ بتمكين المؤمنين في الأرض، وبتغير أحوالهم من الخوف من طغيان السلاطين وملاحقتهم، إلى الأمن الذي يجعلهم يعبدون الله وحده، ويطبقون في الأرض شرعه المطهر.

وهذا الوعد يحتاج منا إلى صبر ويقين، قال تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) [الروم: 60].
قال السعدي رحمه الله: ((وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) أي: قد ضعف إيمانهم وقَلَّ يقينهم؛ فخفَّت لذلك أحلامهم وقَلَّ صبرهم، فإيَّاك أن يستخفَّك هؤلاء؛ فإنك إن لم تجعلهم منك على بال وتحذر منهم وإلا استخفُّوك وحملوك على عدم الثبات على الأوامر والنواهي). (تفسير السعدي 646).

فالعبرة الرئيسة من قصة أُمِّ موسى هو ما قاله الله عزَّ وجلَّ: (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 13].
قال السَّعْدِي رَحِمَهُ الله: ((وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فإذا رأوا السَّبَب متشوشًا، شوش ذلك إيمانهم، لعدم علمهم الكامل، أن الله تعالى يجعل المحن الشاقة والعقبات الشاقة، بين يدي الأمور العالية والمطالب الفاضلة). (تفسير السعدي 613).

ولعلي أختم هذه الحلقة ببعض الأسئلة التي تحتاج منكِ أختي الكريمة إلى تأمُّل وتفكُّر:
ما المسائل التي وعدكِ الله بها بصفتك امرأة في كتابه أو على لسان رسوله؟
وعد الله برزق كلِّ مولود يُولد وبرزق والديه، فما مدى تصديقكِ بهذا الوعد؟ وما أثره على قضية الحمل عندكِ؟
وعد الله برزق الخاطب الفقير إذا تقدَّم لخطبتكِ، أو خطبة ابنتكِ، فما مدى تصديقكِ بهذا الوعد؟ وما أثر ذلك على قَبوله أو ردِّه؟

11 رمضان 1446هـ

��إن وعد الله حق_11�

إقرأ أيضا:الرد على الشيخ عثمان الخميس(٩)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى