مقالاتمقالات مختارة

لماذا هذا الظلم والعداء يا هيئة العلماء؟

لماذا هذا الظلم والعداء يا هيئة العلماء؟

بقلم أ. د. عبد الرزاق قسوم

حيّرنا، والله أمركم، يا هيئة كبار العلماء، في بلد الحرمين الشريفين، موطن خير الأنبياء.
ومما زاد في حيرتنا، وصفكم لأنفسكم، بكبار العلماء، وهو وصف لا نجد له سندا في تراثنا القديم، ولا حكما في منزل التحكيم. فهل صفة «الكِبَر» هنا، تحيل إلى قدم السنين والأعوام، أم إلى التضلع في الفقه والأحكام؟

وأيا كان التعليل، فإن الحكم الصادر من هيئتكم بخصوص جماعة الإخوان المسلمين، ووصفهم بمجموعة الإرهابيين، هو حكم يحمل عوامل تناقضه فيه.
وللعلم، فأنا لم أنتَمِ –يوما ما- للإخوان المسلمين كحزب، لا انتقاصا من قدرهم، ولا ازدراء لفكرهم، فلو أعطوني طنجة وطابا، ما كنت في حزبهم حزّابا، ولكن السبب يعود إلى أنني نشأت أولا بين أحضان جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهي خير جمعية أخرجت للناس في بلادنا، تغذيت بعلم علمائها، وتأثرت بقيم ومبادئ مجاهديها، وشهدائها.
وثانيا، لأني انخرطت عن قناعة وطواعية في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو تنظيم يستغرق في جانبه الفكري كل عالم بحق، سواء أكان هذا العالم من «كبار» العلماء في المملكة السعودية، أو في بلاد القارة الأسيوية أو الأفريقية.
لذلك، فإن صفة كبار العلماء، تناقض ما صدر عنها من أحكام بخصوص الإخوان المسلمين، ذلك لأن الإخوان المسلمين كتنظيم، هم من الإرهاب قد فروا، بل ولعلهم ضحايا الإرهاب العالمي، كما أنهم كانوا السباقين إلى خوض معركة التحرير من أجل فلسطين البلد الأسير، ضد العدوان الصهيوني المحتل الحقير.
ويكمن تناقض بيان هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، في الحكم بإرهاب الإخوان المسلمين، في أن هذا التنظيم انعكاس لما نادى به المصلح محمد بن عبد الوهاب الذي خرج على الناس، ذات يوم، بإصلاح المعتقد، وتطهير البلد من كل ما فسد.
أليست المملكة العربية السعودية هي من أوائل من مكّن، للإخوان المسلمين حين آوت مضطهديهم، ونصرت دعاتهم ومرشديهم؟
ألا يعود الفضل لملوك وأمراء السعودية في تبني دعوة الإخوان المسلمين، وبمباركة من العلماء والدعاة، يوم كانت هيئتهم علمية حقا تتسم بالاعتدال والتسامح؟ فما الذي تغير اليوم؟ ولماذا عدل كبار العلماء، عما كان يقوم به شيوخهم، وأساطين فكرهم السلفيين بالأمس؟
عهدنا بعلماء الوهابية، أنهم كانوا ينشرون الإسلام في كل بقاع الدنيا، وينصرون الموقف الشرعي في كل مكان في العالم، فيلتقون –مثلا- مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ومع كل التنظيمات الإسلامية الشرعية، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، والعون على نوائب الدهر، فلما تحولت هيئة كبار العلماء إلى مجرد آلة تسجيل، فنأت عن الموقف الشرعي، لتنغمس في السياسة، انتقلت من اللباس، واللبس، إلى التلبيس.
وإن تعجب، فاعجب لبيان هيئة العلماء الذي أفرح الصهاينة الأعداء الألداء، فهللوا له، وبشروا به، وأغضب الأشقاء العلماء في كل الأرجاء، فغضبوا منه، ونددوا به، أيحدث هذا منكم يا علماء الدين، ويا فقهاء البلد، وأنتم تتلون قــــــــــول الله: ﴿إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا…﴾ [سورة آل عمران، الآية 120].
لقد أدبنا الإسلام، فأحسن تأديبنا، حين أدبنا بقيمه، ومنها أن ننصر المظلوم، وأن لا نجهز على الضعيف، النازف دمه. وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين اليوم يعانون مأساة الاضطهاد، والبعد عن البلاد.
إنهم يئنون تحت وطأة الجلاّد، ويعيشون محنة البعد عن الأهل والأولاد، ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ [سورة البروج، الآية 8]، فهل من القيم الإسلامية، أن نزيد جرحهم إيلاما، وبلاءهم سقاما؟
إن ما نعرفه عن جماعة الإخوان المسلمين أنها لم تشهر سلاحا، ضد أية دولة، وخاصة المملكة العربية السعودية، فلماذا توصف من علماء هذا البلد بالذات، بالإرهاب والتكفير، والخروج عن جماعة المسلمين؟ ﴿..وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[سورة البقرة، الآية 146].
يحدث هذا كله في الوقت الذي يخرج فيه، على الناس من المملكة العربية السعودية بالذات من يطعن في ثوابت الأمة، ويحكم ببطلان مصداقية «صحيح البخاري»، وهو أصح كتاب بعد كتاب الله.
أليس الأولى بكبار العلماء، أن يتصدوا لهذا المنكر، فينهون عنه، وينأون عنه؟
أليس الأولى، أن يحمل كبار العلماء، شعار النهي عن المنكر، وهل هناك منكر أعظم من التنكيل بالعلماء، وحمل الناس على مذهب سياسي معين، حتى لو فسد دليله، وانحرف سبيله؟
وشتان بين من يخدم الإسلام، كما هو مطلوب فيه إرضاء الله، وبين من يستخدم الإسلام لتحقيق مآرب شخصية، ويهدف إلى مصالح سياسية.
فيا علماء أمتنا، ويا فقهاء هيئتنا، خـــــــــــــــــــــــــذوا الحكمة من واقع الدين، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة، الآية 281].
وتعلموا من هذا الواقع، وأنتم تشاهدون في كل يوم، ضحايا هذا الوباء العالمي الخطير، «وباء كوفيد 19»، ففي كل يوم لنا ميت نودعه.
تذكروا يا علماء أمتنا، أن البقاء سيكون إن شاء الله للأصلح، وأن كل شيء إلى زوال، ولن يبقى للمرء إلا الموقف الشرعي، والثبات على المبادئ، والاعتماد على الله، فهو وحده النافع والضار، ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ…﴾ [سورة النحل، الآية 96].

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى