مدرسة الشيخ أحمد ياسين التنظيمية والسياسية
بقلم سري سمور
بعد الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين انحلت عدة عقد وفتحت أبواب مغلقة، داخليا وخارجيا، وذلك في ظروف بالغة التعقيد، وفي زمن أعلن الأمريكان سيادة القطب الواحد على العالم بلا منازع، مع دعمهم إسرائيل بوقاحة، لدرجة أن طاقم بيل كلينتون كانوا من اليهود الصهاينة، بمن فيهم أولئك المكلفون بالعمل على (تحقيق السلام) بين الكيان والفلسطينيين، فخرج الشيخ ليضع النقاط على الحروف.
حسبما أفاد (أبو حسن شمعة) فإن محاولات بناء تنظيم جديد في الداخل لم يكتب لها النجاح، وحين خرج الشيخ استمع لإخوانه جماعات وفرادى، حتى تبلور لديه تصوّر إعادة بناء التنظيم من جديد، كون الشيخ شخصية محل إجماع. هذا في وقت برز وظهر فيه تنظيم الخارج برئاسة خالد مشعل لاعتبارات موضوعية عدة؛ منها تحكم الخارج بالتمويل، وحرية الحركة لقادته نسبيا، وشبكة العلاقات الإقليمية والدولية والشخصية لهم، ويبدو بأن التنظيم الذي نجح الشيخ في إعادة بنائه حقق التوازن المطلوب خاصة أنه مكث فترة في الخارج قريبا من القادة هناك.
وعلى صعيد (حزب الخلاص الوطني الإسلامي) فقد أعطى الشيخ الضوء الأخضر لبعض قادة حماس للعمل داخل هذا الحزب الذي خرج من رحم حماس في ظل خلافات حادة حول فائدة العمل السياسي والحزبي المحض، ومدى الانخراط فيه، فحسم الشيخ المسألة بألا يطغى الحزب الجديد على الحركة، واتخذ كل التدابير ألا يحل الحزب مكانها، وأنه ليس بديلها. وسيتبين (للمتحمسين) من قادة حماس لفكرة حزب الخلاص أن العمل السياسي والنشاط الحزبي قبل استكمال مسيرة التحرر هو مضيعة للوقت والجهد؛ فحركات التحرر حين تتحول إلى أحزاب سياسية قبل إنجاز مهمتها بتحرير حقيقي شامل لكل الأرض أو لجزء منها، بمثابة وصفة فشل لكليهما.
بدأ الشيخ بعيد الإفراج عنه جولة عربية وإسلامية، وكانت سورية من أبرز المحطات في تلك الجولة، نظرا لمكانتها عربيا، وكونها تحفظت على اتفاق أوسلو، فتقاطعت مع حماس (الإخوانية) سياسيا، فيما بين الإخوان والأسد علاقة مصبوغة بالدم والمجازر والسجون. طرح الشيخ أحمد ياسين موضوع الإخوان المسلمين في سورية أمام رئيس النظام السوري حافظ الأسد، في أول وآخر لقاء بين الرجلين؛ بناء على طلب إخوان سورية في الخارج وساطته، كما قيل، وحماس نفسها كانت فرعا من جهاز بلاد الشام في الإخوان المسلمين، وإخوان فلسطين (حماس لاحقا) تربوا وترعرعوا على أقوال وكتابات (مصطفى السباعي) وظلت كتب (سعيد حوى) من أهم مصادرهم التربوية والثقافية الدعوية.
أما عن تأثرهم وحزنهم بمجزرة حماة، فحدث ولا حرج، فأجيال نشأت في محاضن إخوان فلسطين، تتناقل بكتب وأشرطة كاسيت، ومجلات حائط أحداث مجزرة حماة في 1982 وحماس في بواكير انطلاقتها دعت جماهير الشعب الفلسطيني إلى إحياء ذكرى مجزرة حماة، ومما جاء في البيان (المتآمر على قضيتنا حافظ أسد)! وكان ذلك في وقت قطيعة بين حركة فتح وأبي عمار مع الأسد، طبعا لأسباب مختلفة، ولكن جزئية بغض وكراهية النظام السوري كانت نقطة التقاء بين حركة فتح والحركة الوليدة حماس.
الآن (1998) الوضع تغير، فحماس صار حليفها النظام السوري، في ظرف دولي وإقليمي وفلسطيني مختلف عما كأنه في بواكير انطلاقة حماس، والشيخ أحمد ياسين يجلس مع حافظ الأسد الذي استقبله بحفاوة بالغة (أيار/مايو 1998)، فهل يتنكر الشيخ لكونه ابنا مخلصا لدعوة الإخوان، وملتزما ببيعتهم وحريصا على رابطته معهم، لاعتبارات الحلف الجديد؟ كلا طبعا.
فلقد طرح الشيخ أحمد ياسين موضوع إخوان سورية أمام مضيفه، وهو رئيس دولة معتد بذاته وحسبما أفاد (م. إبراهيم غوشة) في مذكراته الموسومة بـ(المئذنة الحمراء) فإن الأسد انفعل وأسهب في شرح ما قام به الإخوان-من وجهة نظره- مما جعل أجواء اللقاء التي بدأت ودية وإيجابية تتوتر، فتدخل خالد مشعل لتلطيف الأجواء بالانتقال للحديث عن القضية الفلسطينية، وتجاوب الأسد وانسجم بالحديث عن فلسطين وقضيتها، واستمر اللقاء في قصر الشعب ثلاث ساعات، وبهذا القدر أغلق ملف وساطة حماس والشيخ أحمد ياسين في موضوع إخوان سورية، بلسان حال ولسان مقال النظام بأن هذا لا يمكن.
والآن وبما أن هذه المقالات المتواصلة منذ أسابيع عن الشيخ أحمد ياسين ليست سردا لسيرته الذاتية، فذلك كما ذكرت آنفا باب أبدع فيه أهله وتبحروا، ولكن ماذا نتعلم ونستنتج من هذا الموقف؟ إن حرص حماس على إخوان سورية وسائر الإخوان في العالم وحبها لهم، والتماسها العذر لهم حتى وهم في محل خطأ بين، لهو كبير ولا شك فيه؛ ولكن هل قابل الإخوان حماس بالمثل؟ هل كانت حماس ضمن حساباتهم السياسية عندما خطوا أي خطوة؟ ألم يزاود بعضهم وينتقد علاقات حماس وتحالفاتها، انطلاقا من حالة إخوان الدول العربية الذين لم تكن حماس في حسبانهم.
أنا لا أرمي التهم جزافا ولا أتجنى؛ فكم سمعنا تعييبا على حماس بسبب علاقاتها مع النظام السوري، الذي ارتكب مجازر حماة، أو علاقتها مع إيران أو غيرها، وكأن على حماس حل كل مشكلات الإخوان، وتحمل نتائج إخفاقاتهم السياسية والميدانية. على كل حال كانت زيارة سورية فرصة للشيخ كي يلتقي قادة الفصائل المقيمة هناك مثل جورج حبش ونايف حواتمة وسعيد موسى (أبو موسى) وأحمد جبريل وغيرهم، وألقى الشيخ كلمة في الجامع الأموي وزار قبر صلاح الدين، وكأنه يستلهم ويشحن ذاته وهمته العالية بزاد من سير السابقين، وتجمع مع إخوته وقادة الفصائل أمام قبر فتحي الشقاقي في مخيم اليرموك بما يؤكد تمتين العلاقة مع حركة الجهاد الإسلامي، التي شاركت حماس خيار المقاومة المسلحة منفردتان تقريبا حتى اندلاع انتفاضة الأقصى.
وسيستقبله المفتي (أحمد كفتارو) في مجمع (أبي النور الإسلامي/حاليا مجمع كفتارو) واصفا إياه بشيخ المجاهدين، ومعطيا له كلمة، وسيؤكد الشيخ على الجهاد لتحرير فلسطين كونها قضية الأمة: –
وفيما يخص علاقة حماس بسورية؛ فقد لاحظت أن التلفزيون السوري الرسمي، ظل يصف حماس كالتالي: حركة المقاومة الفلسطينية-حماس، متعمدا استبدال كلمة (الإسلامية)، وقد يكرر هذا الوصف نشرة إخبارية عدة مرات! ومع امتعاضي من هذه (الحساسية) الغريبة من الإشارة إلى هوية حركة معروفة، فقد كان يمكن الاستعاضة عن ذلك بلباقة الاختصار والاكتفاء بالقول (حركة حماس).. إلا إذا كانوا وراء الكواليس سعوا عند قادة حماس لتغيير الكلمة!
وفي إيران التقى الشيخ أحمد ياسين مع علي الخامنئي مرشد الثورة والرجل الأول في النظام، وألقى أمام طلبة الحوزة العلمية كلمة تفاعل معها جمع كبير من طلبة إيرانيين شيعة؛ والشيخ أحمد ياسين كان له مواقف مناوئة من الشيعة سابقا؛ فما الذي تغير وتبدل؟ لا الشيخ أحمد ياسين صار شيعيا، ولا حذره من القوم تغير؛ ولكن الشيخ يعلِّم المختلفين أن الأمة بكافة مكوناتها صارت هدفا لعدوان أمريكي-صهيوني شرس لا يفرق بين حماس السنية أو حزب الله الشيعي ووراءه إيران الشيعية. وسيدشن تحالف يقوم على ألا يحاول أي من الطرفين تغيير انتماء الآخر المذهبي، على قاعدة التعاون في التصدي للعدو المشترك. وسأتحدث أكثر عن جولات الشيخ ومسيرته ودروسها في المقال القادم إن شاء الله.
(المصدر: مدونات الجزيرة)