مثقفون وعلماء في العالم الافتراضي لكنهم أميّون في الواقع!
بقلم سفيان الغانمي
“في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، كان بالكاد عدد الطلبة في فاس يصل إلى ثلاثمائة طالب، في جميع الشعب، واليوم عدد الطلبة يفوق مائة وخمسين ألف طالب، ومع ذلك كنا في ذاك الوقت نشتغل أفضل من اليوم” هذا كان جزء من حديث أحد المشرفين على إحدى أكبر المكتبات في فاس وهو يخبرني عن أمر بتنا نعتقد أنه ولى، ولم يعد مطروحا الآن للنقاش، في زمن ربما أصبح في الأطفال يقرؤون أكثر من مائتا كتاب في العام.
إذا أخذنا لمحة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي في الأوساط العربية، لا شك أننا سنكتشف أننا نعاني الكثير من المشاكل، ابتداء من ضعف المحتوى، بل وقد يصل الحال إلى تفاهته في بعض الأحيان، غير أن الشيء المميز ربما، هو تحسن حال الشباب في القراءة، إذ لن تخطئ عينك وأنت تتنقل بين الصفحات، صور منشورة لكتب وروايات من الحجم الكبير، صور مأخوذة في البحر وأخرى في المقهى، بل وحتى لشاب يشتغل لكنه من حين لآخر يسرق دقائق ليعيش متعة القراءة مع الكتاب كما يقول معلقا، قد ترون عدة وضعيات أخرى، في الأماكن العامة مثلا بل وحتى في الحافلة العمومية، أو غير ذلك، ولم لا وقد عيرونا أكثر من مرة بأننا لا نقرأ، أنظروا إلى حالنا اليوم أرأيتم كيف بدأنا نتحسن.
ستشعرك هذه الصور بالارتياح، وتنزل على قلبك بردا وسلاما، ستأخذ ولا شك انطباعا مخالفا لما ألفته عن شعبنا العربي، وستدافع عنه في أي محفل صادفته وأتيحت لك فرصة للحديث فيه، كيف لا وعاطفتك مشحونة تجاه شعبك وأبناء وطنك، غير أنك إن كنت من ذوي البصر وليس البصيرة ستبدأ تفقد حماسك بمجرد ما إن تقرر العيش في العالم الحقيقي بدل العالم الافتراضي الوهمي الذي تعيش فيه.
حينها ربما ستسأل نفسك السؤال البسيط التالي، ما جدوى القراءة؟ هل هدفها يكمن في اقتناء كتب المشاهير وأخذ صور معها، هل الهدف من قراءة كتب نيتشه مثلا أو تولوستوي، أو كونديرا أو كافكا، هو أن نزين بها بروفيلاتنا حتى يتحدثوا عنا مثلا أننا مثقفون، ما الهدف يا ترى من القراءة؟ وهل فعلا القراءة هي أن تقرأ لأمثال هؤلاء الذين ذكرت، هذه في الحقيقة هي مشكلتنا كشباب بالدرجة الأولى، منغمسون في العالم الافتراضي، مثقفون فيه، بل وبعضنا فيلسوف وعالم، لكن حاله في الواقع شيء مخالف لذاك تماما، قد يكون عالما على وسائل التواصل الاجتماعي لكن البحث الذي أخذ به شهادة الإجازة سطى عليه من أحد المواقع على شبكة جوجل.
القراءة لا تعني أن تخبر الناس بما قرأت أو كم قرأت، بل تعني كم استفدت وماذا تغير فيك، أنا لا أعرف ما جدوى قراءتك، وأنت لا تحسن النقاش في أي شيء، بل لم يتغير من أفكارك ولا سلوكك شيء، أنت أنت، بل ربما الشيء الذي انضاف إليك تكبرك واعتقادك أنك بت شيئا، وأنت في الحقيقة لم تبرح مكانك، أخرجوا إلى شوارعنا، تطلعوا إلى نقاشاتنا، بل وتطلعوا الى اهتماماتنا نحن كشباب عربي، وستعرفون ما الذي غيرته فينا القراءة، لا شيء سلوكاتنا كما هي، بل والأمر من ذلك زوروا المكتبات وانظروا هل فعلا يزورها قراء العالم الافتراضي، أم أنهم لا يبرحون مكانهم.
البعض يعتقد أن مشكلة الكتاب الورقي في العالم العربي، هو نظيره الإلكتروني، يؤسفني أن أقول له إنك متحمس ومتفائل أكثر من اللازم، فمشكلة الكتاب الورقي في عالمنا العربي هو الجهل المطبق علينا، نحن نفتعل معركة الكتاب الورقي والإلكتروني، حتى نداري عن مشكلتنا العويصة نحن لا نقرأ صدقوني، ما ترونه أو تشاهدونه مجرد وهم، تطلعوا إلى التقارير التي تهتم بهذا الشأن وسترون النتيجة، لا تقيسوا معدل القراءة، بعدد صور الكتب المنشورة، ولا بعدد الطبعات المزيفة التي تباع لكتاب كبار، هؤلاء لا يفهمهم أحد، نحن نقرأ لمجرد أن القراءة أصبحت اليوم تذر الجيمات لا أكثر.
هل تساءلتم يوما ما مثلا، عن مسألة المجلات الفكرية والثقافية في الوطن العربي، كم يباع منها؟ أو كم الأعداد التي توزع منها وكم يرجع، لم لا نقول عن هذه كذلك أنه ينافسها النسخة الإلكترونية، رغم أن معظم المجلات ثمنها زمزي، إلا أن القليل من يقتنيها، لذا لا تستغرب إن سألت كتبيا عن أشهر المجلات كما تعتقد أنت، فتفاجأ به يخبرك، كنا نأتي بها، لكن لا أحد يقرأ اليوم، حتى بعضهم يكتفي بقبض نسخة أو نسختين، رغم أنه لا يخسر فيها شيئا أي أنها إن لم تبع سيردها.
هل تساءلتم يوما أيضا عن السبب في عدم معرفة مجتمعاتنا لثورة ثقافية، وحتى أصدقكم القول، أتعرفون لم لم تنجح كل ثوراثنا تقريبا، وكونوا على يقين بأنها لن تنجح، لأن مشكلاتنا هنا تكمن، نحن شعب يؤمن بالتفاهة، وينخدع للمظاهر، لذا كل المشارع التنموية تبوء بالفشل، نحن لم نتخل بعد عن ثقافتنا المتخلفة، التي ترسخت في أذهاننا لقرون وإن ادعينا غير ذلك فنحن واهمون، نحن مشكلتنا أعوص مما نتخيل، نحن مشكلتنا في بنيتنا العقلية، وليس فقط في واقعنا المعاش، قد ترونا أن هذه مجرد هلوسات لشخص مريض بالسوداوية، لكن حالوا أن تنزلوا إلى الواقع مرة، لتكتشفوا هل نحن فعلا أمة طامحة إلى أفق أعى كما ندعي.
(المصدر: مدونات الجزيرة)