مقالاتمقالات مختارة

مدى خطورة الاقتحامات المستمرة للمسجد القصى المبارك

مدى خطورة الاقتحامات المستمرة للمسجد القصى المبارك

بقلم الشيخ د. تيسير التميمي

تتزايد في كل يوم تطلع فيه الشمس اقتحامات المستوطنين والجماعات اليهودية والشخصيات السياسية في الكيان الغاصب للمسجد الأقصى المبارك بأعداد كبيرة ومحمية عسكرياً ومدعومة حكومياً ، وتتسارع إجراءات تهويده والهيمنة عليه بكل الصور والوسائل ، وفي ذات الوقت تشهد أبواب المسجد الأقصى المبارك والحواجز المنصوبة على مداخل مدينة القدس منع المصلين المسلمين دخوله والصلاة فيه حتى لمن تجاوز الأعمار التي يفرضها الاحتلال ، مما يؤكد للقاصي والداني أن الأخطار المحدقة به وبالمدينة المقدسة جديّة وليست مجرد تخوّفات أو تكهّنات .

     إنه جنونٌ احتلالي مشهود يستهدف القدس والمسجد الأقصى المبارك تتصاعد وتيرته لتحقيق الحلم الأسطوري العنصري ؛ والذي تمثل الإجراءات الاحتلالية الإسرائيلية المتلاحقة فيهما إحدى حلقات مسلسله الشيطاني ، مستغلة انشغال الأمة بمشاكلها المفتعلة ، وبعجزها الذي تم الترتيب له قصداً ، وباستقطاب بعض أبناء جلدتنا لتمرير صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية ، فالمسجد الأقصى المبارك يتعرض لمحاولات متنوعة ومستمرة بدءاً بمحاولة تقسيمه ووصولاً إلى تهديمه لبناء الهيكل المزعوم مكانه بفرض الأمر الواقع بحيث يصبح وجود المستوطنين والجماعات اليهودية وغيرهم من الصهاينة في المسجد القصى المبارك وفي ساحاته أمراً معتاداً وجزءاً من مشهده ومشهد مدينة القدس المحتلة .

     وهنا نقول لهم : في الماضي ؛ وقبل قرون خضعت مدينة القدس المباركة لاحتلال الفرنجة ، فاتخذوا من المسجد الأقصى المبارك اصطبلاً لخيولهم ، فكان هذا أمراً واقعاً فرضته القوة الغاشمة وأصبح جزءاً من المشهد اليومي لمدينة القدس ، واستمر هذا الحال عقوداً وعقوداً ، ولكن إلى متى ؟

     لقد نهضت الأمة التي كادت أن تفقد كرامتها وعزها بضياع القدس والمسرى ، ونفضت غبار الذل والضعف والعجز عن نواصيها ، وبدأت بالعمل الدؤوب في خطة شملت أبناءها بمختلف شرائحهم وبالأخص في المدارس ، وضعت الأسس والقواعد للنهوض والتحرير ، فاستغرقت هذه الهمة والصحوة سنوات وسنوات ؛ لكنها نجحت بفضل الله ثم بفضل مجموعة من القادة المخلصين استلموا الراية عن بعضهم تِباعاً واحداً تلو الآخر حتى حققوا الهدف المنشود وهو تحرير القدس وتطهير المسجد الأقصى المبارك نهائياً من دنس الغاصبين ، فعادت لهما الهوية الحقيقية الثابتة ، وهي انتماؤهما لأمة النبي الخاتم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

     ومعلوم أن السنن الكونية والتاريخية والبشرية تتكرر وتتجدد كلما تجددت مقدماتها ، فستنهض أمتنا حتماً وستعيد لمدينتها المقدسة ولمسجدها الأقصى المبارك هويتهما العربية والإسلامية ، فهذا ما عهدناه منها كلما تعرضت القدس والمسرى للأسر والغزو والعدوان . فعلى سلطات الاحتلال الإسرائيلية أن تستذكر ما جرى في شهر يوليو من عام 2017 حيث أفشل المقدسيون محاولتها زرع البوابات الإلكترونية على مداخل المسجد الأقصى المبارك ، وأن تستذكر أيضاً ما جرى قبل أيام حيث حطم المقدسيون أغلال وقيود باب الرحمة الذي أغلقته ، وما جرى فيه أمس أيضاً ، فهي رسالة عظمى لها وللمجتمع الدولي بأن المسجد الأقصى المبارك خط أحمر فعلاً لا قولاً فقط ، وبأن صفقة القرن لن تمر .

     لذا فإنني أدعو كافة الشعوب العربية والإسلامية التي ثارت على الظلم والقهر والاستبداد في عديد من الدول العربية إلى مؤازرة الشعب الفلسطيني في رفض المساس العلني والاقتحام اليومي للمسجد الأقصى المبارك ، وإلى إعلان تمسكها بهويته الإسلاميتة بكل مبانيه ومساحاته ومكوناته ، فهو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ، مسرى نبيها محمد صلى الله عليه وسلم ورمز عقيدتها وعزتها وكرامتها ، وأن لا تترك الفلسطينيين وحدهم في ميدان الدفاع عنه .

     ولْتعلم الأمة أن مواصلة الجماعات اليهودية المتطرفة اقتحام المسجد الأقصى المبارك يرمي إلى رصد ردود فعل أبنائها تجاه انتهاكها حرمته ، واختباراً لمواقفهم إزاء استمرار المخططات العديدة والمتنوعة لتهويده والهيمنة عليه ، ومن ثم تقويض بنيانه من القواعد وإقامة الهيكل المزعوم على أنقاضه ، مما يقتضيها الاضطلاع بمسؤولياتها في حمايته والقيام بأوجب واجباتها في التصدي للمؤامرات الخبيثة التي تحاك ضده ودرء الأخطار التي تتهدده .

     وأناشد أبناء شعبنا في كافة مواقعهم وبالأخص المقدسيين منهم وأهلنا في الأرض المحتلة عام ثمانية وأربعين أيضاً أن يشدوا الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك للصلاة فيه وأن يكثفوا حضورهم الدائم فيه للذود عنه والتصدي للمخططات التي تستهدف هويته الإسلامية ، فالقدس والمسجد الأقصى المبارك هما بؤرة الصراع المركزية الحقيقية بين المشروع الصهيوني والأمة الإسلامية بأسرها .

     وأستهجن في الوقت ذاته ـ كما يستهجن جميع أحرار العالم وشرفاؤه وعقلاؤه ـ صمت العالم على ما يجري فيهما من عدوان وانتهاكات من قبل المستوطنين الغاصبين والجماعات اليهودية المتطرفة المدعومة بالكامل من الحكومة الإسرائيلية وأذرعها العسكرية المتعددة ، فهي برهان عملي قاطع ودليل دامغ على إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه ضد الفلسطينيين ومقدساتهم على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي يفترض أن يتحمل المسؤولية الكاملة عن أمن وسلامة الشعب الفلسطيني ؛ وبالأخص هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي .

     وقبل كل ذلك أطلب من الأمتين العربية والإسلامية التي انتفضت شعوبها وأسقطت أنظمتها الظالمة أن تضع قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك على رأس سلم أولوياتها ، وأن تبقيها حاضرة في قلوب أبنائها وضمائرهم ، فارتباطهم بهما لم يكن ارتباطاً عاطفياً عفوياً ولا مرحلياً مؤقتًا في يوم من الأيام ، وإنما هو ارتباط عقائدي راسخ رسوخ الإيمان لأن الله تعالى قرره من فوق سبع سماوات فقال سبحانه { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَى ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ } الإسراء 1  لذا فقد أصبح اليوم لزاماً عليهم كافة أن يعملوا بجدية كاملة لإفشال هذه السياسة الإجرامية بحقهما .

(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى