مقالاتمقالات مختارة

معاناة العراقيين بين فساد الطبقة السياسية والمراهقة السياسية لمقتدى الصدر

معاناة العراقيين بين فساد الطبقة السياسية والمراهقة السياسية لمقتدى الصدر

بقلم فهد السالم صقر

في الأول من أكتوبر 2019 إنتفض العراقيون ضد الظلم والفساد وسرقة أموالهم بعد أن فقدوا كل أمل من الطبقة اللصوصية ( وليس السياسية) الجاثمة على صدورهم منذ الغزو الأنجلو أمريكي عام 2003. وهذة ليست الإنتفاضة الأولى للمطالبة بالإصلاح وكبح الفساد ولن تكون الأخيرة ، مع أنني على يقين بأن أي إصلاح حقيقي ملموس في العراق يجب أن يبدأ ولا ينتهي في كنس كل رموز الخيانة والسرقة وبيع الذمة والضمير في المنطقة الخضراء، جميعهم دون إستثناء. ولكن لأجل النقاش الأكاديمي فقط ولأوضح فكرة المقال فقط، فأنني سأفترض أن هناك عملية سياسية جارية في العراق فعلا،  ولكن يشوبها الفساد وعدم الإنضباط.   وأن  هذة العملية تحتوي على تدافع طبيعي وصراعات مراكزقوى  لا تخلو من بعض عناصر الخير والإصلاح، أقول دعوني أفترض.

لا أريد الخوض في شرعية إنتخابات  2018 نفسها ولا التي قبلها ولا التي قبلها التي أعادت تدوير نفس الوجوه وأفرزت نفس الشخوص منذ  مجلس حكم بريمر سيئ الذكر، رغم تحفظاتي القوية على مصداقيتها وشرعيتها ونزاهتها في الأساس فكل ما بني على باطل فهو باطل.  سأقفز فورا إلى نتيجة هذة الإنتخابات الأخيرة وأتعامل معها كمحلل محايد وآخذها على علاتها كأمر مسلم به، لكي أصل إلى النقطة الرئيسية التي أريد طرحها، ألا وهي السلوك السياسي الغريب  العجيب لرجل الدين مقتدى الصدر.

حسب ما تمخضت عنه نتائج إنتخابات 2018 حصلت الكتلة الصدرية بزعامة السيد مقتدى الصدرعلى أكبر عدد من المقاعد في البرلمان ( 54 مقعدا)  ثم حصلت الكتلة التي تليها على 48 مقعدا ثم التي تليها على 42 مقعدا وهكذا دواليك في برلمان صمم ليكون مشرذما مكونا من حوالي عشرة كتل ( إقرأ عشرة دكاكين) لكي يسهل إنقياده.  ولكن على ما يبدو أن السفارات التي أشرفت على هذة الإنتخابات لعبت أوراقها هذة المرة  بذكاء فأعطت كل ” أمير حرب” جزءا من الكعكة ، و إستبقت الأحداث ومنحت المركز الأول للكتلة الصدرية إرضاءا لهم و لضمان الهدوء و الإستمرارية،  بحكم أنهم الأعلى صوتا بين المعارضين للعملية السياسية السابقة. وذلك لإستكمال حرق ما تبقى من العراق وتمزيقه وتنشيف ضرعه من قبل المحتلين وعملاؤهم  دون شوشرة . أغلب الظن أنه قد تم “تفويز” الحركة الصدرية من باب ( If you cannot beat them join them) أو بالعربي،  اللي ما بتقدر عليه إنضم له أو ضمه لك، لافرق.

حسنا،  لنفترض جدلا أن إنتخابات  2018 كانت نزيهة ولم يتم التلاعب بها ( وهندسة)  نتائجها. فما هو المتوقع منطقيا أن يحدث حسب العرف السياسي وحسب منطق الأشياء بناءا على التنائج التي تمخضت عنه هذة الإنتخابات ؟ كان هناك ثلاث خيارات مطروحة أمام التكتل الصدري بعد تصدره المركز الأول.  أولا، أن يتم تسمية رئيس وزراء من داخل التيار وتكليفه بالتشاور مع بقية الكتل لتشكيل حكومة- تقوم بتنفيذ برنامج إصلاح-  أو ، ثانيا، أن يتم تسمية شخصية مستقلة مقربة من التيار لتشكيل الحكومة مع إصرار الصدريين في كلا الحالتين على عدد من الحقائب الوزارية المهمة، خدمية وسيادية،  لخدمة جمهورهم وتمكنهم من تنفيذ برنامج مكافحة الفساد والإصلاح الذين ينادون به ليلا نهارا من داخل الحكومة.  الخيار الثالث، وهو أن يتم تشكيل حكومة من قبل كتلة أخرى ويكون للتيار الصدري نصيب الأسد في حقائبها الوزارية ونوع من الفيتو ( حق النقض) على قرارتها بحكم موقعه ككتلة أولى في البرلمان وشريك أساسي في الحكومة. وفي كل الأحوال، هذة فرصة ذهبية أتيحت ليقوم التيار الصدري بممارسة مسؤولياته وحقه في السلطة السياسية والقرارات الحكومية ومحاربة الفساد والفاسدين، ليس من الشارع هذة المرة، بل من داخل الحكومة.

الغريب العجيب أن شيئا مما ذكر لم يحدث وقام السيد مقتدى الصدر بالإعلان أن أحدا من أعضاء تياره لن يشارك في الحكومة ، وقام بدلا من ذلك بوضع سلسلة من االشروط المبهمة العامة كضرورة تشكيل حكومة لا تعتمد على المحاصصة وتكافح الفساد وتسعى للإصلاح وما إلى ذلك من شروط غريبة وحمالة أوجه، ولا يعدو كونها تمنيات. هذا الإعلان بعدم المشاركة في الحكومة قد فهمه البعض على أن العمل الحكومي أو الوزاري نجس ورجس من عمل الشيطان لا يريد مقتدى الصدر أن يلوث يديه فيه، أو ربما أن الصدر في قرارة نفسه غير مقتنع بإمكانية إعادة تأهيل هذه العملية السياسية برمتها،  وأنه فقط يتسلى بالمشاركة فيها ، ولا يريد أن يحرق نفسه سياسيا وأنه قد تفاجأ بالنتيجة كما تفاجأت حركة حماس في فلسطين عام 2005. و هناك تفسير آخر، وهو أن رجل الدين السيد مقتدى الصدر لا يفقه بألف باء السياسة وليست مجاله أو تخصصه فهو رجل معمم وشخص متقلب طارئ على السياسة وإنما أقحم في العمل السياسي إقحاما بحكم إرثه العائلي والتاريخي بين شيعة العراق، وربما هذا يفسرتقلباته وإرتكابه  الخطأ تلو الخطأ وإتخاذه لقرارات غير موزونة وغير مدروسة لا يلبث أن يتراجع عنها،  إما نتيجة لضغوطات من هذة الجهة أو تلك أو تهديدات أو ما إلى ذلك،  و تارة يطلق تصريحات نارية لاتنم عن خبرة سياسية أو حصافة ثم لا يلبث أن يستدير عليها ب 180  درجة، أو يتراجع عن قراراته وهذا  هو ديدنه منذ بداية الغزو الأمريكي والإحتلال وحتى الآن.  تارة مع وتارة ضد هذه الجهة أو تلك فلا يكاد الرجل يرسى على بر.

في الأسبوع الجاري أي قبل ثلاثة أيام سمعنا أن التيار الصدري جمد عضويته في البرلمان وأنهم أي الصدريين لن يعودوا إلى البرلمان حتى تقوم الحكومة بتحقيق مطالب الشعب في الإصلاح ومحاربة الفساد..!! أي جنون وأي مراهقة سياسية هذه؟ أهكذا تورد الإبل يا مقتدى الصدر. هل الحل هو الحرد كما تحرد المرأة من بيت زوجها . إن الخيارات المطروحة أمام حكومة عادل عبدالمهدي، (وهي بالمناسبة حكومة لا حول لها ولاقوة)،  كلها خيارات غير قابلة للتطبيق وغير منطقية لسبب بسيط، هو أنه  أولا،  لا يوجد سلطة حقيقية بيد هذة الحكومة لعمل أي إصلاح،  وثانيا لا يوجد إرادة سياسية ولا نوايا حسنة عندها لأن فاقد الشي لا يعطيه. ولا هدف لها سوى كسب الوقت وإطالة عمرها لأطول فترة ممكنة، لعل وعسى أن يمًل الشعب من التظاهر والإحتجاج وتعود الأمور إلى طبيعتها وتعود حليمة لعادتها القديمة.

من أغرب الأمور أن يأتي زعيم أكبر كتلة في البرلمان ويطالب بإستقالة الحكومة وحل البرلمان وإجراء إنتخابات مبكرة بإشراف أممي… أتفهم لو جاء هذا الطلب من ثاني أو ثالث أكبر كتلة في البرلمان ، ولكن أن يأتي من صاحب أكبر كتلة فهذا من غرائب وعجائب السياسة. فماذا عساها الإنتخابات المبكرة أن تفعل يا مقتدى الصدر، غير إعادة تدوير نفس الوجوه ونفس الكتل مع بعض الفوارق الطفيفة. غريب جدا أن يأتي هذا المطلب بينما العراقيون يقتلون قنصا بالمئات في الشوارع من قبل ميليشيات طائفية تابعة لإيران ويموت الناس جوعا وقتلا ومرضا ثم تأتي لتصف لهم ترفا ديمقراطيا، إنتخابات جديدة لن تقدم ولن تؤخر. إن أي إنتخابات جديدة ذات مصداقية يجريها العراق تحت إشراف أممي ستحتاج على الأقل من ثلاثة إلى ستة أشهر ما بين التحضيرلها وإجراءها….هل يملك العراق هذا الترف ، وهل هناك متسع لهذة الفترة من الوقت؟  هل الشعب العراقي الذي يإن تحت وطأة الجوع والعطش والبطالة سيصبر لحين إجراء إنتخابات جديدة يتبعها مفاوضات لتشكيل حكومة قد تستمر شهورا وربما سنين ؟ في أي كوكب يعيش مقتدى الصدر؟

إن مريض السرطان الذي يحتاج إلى بدأ العلاج الكيماوي فورا  وبدون تأخيرلإستئصال المرض لن يعيش لستة أشهر أو سنة لحين تنظيم وإجراء إنتخابات جديدة لأنه سيكون قد مات. وسؤال المئة مليون دولار هو : ماذا ستحقق إنتخابات جديدة تجرى في 2020 لم تحققه إنتخابات 2018، هل هناك فعلا جدية لدى مقتدى الصدر بهذا المطلب، وكيف يعتقد أنه سيقنع الشعب العراقي المنتفض بجدوى هكذا قرار؟ والأهم من ذلك، هل موافقة الحكومة على الإستقالة وحل البرلمان وإجراء إنتخابات جديدة سيعيد الشعب المنتتفض إلى بيته؟  ما يفعله مقتدى الصدر وما يطالب به هو محض طلبات نظرية أكاديمية  غير ناضجة لا ترقى إلى مستوى االأحداث ،ولا إلى مستوى الخطورة التي يمر بها العراق. فهو كمن يصف حبة أسبرين لمريض السرطان. أم أن المطلوب إجهاض الإنتفاضة والإلتفاف على الثورة بإلهاء الشعب بمسائل إجرائية لا تسمن ولا تغني من جوع،  ولو إفترضنا حسن النوايا ، نقول أن طلب  إنتخابات جديدة هو مطلب خاطئ وغير مجدي وعقيم. العراق لا يحتاج إلى إنتخابات جديدة، فقد جرب خمسة إنتخابات قبل ذلك، وماذا أتت به تلك الإنتخابات؟  هل أتت بالذيب من ذيله؟

ما هو المطلوب إذن؟

المطلوب ليس وضع العالم أمام مسؤولياته وليس وضع الأمم المتحدة ألتي لا تفعل غير التعبير عن القلق، أمام مسؤولياتها، بل وضع مقتدى الصدر نفسه  أمام مسؤولياته، وأن يشمر عن ذراعيه وبدلا من شتم وسب الفساد عليه أن يذهب هو بنفسه لقيادة الإبل.  كفى إستهتارا وإستهبالا بالمواطن العراقي؟ من يريد الإصلاح فليتقضل ويصلح ويطلب التوفيق من الله أولا، ثم من الشعب. الإصلاح ليس كلمة تقال، الإصلاح ممارسة وعمل وسياسات وأجندات تطبق على أرض الواقع. الإصلاح ليس تمنيات. من يريد الإصلاح يحتاج للسلطة ولأدواتها لتحقيق الإصلاح. إن وزيرا نزيها واحدا يستطيع أن يحقق أكثر بكثير مما تحققه مظاهرة مليونية يقودها مقتدى الصدر.  هل وصلت الرسالة؟

في ظل الأوضاع الحالية في العراق  الحل هو مرحلي،  أن يخرج مقتدى الصدر إلى الشعب العراقي والعالم ويعلن كزعيم أكبر كتلة في البرلمان أنه سحب ثقته من حكومة عادل عبد المهدي ويطالب إبستقالته فورا،  ويسمي  في نفس الوقت إسم رئيس وزراء جديد سواءا من داخل كتلته البرلمانية أو خارجها وتكليفه بالتشاور مع الكتل الأخرى لتشكيل حكومة جديدة لأستكمال ما تبقى من مدة هذا البرلمان وإعطاء رئيس الوزراء الجديد الوقت الكافي لتنفيذ برنامج إصلاحي شامل حقيقي يشرف عليه هو شخصيا، ويكون هو أي مقتدى الصدر مسؤولا أمام الله وأمام الشعب عن هذة الحكومة.  هذة هي الخطوة الأولى.  وهي البداية فقط . الخطوة الثانية، هو البدء فورا بإجراءات حقيقية للمحاسبة ومكافحة الفساد وتحسين ظروف المواطنين، وهذا يحتاج لأمرين، المال  والنية الحسنة، والمال موجود بكثرة والحمدلله في بلد يعوم على بحر من النفط. أوقفوا الهدر والسرقة والفساد وسيحدث الإصلاح وتتحسن الحياة لا محالة.  الموضوع ليس علم ذرة ، هل هذا الأمر صعب.

أما الصعود إلى البرج العاجي والمناداة من بعيد بواسطة مكبر للصوت ، يا حكومة أصلحي وتوقفي عن الفساد وإلا فأنني سوف أحرد وأزعل، فهذا ليس من الحصافة السياسية وليس من المسؤولية، وليس له سابقة في التاريخ. واكرر ليس له سابقة في التاريخ.  فإما أن تشمر عن ذراعك وتأخذ زمام الأمور بيدك وهذا من حقك وأنت تملك تفويض به من الشعب، بحكم الشعبية التي تتمتع بها  وحسن نوايا العراقيين تجاهك وتجاه أسرتك أولا، وبحكم عدد مقاعد كتلتك الأكبر في البرلمان،  وإما أن تصمت تماما،  هناك مثل إنجليزي شعبي يقال في مثل هذة الحالة: Shit or get off the Pot

تفضل يا مقتدى الصدر إنزل على الساحة أو ورجينا عرض أكتافك وبلاش كلاوات وضحك على لحى الشعب.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى