مقالاتمقالات المنتدى

ما يُشرع من أعمال في ليلة القدر

ما يُشرع من أعمال في ليلة القدر

 

بقلم أ. د. كامل صبحي صلاح (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فإنّ إحياء ليلة القدر يكون بالصلاة والتهجد والقيام، وتلاوة القرآن، والذكر، والاستغفار، والاعتكاف، والدعاء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، لذا تُشرع عدة أعمال جليلة في ليلة القدر المباركة، ومنها:
1- القيام: حيث يُشرع في هذه الليلة المباركة قيام ليلها بالصلاة، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن قامَ ليلةَ القدْرِ، إيمانًا واحتِسابًا، غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنبِه».
«أخرجه البخاري (١٩٠١)، ومسلم (٧٦٠)».
2- الاعتكاف: يُشرع في ليلة القدر الاعتكاف؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر؛ التماسا لليلة القدر. ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ: مَن كانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأواخِرَ، وقدْ أُرِيتُ هذِه اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُها، وقدْ رَأَيْتُنِي أسْجُدُ في ماءٍ وطِينٍ مِن صَبِيحَتِها، فالتَمِسُوها في العَشْرِ الأواخِرِ، والتَمِسُوها في كُلِّ وِتْرٍ…».
«أخرجه البخاري(٢٠٢٧)».
3- الاجتهاد في العبادات: فلقد كان النَّبيُّ ﷺ يَجتهِدُ جِدًّا في عبادة رَبّه سُبحانَه وتعالى في قيام ليالي شهر رمضان المبارك، وخاصة في العشر الأواخر منه، ما لا يجتهده في غيره، ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: «كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَجْتَهِدُ في العَشْرِ الأواخِرِ، ما لا يَجْتَهِدُ في غيرِهِ». «أخرجه مسلم (١١٧٥)».
وفي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: «كان إذا دخل العشرُ شدَّ مِئْزَرَهُ، وأحيا ليلَهُ، وأيقظَ أهلَهُ». «أخرجه البخاري (٢٠٢٤)، ومسلم (١١٧٤)».
ومعنى «شَدَّ مِئزرَه»، وهو ما يُلبَسُ مِنَ الثِّيابِ أسْفلَ البدَن. هو كناية عن الاجتهاد في العبادات والطاعات، وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء، وربما يشمل الأمرين معاً؛ فإنَّه يُقالُ: شَدَدْتُ في هذا الأمرِ مِئزَري، بمَعْنى: تَشمَّرْتُ له وتَفرَّغْتُ.
ومعنى«وأحْيا لَيلَه»، أي: بِالسَّهرِ للعبادة، والصلاة والطاعة. «وأيقظَ أهلَه»؛ لِيُصلُّوا مِن اللَّيلِ، وهذا مِن تَشجيعِ الرَّجُلِ أهلَه على أداءِ النَّوافلِ والعِباداتِ، وتَحصيل فضل وخير تلك الأيّام المباركات.
4- الدعاء: تُشرع كثرة دعاء الله تبارك وتعالى في ليلة القدر، بقول: (اللَّهمَّ إنّكَ عَفوٌّ تُحِبُّ العفوَ، فاعفُ عنِّي)،
ففي الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمتُ أيَّ لَيلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قولي: اللَّهمَّ إنّكَ عَفوٌّ تُحِبُّ العفوَ، فاعفُ عنِّي…».
«أخرجه الترمذي (٣٥١٣)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٧٧١٢)، وابن ماجه (٣٨٥٠)، وأحمد (٢٥٣٨٤) باختلاف يسير، والألباني في، تخريج مشكاة المصابيح (٢٠٣٧) بإسناد صحيح».
قال الإمام ابن قدامة: «ويستحب أن يجتهد فيها في الدعاء ويدعو فيها بما روي عن عائشة أنها قالت يا رسول الله إن وافقتها بم أدعو قال قولي: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني».
وقال ابن كثير: «والمستحب الإكثار من الدعاء في جميع الأوقات، وفي شهر رمضان أكثر، وفي العشر الأخير منه، ثم في أوتاره أكثر. والمستحب أن يكثر من هذا الدعاء: “اللهم، إنك عَفُوٌّ تحب العفو، فاعف عني…».
5- العمل الصالح: إنّ الأعمال الصالحة في ليلة القدر المباركة لهي خيرٌ من العمل الصالح في ألف شهر ليس فيها تلك الليلة، وأنّها فُضّلت العبادة فيها على غيرها من الليالي، كما قال الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر:٣). قال الإمام القرطبي: وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَيِ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ لَا تَكُونُ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ.
وإنّ من المقرر المعلوم أنّ فضل الزمان ومكانته يكون بكثرة ما يقع فيه من أعمال فاضلة، كليلة القدر وغيرها من الأزمان المباركة الفاضلة.
قال الإمام القرطبي في تفسيره لقوله تعالى:(لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أي: بَيَّنَ فَضْلَهَا وَعِظَمَهَا. وَفَضِيلَةُ الزَّمَانِ إِنَّمَا تَكُونُ بِكَثْرَةٍ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْفَضَائِلِ. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يُقَسَّمُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي أَلْفِ شَهْرٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
لذلك لا ينبغي للعبد أن يزهد ويغفل عن إحياء تلك الليلة المباركة، لئلا يُحرم خيرها وثوابها، ففي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ هذا الشهرَ قدْ حضَرَكُمْ، وفيهِ ليلَةٌ خَيْرٌ مِن ألْفِ شهْرٍ، مَن حُرِمَها فَقَدْ حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ، ولا يُحْرَمُ خيرَها إلّا محرومٌ» «صحيح الجامع، الألباني (٢٢٤٧)».
وإنّ أدنى وأقلّ ما ينبغي للمسلم أن يحرص عليه في تلك الليلة: أن يصلي العشاء والفجر مع جماعة المسلمين،ليكتب له أجر قيامِ ليلةٍ، ففي الحديث عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من صلّى العشاءَ في جماعةٍ، كان كقيامِ نصفِ الليلِ، ومن صلى العشاءَ والفجرَ في جماعةٍ كان كقيامِ ليلةٍ» «أخرجه مسلم (٦٥٦)».
ومعنى قوله:«كان كقِيام ليلَةٍ»، أي: له أجرُ قيامِ ليلةٍ، ومِن الثّابِتِ في كثيرٍ من الأحاديثِ أنَّ أجْرَ قيامِ اللَّيلِ كبيرٌ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وحاصلُ المعنى: فكَأنَّما قامَ نِصْفَ ليلةٍ أو ليلةً لَم يُصلِّ فيها العِشاءَ والصُّبحَ في جَماعةٍ؛ إذْ لو صَلّى ذلك في جماعةٍ لحَصَل له فَضلُها، وفضلُ القيام زائدٌ عليه.
والله تعالى أعلى وأعلم.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى