مقالاتمقالات مختارة

ماذا يريد البابا من العالم العربي؟

ماذا يريد البابا من العالم العربي؟

بقلم صلاح الدين الجورشي

أدى البابا زيارة إلى المغرب وصفت بالتاريخية. وهي ليست الزيارة الأولى من نوعها للعالم العربي حيث سبق له أن أقام قداسا بدولة الإمارات بتاريخ 3 فيفري من السنة الجارية، وذلك خلال أول زيارة يقوم بها لشبه الجزيرة العربية، وقبلها زار مصر للمرة الثانية وتحول إلى جامعة الأزهر في شهر أفريل من عام 2017، والتقى بشيخ الأزهر الذي تربطه به علاقات وثيقة، وذلك خلال المؤتمر الدولي للتسامح الذي احتضنته القاهرة. وفي شهر ماي من سنة 2014 كانت للبابا زيارة هامة إلى فلسطين حيث حج إلى بيت لحم التي تعتبر أرضا مقدسة لدى المسيحيين، وأقام هناك صلاة صامتة من أجل السلام.

البعض يتساءلون “ماذا يريد رأس الكنيسة الكاثوليكية من العالم العربي؟”. وهو سؤال مشحون بتاريخ مفعم بالعداء والصراع والشكوك المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين. ولا يزال هذه التراث الملغم يفعل فعله في الأذهان وفي النفوس. لكن ما يجري الآن مختلف كثيرا عما حصل في الماضي. إذ خلافا لما ذكره البعض عندما شككوا في نوايا الفاتيكان واعتقدوا بأن هذه الزيارات لها بعد تبشيري، وبذلك خلطوا بين ما كان يحدث في المراحل التي مهدت للاستعمار حين ظنت البابوية يومها بأن اللحظة التاريخية لنشر المسيحية قد حلت للقضاء على الإسلام. أما اليوم فالتاريخ المعاصر له وجهة مختلفة.

اختلفت المعطيات والرهانات، خاصة مع البابا الحالي فرانسيس. هذا الرجل القادم من فضاء جغرافي وديني مختلف كثيرا عن الفضاء الأوروبي حيث ولد في أحد أحياء بيونس رايس، والمعروف بـ”البابا القادر على إحداث تغييرات” داخل المنظومة الكنسية وحتى في الفكر الديني المسيحي. ولا يخفى أن أمريكا اللاتينية كانت المنطلق لنشأة نظرية ” لاهوت التحرر ” التي مثلت التمرد الثاني الأشد عمقا  وراديكالية داخل الفضاء الكاتوليكي بعد الانشقاق التاريخي البروتستنتي.

كان بالإمكان أن تنتهي زيارة البابا بسلام، وأن ينظر إليها كخطوة أخرى نحو توثيق العلاقة بين العالمين الإسلامي والمسيحي لولا الانتقادات الحادة التي صدرت عن جهات متعددة بسبب العرض الموسيقي الذي حضره الملك محمد السادس والبابا تم في المعهد المختص في تكوين الأئمة والوعاظ.

زيارة البابا ودلالاتها تبقى أكبر بكثير من مسألة الآذان مقارنة بالمخاطر الكبرى التي تهدد الإسلام والعالم الإسلامي

هذا العرض كان اجتهادا من قبل الذين أعدوه بهدف التأكيد على وحدة الأديان وتضامنها في سبيل الدعوة إلى التعايش وترسيخ السلم العالمي. لكن بسبب مزج الأذان بالموسيقى وبالتراتيل المسيحية واليهودية اهتز بعض الأوساط، ورأوا فيما حدث ” استخفافا بمقدسات الأمة وثوابتها الشرعية “، كما ورد في بيان صادر عن اتحاد علماء المسلمين الذي يترأسه حاليا الفقيه الريسوني. وأحمد الريسوني هو أحد قادة ومؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب. وقد تلقته الأوساط المغربية بكثير من الاستياء ووضع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في حرج شديد مع الملك.

بقطع النظر عن الجدل الذي دار ولا يزال حول مدى “جواز ” ترديد جزء من الأذان في تلك اللقطة التشاركية، فإن رد الفعل الذي حصل غيب الجوانب الهامة التي ميزت زيارة البابا إلى المغرب. ويمكن القول بأن بيان اتحاد العلماء قد أضاع فرصة هامة لتأكيد وقوفه ومساندته لما أعلنه رأس البابوية الكاثوليكية من مساندة لقضايا أساسية تتعلق بالخصوص:

أولا: دعم الحوار بين الأديان، ورفض النزعات المعادية للإسلام والمسلمين التي تصاعدت وتيرتها في السنوات الأخيرة بالدول الغربية.

ثانيا: دعم المهاجرين من قبل البابا بعد فترة وجيزة من تبني مدينة مراكش لميثاق الأمم المتحدة حول الهجرة، خاصة وأن عدد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء الموجودين حاليا بالأراضي المغربية يصل إلى 80 ألف مهاجر. وهو إذ يؤكد على ضرورة استقبال المهاجرين غير القانونيين ومعاملتهم بإنسانية في الدول الأوروبية، فإن سياسة الفاتيكان تتعارض كليا في هذه المسألة مع سياسات أحزاب أقصى اليمين التي تشارك حاليا في السلطة بإيطاليا وتشن حملة شرسة ضد المهاجرين القادمين من دول جنوب المتوسط عبر قوارب الموت.

ثالثا: تأكيد البابا على رفضه التبشير كأسلوب لنشر العقيدة المسيحية بين المسلمين، وهي القضية الخلافية الحادة والقائمة حتى اليوم بين الفاتيكان والكنائس الإنجيلية الناشطة في مجال التبشير بإفريقيا وفي العالم العربي والإسلامي.

لا شك في أن العرض الموسيقي قد صدم البعض، لكن زيارة البابا ودلالاتها تبقى أكبر بكثير من مسألة الأذان مقارنة بالمخاطر الكبرى التي تهدد الإسلام والعالم الإسلامي في ظل موجة الإرهاب الذي تفشى في المنطقة وفي العالم، وأيضا بسبب تصاعد موجة الإسلاموفوبيا التي يريد أصحابها الانطلاق من آلية التخويف العودة إلى منطق الصراع الديني والثقافي ضد الجاليات الإسلامية في الغرب.

مرة أخرى يتبين أن مسألة الأولويات جزء أساسي من منهجية تجديد الفكر الإسلامي، والعمل على وضعه في سياق عالمي ضمن مرحلة تاريخية جديدة تستوجب رؤية مغايرة للإنسان وللعالم.

(المصدر: عربي21)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى