تنتهج الصين سياسة مزدوجة في تعاملها مع مسلميها؛ فتخضع جزءا منهم لإجراءات عقابية صارمة، وتقدم جزءا آخر على أنه الوجه الإسلامي الناصح للبلد، حسب ما جاء في صحيفة فرنسية.
إذ تقول لوموند إن الإسلام مع البوذية والطاوية والكاثوليكية والبروتستانتية يمثل إحدى “الجمعيات الدينية الوطنية”، المعترف بها رسميا كديانات وطنية في الصين.
وذكرت أنه، وفقا لتعداد 2010، يوجد في البلاد نحو 23 مليون مسلم، أي 1.7 % من السكان، ينقسمون بين عشر قوميات: الهوي (10.5 ملايين نسمة) والإيغور (10 ملايين) والكازاخ ودونغشيانغ والقرغيز والسالارس والطاجيك والأوزبك والبونان والتتار.
لكن إذا كانت المجموعتان الرئيسيتان الهوي والإيغور مسلمتين، فإن الصحيفة لفتت إلى أن السلطات الصينية لا تعاملهما بالأسلوب نفسه، إذ تعتبر بكين الهوي، القريبين عرقيا من قومية هان، المجموعة العرقية الأكبر في الصين، “مسلمين نموذجيين”، بينما تقمع بشدة الإيغور المتحدثين باللغة التركية والموجودين في منطقة شينغيانغ الإستراتيجية، ولهم فيها تطلعات انفصالية، حسب السلطات الصينية.
وأوردت الصحيفة خريطة للصين، ووضعت عليها إنفوغرافا يظهر مناطق وجود المسلمين، وتاريخ دخول الإسلام هذه البلاد، ومناطق وجود المساجد والمراكز الإسلامية، هذا فضلا عن الأهمية الاقتصادية لتلك المناطق.
تقول لوموند إن الدعوة إلى الإسلام وصلت الصين في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، حين بعث رسلا عبر ميناء غوانغشو للتعريف بالدين الجديد، لكن أول وفد رسمي إسلامي يستقبل في الصين كان ذلك الذي استقبل من قبل التانغ في 651 بعد الميلاد.
ومثل التجار العرب والفرس نواة المجتمعات الإسلامية في الصين، التي انتشرت على طول طريق الحرير، حسب لوموند.
وذكرت الصحيفة أن الإيغور يمثلون اليوم 45% من إقليم شينغيانغ، مبرزة الأهمية الاقتصادية للمنطقة التي تمر منها اليوم بعض أهم ممرات طريق الحرير التي تحاول بكين إحياءها من جديد.
سجن مفتوح
وتحت عنوان “سجن مفتوح للإيغور في شينغيانغ”، قال المراسل الخاص للصحيفة لويس بدرولتي إن المسلمين الإيغوريين يتعرضون لقمع شرس من قبل السلطات الصينية بذريعة مواجهة “الانفصالية والأصولية والإرهاب، في ظل عدم مبالاة من أغلب الصينيين”.
واستعرضت الصحيفة أصنافا من الإهانة والتعذيب والتضييق التي يتعرض لها الإيغور، مقابل التسهيلات والفرص الاستثمارية التي تتوفر لكل أفراد قومية هان الذين يهاجرون إلى هذه المنطقة ويقيمون مستعمرات هنا وهناك.
وتبدو مدن هذا الإقليم في وضعية حرب حقيقية؛ فالجنود المدججون بالسلاح في كل مكان، والتفتيش مشدد، وكاميرات المراقبة في كل مكان، بل إن أحد تجار الإيغور ذكر للمراسل أنه لا يستطع الحديث بسبب أجهزة التسجيل الموضوعة في كل المحلات.
ونقل المراسل عن آخرين قولهم إنهم لا يسجلون في هواتفهم النقالة أي عنوان لأي شخص مقيم خارج الصين، لأنهم يُفتشون دائما وتؤخذ منهم هواتفهم للاطلاع على قائمة من يتصلون عليهم وترصد كل مكالماتهم.
ووصف بدروليتي كيف يتم تفتيش الإيغور دون غيرهم، فقال إنهم يُرصدون بالكاميرات التي تتعرف على الهوية عن بعد ويخضعون لعمليات تفتيش بشكل متكرر، وقد يسجن أحدهم عشر سنوات بسبب أذان غير مرخص، كما أكد له أحد الذين استطاع التحدث إليهم.
كما أنهم ملزمون بوضع لافتة على مساجدهم كتب عليها “أحبوا الحزب، أحبوا الوطن” في الوقت الذي توجد اللافتة نفسها على مساجد الهوي لكن بعبارة “أحبوا الدين، أحبوا الوطن”.
كما يلزم أئمة الإيغور، الذين يراقبون بشكل حثيث، بالدعاء للرئيس الصيني شي جين بينغ بطول العمر في بداية خطب الجمعة.
ويبدو، حسب المراسل- أن السلطات الصينية فرضت سيطرة أمنية كاملة على إقليم شينغيانغ، إذ لم تقع فيه منذ فترة ليست بالقصيرة أي حوادث تذكر.
فالدولة الصينية غرست الخوف الدائم في نفوس السكان بتعميم الإجراءات العقابية والاعتقالات التعسفية؛ فعلى سبيل المثال، سجن مئات من طلاب الإيغور الذين ذهبوا إلى مصرللدراسة في جامعة الأزهر الإسلامية فور عودتهم إلى الصين عام 2017 دون أن توجه لهم تهم تذكر، اللهم إلا أنهم درسوا اللغة العربية في الأزهر.
(المصدر : لوموند / تركستان تايمز)