لمحات في منهجية شرعية لدراسة المستجدات السياسية
إن الناظر للعالم الإسلامي اليوم ويرى كثرة تنازعه وشقاقه واختلافه على نفسه، ويتأمل في مسقبله القريب والبعيد، وقد أخنى الموت والحرب بساحاته، وتكالبت عليه الأمم والشعوب والدول، ليعيد طرح السؤال القديم، لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم، وأين يكمن صلب الداء، وما هي معضلته التي عزت عن الشفاء.
ومهما اختلفت أجوبة المجيبين، فإن كثيرا منهم يجعل قضية السياسة والحكم من أعظم الأسباب وأخطرها أثرا..
ولقد حاولت كثير من الجماعات والحركات الإسلامية أن تحمل على عاتقها رأب هذا الصدع، وحل هذا الإشكال، ولكنهم واجهوا داخليا وخارجيا من العراقيل ما أقعدهم عن القيام بهذا الواجب، رغم مرور نحو مائة سنة.
ومنذ سنين معدودة، فتح باب الأمل من جديد، واستبشر الناس بخروج الشعوب المسلمة للشوارع بصدورهم العارية، وقلوبهم المكلومة، من أجل تغيير الاستبداد، والتغلب على الفساد، ولكن لأمر معلوم، وقدر سابق محتوم، وتدبير وتقدير غير متموم، وقعت الهزيمة مرة أخرى، وعاد الأمر كما كان أو أشد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وإذا كانت هذه المواجهة بين الاستبداد والفساد، وبين دعاة الإصلاح والسداد، تتم في أرض النزال، وفي مواطن الأعمال والأقوال، فقد صاحب ذلك مواجهة أخرى في مجال الفكر والتأليف والتربية والتعليم..
ولأجل ذلك حظي الفكر السياسي الإسلامي بانبعاث كبير، وتمت دراسته من مختلف جوانبه، تنظيميا ودستوريا واجتماعيا..
ما عدا جانبا واحدا يرى الباحث أنه وقع فيه التقصير، ولم يلق من العناية إلا القليل، ألا وهو تأصيل هذا الفكر، واستنباط كلياته ومقاصده العليا، وهو ما يحاول هذا البحث أن يسهم فيه.
الكتاب من تأليف د. عبد الكريم الهواوي.