مقالاتمقالات المنتدى

ماذا تبقى من خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة العام الماضي؟ (6-6)

ماذا تبقى من خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة العام الماضي؟ (6-6)

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

بعد أن تناولت المقالات الخمس السابقة الجوانب المختلفة لخطاب رئيس الوزراء الكيان الصهيوني المحتل في الأمم المتحدة في سبتمبر من العام الماضي 2023 الخاصة بالمنطقة العربية وجوارها الإقليمي في إيران، وكيف رأى نتنياهو المنطقة من منظور أمن الكيان ومنعته وقدرته على تحقيق أهدافه في الوجود والاستمرار من خلال: فرض السلام العبري على حكومات الدول العربية والاطمئنان التام لجانبها بعد تحقيق الشراكة الكاملة بين الكيان وتلك الحكومات وانتظاره للجائزة الكبرى لسنوات شغله على تحقيق هذا السلام من خلال التطبيع مع المملكة السعودية الذي كان على وشك الحدوث لولا غزوة الطوفان المباركة.

ثم حديثه عن أن الطريق الوحيد أمام الشعب الفلسطيني أن يسلكه ليضمن البقاء هو اتباع صراط الذي ضلوا من الحكومات العربية بالاستسلام الكامل لشروط العدو الصهيوني والتخلي عن مشروع الدولة الفلسطينية تماما والاكتفاء لمن يريد البقاء في الضفة والجزء الذي تحتله الكيان بحقوقهم المدنية فقط، في حين على باقي الفلسطينيين في غزة والضفة أن يبحثوا عن وطن لهم في الأردن ومصر، فالدولة العبرية دولة اليهود فقط.

ثم كان حديثه عن الخطر الإيراني الذي يهدد وجود الدولة العبرية عبر تسلحه الكبير وسعيه لامتلاك القنبلة النووية وبناءه لمحور المقاومة وتهديده للحكومات المطبعة مع الكيان وفوق هذا التهديد الإيراني للعالم كله.

هذه هي الجوانب الثلاث التي صب نتنياهو جل اهتمامه عليها وهو فرح فخور بانتصاراته التي تحققت والتي كانت بسبيلها للتحقق حسب ما خطط وفكر وقدر.

لكن الغيب لله وحده، وجنود الله لا يعلمهم إلا هو، وأهل الله في الأرض لا ينقطعون ما دامت للحياة بقية، لذلك نجد أن كل ما تفاخر به نتنياهو تهاوى معظمه خلال عام من تاريخ إلقاء الخطاب: فما إن مر اسبوعان بعد انتهاءه من خطابه وعودته هانئا مطمئنا لما حققه وتجهزه للاحتفال بالتطبيع مع العربية السعودية والشروع في تنفيذ المرحلة الجديدة من خطة ترامب النمو والازدهار المعروفة باسمصفقة القرنبالبدء في تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

وتدجينالبقيةالباقيةمنخلالالوعدبالرخاءوالنمووالحياةالرغدةوالآمنةمنخلالالمشروعاتالتنمويةوالإسكانيةبالتمويلالخليجي،وبعدأناطمأنأنقياداتحماسقدقبلوابالأمرالواقعواستسلموالمايجريواكتفائهمبحكمغزةورضاهمبفتحإسرائيلسوقالعملللعمالةالغزيةللعملواكتسابقوتالحياةاليوميدونمنغصاتوتضييق.

تحدث المفاجأة الكبرى بدلا من اقتناص الجائزة الكبرى، ويقتحم رجال غزة المجاهدين مستوطنات العدو ويقتلوهم شر قتلة ويأسروا منهم المئات ويعودوا مظفرين في مشهد أذهل العالم أجمع وعقد ألسنة اليهود والذين كفروا ونافقوهم من الغرب والعرب، فنسي الجميع خطاب نتنياهو وأحلام نتنياهو والذين تواطؤا معه للتطبيع وتوجهت الأنظار إلى غزة العزة، وصحا العالم كله على صوت فلسطين ينادي في العالمين: هنا شعب أبي مؤمن مجاهد مرابط لا يموت، هنا رجال صدقوا وأقسموا على الحياة بعزة أو الشهادة بكرامة في سبيل إعلاء كلمة الدين والحفاظ على مقدسات المسلمين وتحرير الأر من دنس الصهاينة المحتلين، وإيقاف سيل الهوان والتنازل الذي لطخ به حكام العرب وجه الأمة المضيء. فخاب أهم آمال نتنياهو مؤقتا في التطبيع مع أهم بقعة إسلامية في العالم.

وليس ذلك فحسب ما خاب فيه أمله، بل إن الخيبة الكبرى والتي لا تدانيها خيبة هي خيبة أمله هو ومن معه من المطبعين في هذه السنوات الطوال التي عملوا خلالها على تغييب العقول بتغيير المناهج وإطلاق أدوات الإعلام بكافة أنواعها وبكل سحرتها من كتاب ومفكرين وإعلاميين لتزيين التطبيع وجعله واقعا، وكل محاولات إغراق الأمة وأجيالها الحديدة في نعيم السلام ووعوده المعسولة المليئة بالحياة الرغدة الغنية المليئة بالملذات من كل صنف ولون للشعوب التي تقبل بالعدو وتؤاخيه.

كلذلكذهبفيلحظاتقليلاتبعدغزوةالطوفانوصارهشيماتذروهرياحالإيمانوالجهادالتيهبتمنغزةالعزة،وأخذنتنياهومنمعهمنالمطبعينيقلبواأكفهمعلىماأنفقواعلىتغييبالعقولوالقلوبليفيقواعلىأيديهمخاويةمنكلهدفهدفواإليه،وإذابفلسطينفيكلقلبولسانعربيومسلمبلفيالعالمأجمع: يرددها الأطفال قبل الكبار والشيوخ قبل الشباب والنساء قبل الرجال والحمد لله رب العالمين.

أما عن إيران التي عدد جرائمها تجاه العالم وأخطارها التي تهدد السلم والرخاء والكيان المحتل والتطبيع المنشود فلم تزدد طوال هذا العام إلا قوة وكانت السند للمجاهدين في فلسطين(مع تحفظنا على سياستها تجاه الأمة العربية وضرورة إعادة بناء العلاقات العربية الإيرانية والسنية الشيعية على أسس جديدة تنطلق من القرآن المجيد تحفظ للأمة وحدتها وللأخوة حقها وللاعتقاد السليم مكانه ولأمن أمتنا عموما أولويته وللجهاد في فلسطين ولبنان على وجه الخصوص) في غزوتهم المباركة وعملت أذرعها في اليمن والعراق ولبنان على فتح جبهات آذت الكيان ومن يدعمونه ماديا ومعنويا وكلفتهم الكثير وما تزال.

وعلىالرغممنكلمحاولاتنتنياهولاختراقدولةإيرانومحورالمقاومةونجاحهاالكبيرفيذلكمنخلالالاغتيالاتوالضرباتالجويةإلاأنهلميفلححتىاللحظةفيتجحيمالخطرالإيرانيكمارآه: فما زالت إيران خطرا كبيرا على وجود الكيان، بل ازدادت خطورة، ولما تزل إيران سببا رئيسا بدعمها للمقاومة في تأخير التطبيع الكامل مع السعودية وباق الدول العربية والإسلامية، فهو إن نجح في جانب فقد أخفق في أهم الجوانب التي تمناها في خطابه قبل عام.

أما عن السلطة الفلسطينية التي كان يعدها ويهيئها لترث غزة من حماس وباقي فصائل الجهاد ولتكون معوله في هدم آخر أحلام الفلسطينيين في دولة حقيقية، فقط صارت إلى أبئس حال يتمناه أكثر أعدائها، فقد صارت لقيطة بغيضة للجميع ولأولهم نتنياهو، فهو لم يوفرها من شتائمه وانتقاداته منذ السابع من أكتوبر المجيد حتى اليوم، وصار يزيد التضييق عليها ويمنع عنها التمويل ويصفها بأبشع الصفات ويرفض التعامل معها ويضع الشروط المستحيلة لقبوله ببقائها.

وربما يكون الحصاد الإيجابي الآخر الذي نجح في تحقيقه والحفاظ عليه بامتياز هذا المجرم الأثيم نتنياهو كما قاله في خطابه هو استمرار التطبيع مع الحكومات التي تحكم الشعوب العربية، فقد أظهرت تلك الحكومات قدرا من الهوان والذلة والصغار والتبعية التي قد تصل لدرجة الخيانة خلال هذا العام ما لم يظهره غالب مؤيدي الكيان ذاته في كثير من الأحيان: فدولة الإمارات مثلا كانت بين الدول العربية القليلة التي دانت على الفور هجومحماسعلى إسرائيل، مشددة على أن الحركة لا تمثل الشعب الفلسطيني. وما زالت هي  الموقعالأكثر صموداعلى اتفاقية إبراهيم كما تقول المصادر الصهيونية، فهي كما يقول أنور قرقاش، أحد أذرع تلك الدولة الإعلامية، أنالإمارات قد اتخذت قرارا استراتيجيا(بالتطبيع)، والقرارات الاستراتيجية طويلة الأجل.. ولا شك في أن أي قرار استراتيجي سيواجه عقبات متعددة، ونحن أمام عقبة كبيرة يجب التعامل معها“.

بينما نجد دولة  البحرين هي الدولة العربية الوحيدة التي انضمت رسميا إلى عملية حارس الازدهار الجديدة وهي تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، لحماية الملاحة في البحر الأحمر ضد هجمات الحوثيين في اليمن.

وفيما يتعلق بالمغرب، لم تستجيب الحكومة المغربية للمطالب الشعبية بتعليق التطبيع مع إسرائيل، لأن مثل هذه الخطوة يمكن أن تؤدي إلى إلغاء تل أبيب اعترافها بسيادة المملكة على الصحراء الغربية، كما سيكون لها أيضا تأثير سلبي على علاقة الرباط بواشنطن“. أما  الأردن فهو الدولة التي أصبحت قبة حديدية جديدة للكيان تحميه من صواريخ المقاومة ومنفذ إدخال المؤن والغذاء له، وهي ليست الوحيدة فقد شاركتها دول أخرى، فقد نشرت وزارة الزراعة في الكيان الصهيوني قائمة الدول التي واصلت تصدير الخضار والفواكه إليها، منذ بدء الحرب على قطاع غزة في أكتوبر الماضي. وكشفت بيانات الوزارة أن شركات من تركيا والأردن هي أكثر من صدر المنتجات منذ 8 أكتوبر 2023 وحتى 11 فبراير 2024.

ووفقا للتقرير، يبلغ عدد الدول التي زودت شركاتها إسرائيل بالخضار والفواكه منذ بدء الحرب على غزة، 24 دولة. كما ساهمت تلك الشركات بحل أزمة الأمن الغذائي الزراعي لديها، بعد  تضرر قطاع الزراعة بمستوطنات غلاف غزة التي أخليت عقب معركةطوفان الأقصى، وخروج آلاف الأيدي العاملة عن العمل، فضلا عن مساهمتها في تخفيف وطأة ارتفاع الأسعار الناجم عن نقص المنتجات.

وحسب التقرير فإن شركات من تركيا والأردن صدرت من الخضار والفواكه لإسرائيل، ضعف ما صدرته شركات بقية الدول الـ22 الواردة بقاعدة بيانات وزارة زراعة، وبلغت نسبة ما صدرته شركات الدولتين 54.66%.

وعلى صعيد التجارة فقد نمت التجارة الثنائية بشكل كبير بين إسرائيل مع البحرين والإمارات والمغرب بالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2023، حيث  ارتفعت التجارة الثنائية مع البحرين في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024 بنسبة تزيد عن 900٪، ومع الإمارات العربية المتحدة بنسبة 4٪ ومع المغرب بنسبة 56٪، وفقًا لمعهد اتفاقيات إبراهيم للسلام. وكان هذا هو النجاح الأهم لنتنياهو بعد عام من خطابه.

أما عن حماس وباقي فصائل الجهاد في غزة والضفة فقد ازدادت قوة ومنعة على الرغم من كل الضربات التي وجهت إليها وما زال الإجماع الفلسطيني عليها كبيرا بل هو في زيادة بحسب استطلاعات الرأي العام المختلفة، وصارت سمعتها في العالمين في أحسن صورها واستعادت بريقها بين أبناء الأمة وعرف قدرها ودورها وجهادها من لم يكن يعرفه ويعرفها، وما زالت صامدة تجاهد وليس كما ظن أو ادعى انها ركنت وأخلدت إلى الأرض ورضيت بالفتات الخليجي والصهيوني الذي يلقى لها ولأهل فلسطين ليعيشوا معيشة الدواب والأنعام: تأكل وتشرب وتلبس وتتسافد. لقد أثبتت غزة بمرابطيها وبمجاهديها مع رجال الضفة الغربية المجاهدين والمرابطين في القدس أن في فلسطين رجالا، وخاب ظن المفتري الأفاك الأثيم وسيخيب في القادم إن شاء الله. فغزة بعد عام من الخطاب والطوفان أقوى إيمان من ذي قبل.

أما عن أمن دولة الكيان الغاصب الذي تباهى بتحقيقه لها كما لم يحققه من قبله رئيس وزراء في تاريخ الكيان الأسود فقد ذهب أدراج الرياح: فالاقتصاد في أسوأ أحواله، والشركات التكنولوجية التي تباهى بها تترك الكيان وترحل، والمستوطنون المجرمون يهربون كما الفئران من سفينة النتن الغارقة بأبنائهم وزوجاتهم ولا يعودون، والأسرى ما زالوا في قبضة حماس، والقبة الحديدية لم تكن حديدية ولا يحزنون، واستبيحت تل أبيب بالصواريخ، وهجر مستوطنو الشمال المستوطنات ويرفض مستوطنو غلاف غزة العزة العودة خوفا ورعبا من رجال الجهاد، وانكشفت حقيقة الكيان العاجز الذي ادعى قوة على الردع لا تدانيها قوة ولولا دعم الامريكان والغرب بالسلاح المخابرات والدعم اللوجستيي من كل نوع ما صمد الكيان ولتبخر تماما. وها هو الأمن الذي ادعى أنه جلبه لكيانه قد صار خوفا لا مثيل له.

فهل خرجت بركات الشرق الأوسط الجديد كما تمنى نتنياهو من عام؟ عندما أخذ يتكلم منتشيا خاشعا وهو يحكي عن مثله الأعلى سيدنا موسى(ونحن نجل سيدنا موسى عليه السلام فهو من أولي العزم من الرسل عما يقوله عنه هذا الدعي الأثيم لكننا نقل ما يقوله فقط) وتبشيره بالنعمة والنقمة : منذ آلاف السنين، عندما قدم سيدنا موسى لبني إسرائيل خيارًا عالميًا خالدًا قائلاً لهم ها، لقد وضعت أمامكم هذا اليوم نعمة ونقمة“.  نسأل الله عز وجل أن نختار بحكمة بين اللعنة والبركات التي تقف أمامنا هذا اليوم.. فلنخرج ببركات الشرق الأوسط الجديد الذي سيحول الأراضي التي كانت تعصف بالصراع والفوضى إلى ميادين للرخاء والسلام.

فهل خرجت بركات الشرق الأوسط الجديد كما تمنى نتنياهو من عام؟

على حسب رؤيتك أخي القارئ وإيمانك بالله واعتبارك بما جاء في كتابه وعلى لسان رسوله وما سجله التاريخ للعبرة وبينه الواقع لكل ذي عينين، سوف تجيب على هذا السؤال:

فلو كنت في معسكر الصهاينة ومن يدعمونهم من الأمريكان والغرب الحاكم والحكام العرب والمنتفعين من ذلك من سماسرة الأوطان وباعة الأرض والعرض مقابل الغنى والثروة في كل مكان وزمان ستجيب بنعم، إما إن كنت من المؤمنين بالله ورسوله وكتابه وتاريخ هذه الأمة ودورها ومكانتها وشهودها على العالمين ستكون الإجابة بالنفي. فليس من المعقول ونحن نرى معالم الإبادة بكافة صورها المادية والمعنوية أن نرى سوى الخراب والنقمة لا النعمة التي بشرنا بها الكذوب الفاجر القاتل نتنياهو بالتطبيع مع الكيان الغاصب والاستسلام له. لكننا سنرى النعمة كل النعمة والبركات الطيبات في الرباط والمجاهدة والصبر والمصابرة والاستمساك بحبل الله المتين وعروته الوثقى والاعتصام بحبل الله المتين وعروة الأخوة الإيمانية الوثقى حتى النصر أو الشهادة.

وصد ق الله العظيم: ” وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًاالنساء: 104.

هكذا صار نتنياهو بعد عام من خطابه في الأمم المتحدة وعملية طوفان الأقصى، لقد فشل غالب ما تمناه وحققه، فالغيب لله وحده له مقاليد السموات والأرض. والمقارنة بين وجه نتنياهو القبيح بين عامين يكشف كيف فعلت طوفان الأقصى في عمق الكيان الملعون وقادته: في العام الماضي كان وجهه يتلألأ بالفرح والغرور وهو يزف البشرى ويعد بالنعمالكبيرة لاتفاقات آبراهام والأمن الأمان للكيان. بالأمس وهو يلقي خطابه الجديد(وسنقوم بتحليله في القادم من المقالات إن شاء الله) كان وجهه مكفهرا ولسانه متلجلجا يوزع الاتهامات يسارا ويمينا على الجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى