مقالاتمقالات مختارة

ماذا يقصدون بأنسنة التراث ؟

بقلم عبدالله الشتوي

أنسنة الخطاب الشرعي … فماذا بعد الحق إلا الضلال !

يبدأ عقلانيا تنويريا…ثم ينتهي إلحادا …

في البداية : ما الذي يقصدونه بأنسنة الخطاب الديني ؟

ليس المقصود قطعا استثمار العلوم الانسانية في النظر الفقهي ولا اعتمادها في البحث العلمي وفهم طبيعة الفعل الانساني، فهذا مما لا يعارضه أحد ابتداء، فلا يعترض أحد على استناد الفتوى مثلا إلى نتائج بحث اجتماعي …
وليس المقصود إضفاء طابع الإنسانية على الخطاب الشرعي وما تسرب إلينا معها من مفاهيم كالتسامح والتعايش وغيرها، في مقابل ما لحق الخطاب الشرعي من أوصاف التطرف والتشدد والإرهاب.
لكن المقصود أساسا عند مستخدمي مصطلح ”أنسنة الخطاب الديني” من المفكرين المعاصرين هو  إعمال الأدوات الغربية -بما ذلك مرجعياتها الفلسفية- في فهم وتحليل الخطاب الشرعي، بالإضافة إلى ما في هذه الأدوات الغربية من خلل بسبب ارتباطها بالبيئة التي نشأت فيها وكذا تأثرها بالصراع مع الكنيسة، مما يجعلها غير قادرة على الحكم على ما يقع خارج مدارها.
ومن مظاهر إسراف دعاة هذا الخطاب النظر إلى الجوانب المادية فقط في فهم الخطاب الشرعي وسياقاته ومآلاته، فليس الانسان عندهم إلا كتلة من الأهواء السياسية والرغبات المادية بحيث لم يعد يمكن تفسير أي خطاب شرعي أو حدث تاريخي خارج هذه الدائرة، وكأن الانسان متجرد عن أي قيم روحية ودوافع أخلاقية تحكم الحياة.

وماذا بعد ؟ مآل الأنسنة

تستند فكرة أنسنة الخطاب الشرعي على خلفية فلسفية تؤيد النزعة الفردية للإنسان، أي أنه لا توجد سلطة عليا على الإنسان غير الإنسان نفسه، وبالتالي فلا مجال للحديث عن الوحي والرسالات والنبوات وغير ذلك مما يصنفه هؤلاء في خانة الأساطير ، وهكذا فإن النبوات كمسألة موجودة تاريخيا يمكن فهمها في إطار  نزعة الفرد وسعيه للرقي ووإثبات الذات، كما يمكن فهم ظهورها في المجتمعات القديمة بارتباطها بمحاولة البشرية تطوير فكرها ……
وإن كان جلُّ الكلام عن الأنسنة انصب حول الخطاب الفقهي والتركيز على كونه مجهودا بشريا، فإن المقصود هو المرور  إلى أصل الخطاب الشرعي وهو الوحي، ومن ثمَّ فإن رواد الأنسنة في العالم العربي انتهوا إلى إنكار نبوة النبي صلى الله عليه وسلم تصريحا أوتلميحا، واعتبروا النبوة مجرد حالة نفسية وأوهام عارضة، ومع عبقرية فطرية وقدرات خاصة مكتسبة أمكن أن تؤثر  هذه النبوة على واقع الناس وتقطع بالبشرية شوطا مهما من الترقي والتطور، ومع تطور البشرية وتقدمها فلم تعد هناك حاجة للالتفات إلى هذه الأساطير ، بل تتم الاستعاضة عنها بهذا الكم التراكمي من العلوم التي أنتجها الإنسان المعاصر.
يقول د.حسن حنفي : (لم يتلق أي شخص وحيا من الله دون الالتجاء إلى الخيال وينتج عن ذلك أن النبوة لا تتطلب ذهنا كاملا بل خيالا خصبا)[1] وبهذا فالنبوة عند حسن حنفي ليست إلا خيالات وأوهاما تعتري الأنبياء وتنتج فكرا متناسبا مع ما تحتاجه بيئاتهم من التغيير والتطور.
ومثله نصر حامد أبوزيد حين يقول: (إذا كنا نتبنى القول ببشرية النصوص الدينية فإن هذا التبني لا يقوم على أساس نفعي إيديولوجي لمواجهة الفكر الديني السائد والمسيطر ، بل يقوم على أساس موضوعي يستند إلى حقائق التاريخ وإلى حقائق النصوص ذاتها) ، ولا أدري عن أي حقائق تاريخية يتحدث هنا !
وعلى هذا النهج سار كثيرون مثل علي حرب ومحمد أركون وغيرهم … حيث يتدرج الأمر من القول ببشرية الاجتهاد الفقهي ابتداء إلى القول ببشرية القرآن وإعلان الكُفر انتهاء !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] : –رسالة في اللاهوت والسياسة لسبينوزا- حسن حنفي-

(المصدر: مركز يقين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى