لماذا هذا الهجوم المتزايد على صحيح الإمام البخاري؟ (1-4)
بقلم د. محمد عياش الكبيسي
يتعرض صحيح البخاري هذه الأيام لحملة من التشكيك وإثارة الشبهات، مع حالة من الغموض بالنسبة لدوافعها وغاياتها، والعلاقات التي تجمع بين أصحابها، الذين كأنهم تفرّغوا اليوم أو فُرّغوا لهذه المهمة.
هؤلاء بالعموم لم يُعرف عنهم الاهتمام ببحوث السنّة النبوية، ولذلك يُستبعد أن يكونوا قد توصلوا بالفعل إلى هذه الشبهات نتيجة لحلقات البحث والدراسات العلمية، بل ربما يكون الواحد منهم قد بات وهو لا يعرف شيئاً عن البخاري، ثم يستيقظ في الصباح ليمارس شهوته في هذا النقد وهذا الطعن، وقد انتشر مؤخّراً تسجيل مرئي لشيخ معمم يطعن في البخاري وهو لا يعرف اسمه، فيسميه «جُمعة أبو عبدالله محمد بن إسماعيل»، لأنه قرأ على غلاف الكتاب عبارة «جَمَعه أبو عبدالله…».
يقول لك آخر: إنه يريد أن يرسّخ في الأمة مرجعية القرآن الكريم، ولذلك فهو يضعّف كل حديث يعارض القرآن ولو كان في صحيح البخاري، هنا تظن لأول وهلة أنك أمام باحث مختص في القرآن الكريم وتفسيره، عارف بأصوله وفروعه، ومحكمه ومتشابهه، ومكّيّه ومدنيّه، ومتضلع قبل كل هذا بلغة القرآن وأسلوبه، لكنك تُفاجأ حينما تعلم أن هذا وأمثاله ربما لا يحسنون تلاوة القرآن أصلاً، وربما جاءوا بالمضحكات حينما يحاولون تفسير كلمة أو آية من آيات القرآن.
بعضهم تراه يردد كلمات وعبارات، تفهم من مجملها أن عقدته مع البخاري تكمن في تصوّره أن التشبث بالبخاري يعني عنده الجمود على الماضي والعجز عن مواكبة العلوم الحديثة ومتطلبات العصر، ولشدة ما تراه متحمساً لهذا الاتجاه تتخيل كأنه يواجه يومياً مئات الحافظين لصحيح البخاري، والذين لا شغل لهم إلا مذاكرة ما يحفظونه منه بمتونه وأسانيده، حتى أشغلهم ذلك عن غيره، ولا أدري كيف برزت أمام ناظريه هذه المشكلة في وقت نرى فيه هذا الجيل -إلا ما ندر- منشغلاً بأمور أخرى لا تمتّ إلى البخاري بصلة، فمتابعة لعبة الكرة مثلاً مقدّمة عندهم على متابعة دروسهم وواجباتهم، ناهيك عن أولئك الذين غرقوا في أوحال الرذيلة والمخدرات، ثم لنسأل هؤلاء: ما الدراسة العلمية التي أوصلتكم إلى هذا التشخيص؟ وكم نسبة هؤلاء الشباب الذين شغلتهم أحاديث البخاري قياساً ببقية شباب الأمة؟
أخيراً وليس آخراً، ربما ترى صنفاً آخر يتضايق جداً من البخاري، لا لشيء إلا لأنه لم يفهم لماذا حظي البخاري بهذه المكانة، ولماذا كان صحيحه أصحّ كتاب بعد القرآن الكريم، فتراه يتساءل بغضب وانفعال: لماذا هذا الغلو؟ لماذا هذا التقديس؟ وهذه التساؤلات يمكن أن نتفهمها، خاصة مع شيوع حالة من المفاهيم والتصورات المغلوطة عن البخاري وعن غير البخاري، لكن أليس من الغريب أن يكون الإعلام الغربي هو الذي يروّج لمثل هذه التساؤلات؟ ثم تجد من يعكسها عليك بالنص؟ خذ مثلاً هذه العبارة التي نشرتها قناة الحرة العربية على موقعها الرسمي، والتي يرددها أيضاً كثير من الناقدين والطاعنين: «حينما يتم نقد البخاري أمام رجال الدين، فإن أوصالهم ترتعد لأن ذلك سوف يهدم كهنوتهم الديني، الذي يسيطرون به على عقول العامة»!
(المصدر: صحيفة العرب الالكترونية)