مقالاتمقالات مختارة

لماذا لن تدوم سيطرة اليهود على القدس؟

بقلم د. أنور أبو دياك

فتحت القدس عام 15 هجرية وتسلم الخليفة عمر بن الخطاب مفاتيحها من البطريرك صفرونيوس الذي رفض تسليمها إلا لعمر لأنه مذكور في كتبهم وصفه رضي الله تعالى عنه، واشترط صفرونيس على المسلمين أن لا يسكنوا فيها أحدا من اليهود وبقيت عربية إسلامية حتى سقطت بيد الصليبيين عام 492هـ /1099م ثم حررت عام 583هـ/1187م وقد احتلتها جيوش الاستعمار البريطاني عام 1917 ووقعت عام 1967 تحت الاحتلال الصهيوني الغاشم الذي حاول تغيير معالمها وهويتها إلى اليهودية.

وإذا كان صفرونيوس اشترط أن لا يسكنها اليهود فإن بلفور وبريطانيا مهّدوا لاحتلالها من قبل اليهود (عام 1917) ومكّنوهم من إقامة دولتهم على أرض فلسطين، ثم جاء ترمب بعد مئة عام (2017) ليعطي اليهود وعداً بأنها ستبقى عاصمتهم إلى الأبد، فالعقلية الأمريكية المتعالية على الآخرين والتي عبرت عنها مندوبتهم في الامم المتحدة لا ترى في القدس إلا مدينة يهودية منذ القدم وستبقى كذلك متأثرة بالمسيحية الصهيونية ومعتقداتها القائلة بضرورة بقاء “إسرائيل” قوية وبناء الهيكل تمهيداً لنزول المسيح.

ومن هنا كان موقف ترمب المتعنت في مسألة القدس وأنها عاصمة “إسرائيل” وقرار نقل السفرة الأمريكية إليها، بل والأنباء المتسربة حول نية الإدارة الأمريكية الاعتراف بيهودية الدولة والمستوطنات القائمة وشطب حق العودة.

هذه النظرة وهذا الاعتراف وتلك السيطرة “الإسرائيلية” على القدس لن تدوم للأسباب الاتية:

1-وعد الله تعالى للمؤمنين من هذه الأمة بالقضاء على إفساد اليهود الثاني في الأرض المقدسة في أرجح أقوال المفسرين لقوله تعالى: {إنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الاسراء،7] وهذا يقتضي زوال ملكهم عنها، وعودتها إلى حوزة الإسلام والمسلمين.

2-وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بعمران بيت المقدس في آخر الزمان ونزول الخلافة فيها، روى أحمد وأبو داود عن معاذ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال”.

وفي حديث آخر عن ‏ضَمْرَةُ ‏أَنَّ ‏ابْنَ زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ ‏‏حَدَّثَهُ قَالَ: نَزَلَ عَلَيَّ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ ‏فَقَالَ لِي: “بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏لِنَغْنَمَ عَلَى أَقْدَامِنَا فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا وَعَرَفَ ‏‏الْجَهْدَ‏ ‏فِي وُجُوهِنَا فَقَامَ فِينَا فَقَالَ:‏ ‏اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ عَنْهُمْ وَلَا تَكِلْهُمْ إلى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا وَلَا تَكِلْهُمْ إلى النَّاسِ ‏فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ‏ ‏ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي ‏أَوْ قَالَ عَلَى ‏‏هَامَتِي ‏ ‏ثُمَّ قَالَ: “يَا ‏ابْنَ حَوَالَةَ ‏إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ ‏وَالْبَلَابِلُ ‏وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ” (رواه أبو داود وصححه الألباني).

وهذه بشرى أن بيت المقدس ستعود مدينة عربية إسلامية بل ستكون حاضرة الإسلام الأولى وعاصمة دولة الخلافة على منهاج النبوة التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة الذي رواه الإمام أحمد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه الله، وصححه الألباني قال: “كنا جلوساً في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء، فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون النبوة فيكم….إلى أن قال: ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت”.

3-إن القدس كانت ولا زالت معمورة بأهلها من الفلسطينيين وهم اليوم -وبعد خمسين سنة من الاحتلال الصهيوني الغاشم وكل محاولاته لتغيير التركيبة السكانية لها- لا زالوا يشكلون الأغلبية العددية فيها (القدس الشرقية أو المدينة القديمة) إذ يبلغ عددهم 320 ألفا مقابل 200 ألفا من اليهود.

4-المسجد الأقصى لن يزول وهيكل سليمان المزعوم لن يبنى مكانه فالله تعالى يقول في سورة الإسراء {وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة} وإذا كان التحكم بالدخول والخروج من المسجد قد تم إحباط مخططه في ثورة عارمة لأهل المدينة قبل فترة وجيزة فكيف بهدم المسجد وبناء الهيكل.

5-أثبتت الاحتجاجات العارمة التي سادت أنحاء العالم الاسلامي-وإن كانت دون المطلوب-أن القدس هي البوصلة وأن الأمة تتوحد على القدس وأنها لن تستسلم ولن تسكت على أي تغيير في القدس وأن ما يريده اليهود والمسيح المتصهين في أمريكا لن يمر وأن دونه خرط القتاد.

6-ستتزامن بإذن الله عودة القدس إلى حوزة المسلمين مع عودة الأمة إلى دورها القيادي ومع تحرر إرادتها من المستعمر ومع نهضة شاملة بدأنا نشاهد بواكيرها في تركيا وبعض بلدان العالم الإسلامي في إيذان بعمومها وشمولها كل هذه البلدان في القريب العاجل.

وأخيرا فكما أنه ثابت تاريخيا أن القدس سقطت بسقوط دولة الخلافة الاسلامية والتي كانت في حينها الدولة العثمانية فإن عودتها ونهضتها ستكون ولادة لدولة الخلافة الإسلامية الراشدة من جديد وبصورة أقوى وأبهى وأشد قوة بإذن الله.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى