مقالاتمقالات المنتدى

ماذا يريد الله لبني البشر؟

ماذا يريد الله لبني البشر؟

بقلم د. الخضر بن سالم بن حليس (خاص بالمنتدى)

تكشف الآيات الثلاث من سورة النساء مراد الله من تشريع أحكامه، وبعث أنبيائه للإنسان الذي أسكنه الأرض. ﴿يُريدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذينَ مِن قَبلِكُم وَيَتوبَ عَلَيكُم وَاللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ  وَاللَّهُ يُريدُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَن تَميلوا مَيلًا عَظيمًا  يُريدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسانُ ضَعيفًا﴾ [النساء: ٢٦-٢٨].

إن هذه الآيات الثلاث وردت في سياق قضايا الأسرة، وأحكام الميراث، وتفاصيل أحكام الروابط الاجتماعية، ليتبين المرء تلك القيمة المثلى من وراء تلك التفاصيل الحياتية الدقيقة.

فتحدثت عن خمسة أشياء:

الأول: خرائط تحديد مساره: ﴿يُريدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُم﴾ تاه الإنسان في تضاريس الأرض المظلمة، فبعث الله أنبياءه بوحيه؛ ليدرك الإنسان موقعه في الكوكب، ويتبين حضوه فيه، ويعلم أين يضع أقدامه، إنه ليس قطعة عدمية أوجدتها الطبيعة بانتقاء أعمى. يريد الله أن يبين للإنسان من أين جاء؟ وكيف جاء؟ ومن أوجده؟ وإلى أين يتجه؟ خرائط كاملة تقود الإنسان في مسارات الأرض وتهديه إلى وجهته.

الثاني: الهداية لقوانين البشرية: ﴿وَيَهدِيَكُم سُنَنَ الَّذينَ مِن قَبلِكُم﴾ قائمة السنن والقوانين التي سلكتها البشرية العابرة كوكب الأرض بعد تجاربها الطويلة، يُهديها لنا الوحي في خلاصات سننية، جامعا رصيد تجاربها الإنسانية، وما اهتدت إليها من فعلها البشري؛ لتكون في متناولنا للسير والاهتداء؛ اختصارا للطريق؛ وإثراء للحياة. وحرصا من السقوط والانقراض من الكوكب. وتجنبا لصدامها لقوانين الفطرة كي لا تتعرض للاستئصال.

الثالث : النهوض بعد السقوط:  ﴿وَيَتوبَ عَلَيكُم﴾ يريد الله تعالى للإنسان الوثبة بعد السقوط، والشموخ بعد الانكسار، والنهوض بعد العثار، والإفاقة بعد الغيبوبة، والنشاط بعد الفتور. إنه يشير إلى إمكانية أن يتخلص الإنسان من أسر الشهوة، وكوابح السوء، وأغلال العصيان. وأن يسترد عافيته النفسية التي أمرضتها كتائب الشهوات، ويعيد تلميع فطرته التي كدرتها غبرة السيئات. يريد للإنسان أن يعود إلى الكمال كلما لاحقه النقص.

الرابع: العودة للفطرية: ﴿وَاللَّهُ يُريدُ أَن يَتوبَ عَلَيكُم وَيُريدُ الَّذينَ يَتَّبِعونَ الشَّهَواتِ أَن تَميلوا مَيلًا عَظيمًا﴾ مقارنة تؤكد أن الفطرية مسار إلهي أصيل. كلما ابتعد الإنسان عنها وسعى لتدميرها، ردته هدايات الوحي إلى مسارها، إن الميل الذي يقوده هواة تدمير الفطرة لن يثمر إلا تردٍ للإنسان وانكاسة عارمة لفطرته التي فطر عليها ابتداء.

الخامس: التخفيف ورفع القيود: ﴿يُريدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُم وَخُلِقَ الإِنسانُ ضَعيفًا﴾ التخفيف مقصود شرعي، وإزالة القيود عن الإنسان التي أسر بها نفسه، من أكبر غايات الشرائع، إذ يتوغل هذا القصد في مضامين كثير من العبادات، حتى لايتوهم الإنسان أن قيودا صارمة تفرض عليه عنتا له، وإنما عبادات وأحكام تهدف لتهذيبه واخراجه من مادته الخام إلى مادة مزكاة مهذبة.

إن المولى سبحانه يعلم بتركيب خلق الإنسان كيف وهو من خلقه؟. ويعلم أن الضعف مزروعاً فيه، متلبساً به. فما أراد إعنانه وتكبيده مزيداً من الإرهاق والمشاق، وإنما رحمة به يسر له التشريع، وجعل اليسر مزروعاً في أحشاء الدين وفي ثنايا أحكامه. إن هذه الآية ﴿لَم يَكُنِ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ وَالمُشرِكينَ مُنفَكّينَ حَتّى تَأتِيَهُمُ البَيِّنَةُ﴾ [البينة: ١] تشير إلى أنه ماكان للإنسان أن يصل إلى حريته لولا نزول الوحي. فلا سبيل للإنفكاك والتحرر إلا بمنهج العبودية لله.

إن الله يريد لبني البشر أسلوب حياة رائد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى