مقالات مختارة

ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها؟

بقلم د. الأمين الحاج محمد – رئيس رابطة علماء المسلمين.

إن عداوة الشيطان للإنسان بدأت بعداوته لأبي البشر آدم (عليه الصلاة والسلام)، وستظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا ينبغي لأحد أن يأمن مكره وخداعه حتى عند الاحتضار ولذلك عندما عرض للإمام أحمد عند الاحتضار وقال له: لقد نجوت مني يا أحمد. فرد عليه قائلاً: لَمَّا بَعْدُ. أي ما دام أن الروح في الحلقوم فلا نجاة منك.

من أكثر الأمور التي يحرص الشيطان على إفسادها على الإنسان صلاته، بحكم رسول الله r قال: “إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين. فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثوب بالصلاة – أي أقيمت – أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، فيقول له: إذكر كذا وكذا لما لم يكن يذكر من قبل، حتى يظل الرجل إن يدري – ما يدري –  كم صلى” [متفق عليه].

فالخشوع في الصلاة وعدم التشاغل عنها من فروضها، فقد مدح الله المؤمنين بقوله: “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ” [سورة المؤمنون: 1-2]. فمن تشاغل عن صلاته كلها بحيث لا يدري كم صلى؟ وماذا قرأ؟ بطلت صلاته. ومن تشاغل عنها في بعضها وعاد إلى صلاته ولم يسترسل في التشاغل ليس له إلا ما عقل منها، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها).

والخشوع يشمل خشوع القلب والجوارح، أي خشوع الظاهر والباطن ولهذا روى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته في الصلاة فقال: (لو خشع القلب هذا لخشعت جوارحه).

فالخشوع يحتاج إلى مجاهدة، وأن يستصحب المصلي أن الله ينظر إليه، ما لم يلتفت في صلاته، ورحم عتبة الغلام القائل: ( كابدت الصلاة عشرين سنة، واستمتعت بها عشرين سنة). ورضي الله عن سعد بن معاذ القائل: (ثلاثة أنا فيهن رجل لا ككل الرجال) وذكر منها: (ما دخلت في صلاة فتشاغلت عنها) وكان رسولنا (صلى الله عليه وسلم) إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول لبلال: “أرحنا بها يا بلال”.

والشيطان يدخل مع المصلي في مساومة ويذكره ببعض الأمور التي ما كان يذكرها وهي تهمة، فقط ليشغله عن صلاته فانتبهوا يا أولي الأبصار ورحم الله التابعي الجليل أبا حزم، الذي دخل في صلاة فوسوس له الشيطان بأنه على غير طهارة فرد عليه قائلاً: (هل أنت أحرص مني على صلاتي؟!) فاستمر في صلاته ولم يلتفت لوسوسة الشيطان.

قال زين الدين ابو الفضل: قال ابن بطال المالكي عن المهلب رحمهما الله في شرح هذا الحديث: (فيه من الفقه أن من نسي شيئاً وأراد أن يتذكره فليصل ويجهد نفسه فيها من تخليص الوسوسة وأمور الدنيا، فإن الشيطان لابد أن يحاول تسهيته وإذكاره أمور الدنيا ليصده عن إخلاص نيته في الصلاة.

فقد روي عن أبي حنيفة أن رجلاً دفن مالاً ثم غاب عنه سنين كثيرة، ثم قدم فطلبه فلم يهتد لمكانه. فقصد أبا حنيفة فأعلمه بما دار له. فقال له: صل في جوف الليل وأخلص نيتك لله تعالى، ولا تجر على قلبك شيئاً من أمور الدنيا، ثم عرفني بامرك. ففعل ذلك فذكر في الصلاة مكان المال. فلما أصبح اتى أبا حنيفة فاعلمه بذلك. فقال بعض جلسائه: من أين دللته على ذلك يرحمك الله؟ فقال: استدللت من هذا الحديث، وعلمتُ أن الشيطان يرضى أن يصالحه بأن يذَكِّره موضع ماله، ويمنعه الإخلاص، فعجب الناس من حسن انتزاعه واستدلاله) [كتاب طرح التثريب شرح التقريب لزين الدين أبي الفضل جـ2/204]. هذا مع العلم أن الفكر في الصلاة والسهو فيها لا يفسدها، فقد روي عن عمر (رضي الله عنه) أنه قال: (قسمت مال البحرين في الصلاة وجهزت جيشي في صلاتي) علل ذاك ابن القيم بأنه كان مسؤولاً عن الصلاة وعن شؤون المسلمين، والله أعلم. ورحم الله سلفنا الأعلام الحكماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى