مدير وكالة بيت مال القدس للجزيرة نت: المغرب يتكفل بنسبة 87% من مساهمات الدول.. وبلد عربي لم يقدم ما عليه منذ 2011
أجرى الحوار سناء القويطي
منذ تأسيسها قبل 23 عاما، عملت وكالة بيت مال القدس الذراع الميداني للجنة القدس المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي على تنفيذ سياسات اللجنة في مجال العمل الإنساني والاجتماعي في القدس المحتلة.
في هذا الحوار مع الجزيرة نت، يتحدث الدكتور محمد سالم الشرقاوي، المدير المكلف بتسيير الوكالة عن جهود هذه الأخيرة في الحفاظ على هوية المدينة المقدسة الحضارية والتاريخية، ودعم صمود سكانها المرابطين في مواجهة سياسات الاحتلال.
ويرى الشرقاوي أن أهل القدس الفلسطينيين كما يحتاجون للحماية السياسية والقانونية، فإنهم يحتاجون كذلك للدعم المادي والمعنوي لمساعدتهم على الصمود في وجه التحديات المتزايدة التي يعيشونها يوميا.
ويشير إلى أن الوكالة تسعى لحيازة عقارات في القدس وتحويلها للمنفعة العامة لأهل المدينة المرابطين كلما توفرت لها الإمكانيات لذلك، داعيا الدول العربية والإسلامية إلى البناء على هذا النموذج.
وتاليا نص الحوار:
– تأسست وكالة بيت مال القدس الذراع الميدانية للجنة القدس التي يرأسها الملك محمد السادس عام 1998، فما هذه الوكالة وما مجالات تدخلها وأهم المشاريع التي تشرف عليها؟
كما تعلمون، فوكالة بيت مال القدس الشريف تابعة للجنة القدس، وهي بمثابة ذراعها الميدانية، يُعهد إليها بتنفيذ سياسات اللجنة في مجال العمل الإنساني والاجتماعي في المدينة المقدسة ودعم صمود أهلها المرابطين على أرضهم.
وهي بذلك مؤسسة إنسانية واجتماعية، راكمت تجارب مهمة على الأرض، وتستمد شخصيتها ومصداقيتها من الإشراف المباشر لجلالة الملك محمد السادس، ملك المملكة المغربية، رئيس لجنة القدس على عملها. وهو الذي كان قد حثها في رسالة ملكية إلى المدير العام السابق للوكالة في 29 يوليو/تموز 2008 على التركيز على العمل الاجتماعي الميداني الملموس، الذي يتلازم في الواقع، مع المسار السياسي والقانوني، الذي تضطلع فيه الدبلوماسية المغربية بدور مُقدر.
بحكم نظامها الأساسي، تعمل الوكالة في مجالات الإعمار والصحة والتعليم والثقافة والشباب والرياضة. وتولي عناية خاصة لبرامج المساعدة الاجتماعية للفئات المحتاجة وبرامج التنمية البشرية التي تهتم بالارتقاء بالفئات النشيطة، لا سيما مشاريع تمكين المرأة وبرامج الشباب والطفولة.
وبالأرقام، تستثمر الوكالة، منذ عام 2008، أزيد من مليوني دولار سنويا في برامج المساعدة الاجتماعية المباشرة، وتشمل على الخصوص مشروع “العيش الكريم”، ومشروع كفالة الأيتام، ثم برامج أخرى تتعلق بفئات المسنين والأشخاص في وضعية الإعاقة، فضلا عن برنامج المساعدات الغذائية في شهر رمضان وغيرها من العمليات، التي تساهم في تشغيل التجار والممونين وأصحاب المحلات.
وفي مجال الصحة، ساهمت الوكالة في تجهيز عدد من الأقسام الطبية في مستشفى جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وقامت بتجهيز أقسام الطب المخبري في مستشفى المطلع، وتدخلت لبناء وتجهيز عيادات طب الأسنان التابعة لجامعة القدس وأخرى بالمركز الصحي العربي، وقدمت دعما مهما لمستشفى العيون وللمستشفى الفرنسي.
أما في مجال التعليم، فإن الوكالة قامت ببناء 4 مدارس جديدة، وعملت على إصلاح وترميم 10 مدارس قائمة، وتخصص منحا للطلبة المتفوقين لمتابعة دراستهم في مجالات العلوم والطب والصيدلة، تزامنا مع الحاجة المتزايدة للأطر الصحية والتمريضية، وخصصت هذا العام منحا للامتياز، وأخرى لتمويل دراسات وبحوث متخصصة في تاريخ القدس وموروثها الحضاري، وذلك في إطار شراكة نوعية مع جامعة القدس.
– ما جهود الوكالة للحفاظ على التراث الديني والحضاري للقدس الشريف في ظل محاولات الاحتلال تغيير الحقائق على الأرض؟
نعم، يحظى هذا القطاع بأهمية خاصة في عمل الوكالة، ولها من البرامج والتصورات ما يساهم في حماية الموروث الثقافي والحضاري المتعدد بالمدينة.
ونحنُ في ذلك نبني على مبدأ أساسي يتمثل في أن الحفاظ على الطابع الخاص لمدينة القدس، هو مدخل مُهم لبناء الثقة بين ساكنيها بمختلف مرجعياتهم الدينية.
وعمليا، تدخلت الوكالة في مرحلة سابقة لترميم وتأهيل 7 مساجد بالبلدة القديمة، وتمكنت من اقتناء 4 عقارات و4 حقوق منفعة لأراض تم وقفها لفائدة دائرة الأوقاف الإسلامية لتحويلها لمدارس أو مرافق خدمية.
وعملت الوكالة على مشروع أرشيف البلدة القديمة، بالتعاون مع مؤسسة الأرشيف الوطني الفلسطيني، وجمعت عشرات الوثائق والصور والخرائط وضمتها لمكتبتها الوسائطية في الرباط، وتعمل كل سنة على إصدار عدد من البحوث والدراسات المتخصصة لإبراز التراث الديني والحضاري للمدينة المقدسة.
ويبقى بيت المغرب من أهم عقارات المدينة التي تمت حيازتها، وهو عبارة عن عقار تاريخي قديم في ممر الآلام بالبلدة القديمة، اقتنته الوكالة بتمويل كامل من المملكة المغربية بحوالي 5 ملايين دولار، تم ترميمه وتأهيله بالطابع المغربي بميزانية بلغت مليوني دولار، ويجري تحويله لمركز ثقافي يرسخ الحضور المغربي في القدس، ويعزز روابط التضامن المبدئي والثابت للمغاربة مع أشقائهم الفلسطينيين.
ونعتقد أن هذا النموذج يمكن للدول العربية والإسلامية البناء عليه لحيازة عقارات في القدس وتحويلها للمنفعة العامة لأهل المدينة المرابطين. وهو ما تسعى الوكالة للعمل عليه، كلما توفرت لها الإمكانيات المالية لذلك.
بيت المغرب من أهم عقارات المدينة التي تمت حيازتها، وهو عبارة عن عقار تاريخي قديم في ممر الآلام بالبلدة القديمة، اقتنته الوكالة بتمويل كامل من المملكة المغربية بحوالي 5 ملايين دولار، ويجري تحويله لمركز ثقافي يرسخ الحضور المغربي في القدس.
– يواجه المقدسيون بسبب عدم قدرتهم على تسديد ديونهم للدوائر الحكومية الإسرائيلية خطر وضع اليد على عقاراتهم وتجريدهم منها، فكيف تتدخل الوكالة لإسناد المقدسيين ودعمهم للصمود في منازلهم والحفاظ عليها؟
– في الحقيقة ليس بوسع الوكالة أن تعالج ملفات الديون المتعلقة بالعقارات وتراكم الضرائب وغيرها، لأنها ملفات صعبة ومعقدة. بيد أننا وقعنا منذ عام 2007 على اتفاق إطار للتعاون مع مجلس إسكان القدس لتدبير ملف آخر لا يقل أهمية يتعلق ببرنامج للقروض الدوارة موجه لإسكان الفقراء والمهمشين، ورصدت له الوكالة غلافا ماليا يناهز 5,3 ملايين دولار.
نحنُ نثق في جدية القائمين على المجلس من خلال التقارير السنوية التي تصلنا منهم عن أوجه صرف هذه القروض، ونأمل أن ترتفع بعض الإشكالات التنظيمية والإدارية لدعم هذا البرنامج المستمر وتوسيع قاعدة المستفيدين منه.
صلة بهذا الموضوع، أصدرت الوكالة قبل أسبوع كتابا جديدا ضمن منشوراتها برسم عام 2021، تضمن عددا من الدراسات حول العمارة والبُنيان في بيت المقدس: بين صورة الماضي وحاجيات الحاضر والمستقبل لمؤرخين وباحثين في الآثار من المغرب ومن فلسطين، للوقوف على مميزات العمارة في المدينة وخصوصيتها الهندسية وطابعها الفني والجمالي، ومقاربة التحديات المرتبطة بحماية هذا التراث المادي الإنساني والحفاظ عليه.
وقد خَلُصت الدراسات إلى أن المباني التاريخية التي تشكل النسيج العمراني للقدس القديمة لا تعتبر فقط شاهدا على التاريخ، بل تشكل معلما حضاريا وروحيا متفردا لجميع الأمم بما يميزها من معالم عمرانية تاريخية لا تزال قائمة، تدل على هوية المدينة ومركزها الديني والحضاري.
لذلك، تبقى الوكالة مقتنعة بأن أعمال الترميم والتأهيل التي يتعين أن تهم ما تبقى من عقارات في القدس القديمة، وعددها 4 آلاف عقار، تتوقف أولا على تعبئة التمويل لهذا المشروع المهم، والبناء على ما تحقق من قصص نجاح مهمة في هذا المجال إثر المجهود الذي قام به عدد من الهيئات الأهلية الفلسطينية لترميم المباني والعقارات في البلدة القديمة ومحيطها بتمويل من حكومات عربية وإسلامية وغربية، ومن عدد من المنظمات الدولية، ومنها وكالة بيت مال القدس.
وعُموما فإن وضعية المباني التاريخية بما فيها المسجد الأقصى وملحقاته ليست مُقلقة، بيد أن ما يقلق، في هذا الأمر، هو عمليات الحفر المُمنهجة وتقويض الأساسات، وتسريب العقارات، وتغيير معالم المدينة جراء سياسات الاحتلال المتواترة في هذا الشأن.
– ما هي تحديدا مصادر تمويل المشاريع والبرامج التي تشرف عليها الوكالة؟
تحدد المادة 16 من النظام الأساسي للوكالة أوجه وإمكانيات التمويل من المساهمات الإلزامية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بنسب تحددها الدول.
وقد كانت الهيئات التقريرية للوكالة وهي لجنة الوصاية والمجلس الإداري قد صادقت في اجتماعاتها الأخيرة في مراكش يومي 17 و18 يناير/كانون الثاني 2014 على الانتقال من صيغة “المساهمة الطوعية” لصيغة “المساهمة الإلزامية”، إلا أنه لم يتم تفعيل هذا الانتقال بعد.
كما تتشكل موارد التمويل أيضا من الإيرادات والعوائد الناتجة عن أصول الوكالة وممتلكاتها ومشاريعها ومساهماتها ومنتجاتها، إضافة إلى الهبات والتبرعات المقدمة من الهيئات العامة والخاصة، ومن الجمعيات الخيرية والجماعات والجاليات العربية والإسلامية والصديقة وكذلك من الشركات والأفراد، ومنذ إنشاء الوكالة عام 1998 إلى عام 2020، سجلنا ما مجموعه 33 مليون دولار في فئة تبرعات الأفراد والمؤسسات.
وتجمع هذه الموارد وغيرها في جميع البلدان، سواء كانت أعضاء أو غير أعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، ويجوز للمؤسسة أن تقتني أو تتسلم من أجل التملك أو الانتفاع أو التصرف، في كل مكان، كل الأصول المنقولة والثابتة التي من شأنها أن تساعد على تحقيق أهدافها المحددة وغاياتها المقررة.
تعود آخر مساهمة مالية توصلت بها الوكالة من أحد البلدان العربية إلى سنة 2011، ومنذ ذلك الحين، تستمر الوكالة في أداء واجبها بتمويلات تتحمل المملكة المغربية نصيبها الأكبر بنسبة 87% من مجموع مساهمات الدول
– يتم الحديث في عدة مناسبات عن عدم وفاء بعض دول التعاون الإسلامي بالتزاماتها المالية تجاه الوكالة، فإلى أي حد يعرقل نقص التمويل برامج الوكالة وعملها الميداني في القدس؟
تعود آخر مساهمة مالية توصلت بها الوكالة من أحد البلدان العربية إلى سنة 2011، ومنذ ذلك الحين، تستمر الوكالة في أداء واجبها بتمويلات تتحمل المملكة المغربية نصيبها الأكبر بنسبة 87% من مجموع مساهمات الدول.
لذلك تبقى نسبة الإنجاز السنوية المنتظمة للوكالة محصورة ما بين مليونين و3 ملايين دولار في السنة، بينما في سنة 2010 مثلا قاربنا 12 مليون دولار في سنة واحدة.
ونحن نتفهم، على كل حال، طبيعة التحولات التي تؤدي أحيانا بالبلدان إلى إعادة النظر في أولوياتها، لا سيما بعد موجات التغيير التي شهدتها بعضها بعد الربيع العربي.
ونحنُ متأكدون أن قضية القدس ستعود إلى الواجهة من جديد، لأن المدينة المقدسة، بخصوصيتها ورمزيتها، تشكل المدخل الأساسي لوضع حد لصراع الإرادات، الذي يرهن مستقبل المنطقة والعالم برمته.
وكما يحتاج أهل القدس للحماية السياسية والقانونية، وهي مسؤولية المجتمع الدولي والهيئات الدولية والعربية والإسلامية ذات الاختصاص، فإنهم يحتاجون كذلك للدعم المادي والمعنوي لمساعدتهم على الصمود في وجه التحديات المتزايدة التي يعيشونها يوميا، وتتأثر بها أجيالهم، على المستويين المادي والنفسي.
لذلك، فإننا لا نفقد الأمل في أن تلتفت البلدان العربية والإسلامية لمؤسستنا وتعمل على الوفاء بالالتزامات التي قطعتها على نفسها لتمويل مشاريعها وبرامجها في القدس، باعتبار الوكالة تبقى هي الأداة المثلى لتنسيق الدعم العربي والإسلامي الموجه للقدس.
– بالتوازي مع العمل الميداني داخل القدس الشريف، هل تشتغلون على برامج في الدول العربية والإسلامية للتعريف بواقع مدينة القدس وموقعها الحضاري والمخاطر التي تتعرض لها؟
قامت الوكالة في السنوات الماضية بجهود حثيثة للتعريف بأنشطتها وببرامجها وكذا بالتحديات التي يواجهها عملها في القدس لدى عدد من البلدان العربية والإسلامية، سواء من خلال زيارات قام بها المدير العام السابق إلى عدد من المسؤولين بهذه البلدان، أو من خلال الملتقيات والمنتديات التي يشارك فيها ممثلون عن المؤسسة، كان آخرها الملتقى الإسلامي التاسع لمنطقة الأعمال والتجارة البينية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، الذي انعقد في سبتمبر/أيلول 2019 في العاصمة الماليزية كوالالمبور.
كما راسلت الوكالة عددا من المؤسسات والهيئات الخيرية وصناديق الائتمان في بعض البلدان المقتدرة، واقترحت على بنك التنمية الإسلامي تمويل بعض مشاريعها بشكل كامل أو بشكل مشترك، ووضعت قائمة بأسماء الشركات والمقاولات ورجال الأعمال، إلا أن الاستجابة كانت محدودة للأسف مع حجم الحاجيات المعبر عنها، لأن طبيعة القوانين المطبقة في غالبية هذه البلدان لا تسمح لهيئات أجنبية بجمع التبرعات أو تنظيم حملات لهذا الغرض على أراضيها.
وفي الفترة المقبلة، سيكون على الوكالة التفكير في مبادرات مبتكرة للتواصل مستفيدة من آثار جائحة “كوفيد-19″، الذي عزز مكانة التواصل الرقمي، ومنح مساحة أكبر لحضور المؤسسة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعتبر منصة مهمة للتعريف بالوكالة وبعملها وتنشيط خدمة التبرع عن طريق موقعها الإلكتروني.