(لا يَأتيهِ البَاطلُ) (7)
من أوجه الإعجاز العلمي في سورة العنكبوت
آيات عظيمة للملحدين والغافلين
بقلم الدكتور علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
ــ قال تعالى: ” مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ” (العنكبوت ، آية : 41).
من الإشارات الكونية في هذه الآيات:
ــ تأكيد أن بيت العنكبوت هو أوهن البيوت على الإطلاق من الناحيتين المادية والمعنوية، وهو ما أثبتته الدراسات المتأخرة في علم دراسة حيوانات الأرض.
وهذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، يرجعون إليهم نصرهم ورزقهم، ويتمسكون بهم في الشدائد، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه، فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمن يتمسك ببيت العنكبوت، فإنه لا يجدي عنه شيئاً، فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع، فهو متمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها لقوتها وثباتها.(الكاتب،2006، ص485)
الإشارة إلى العنكبوت بالأفراد:
وتسمية السورة الكريمة إشارة واضحة إلى أن الذي يقوم ببناء البيت أساساً هي أنثى العكنبوت، وعلى ذلك فإن مهمة بناء العنكبوت هي مهمة تضطلع بها إناث العناكب التي تحمل في جسدها غدد إفراز المادة الحريرية التي ينسج منها بين العنكبوت، وإن اشتراك الذكر في بعض الأوقات بالمساعدة في عمليات التشييد أو الترميم أو التوسعة، فإن العملية تبقى عملية أنثوية محضة، ومن هنا كان الإعجاز العلمي في قول الحق تبارك وتعالى: ” اتَّخَذَتْ”.
في قوله تعالى: ” وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ”، هذا النص القرآني المعجز يشير إلى عدد من الحقائق المهمة منها:
أ ـ الوهن المادي:
إن بيت العنكبوت هو من الناحية المادية البحتة أضعف بيت على الإطلاق، لأنه مكون من خطوط حريرية غاية في الدقة تتشابك مع بعضها البعض تاركة مسافات بينية في أغلب الأحيان، ولذلك فهي لا تقي حرارة شمس ولا زمهرير برد، ولا تحدث ظلاً كافياً، ولا تقي من مطر هاطل ولا من ريح عاصفة ولا من أخطار المهاجمين، وذلك على الرغم من الإعجاز في بنائها.
ب ـ الوهن في بيت العنكبوت لا في الخيوط: قوله تعالى: ” وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ”.
وهنا إشارة صريحة إلى أن الوهن والضعف في بيت العنكبوت، وليس في خيوط العنكبوت، وهي إشارة دقيقة جداً، فخيوط بيت العنكبوت حريرية دقيقة جداً، يبلغ سمك الواحد منها في المتوسط واحداً من المليون من البوصة المربعة، أو جزءاً من أربعة آلاف جزء من سمك الشعرة العادية في رأس الإنسان، وعلى الرغم من دقتها الشديدة فهي أقوى مادة بيولوجية عرفها الإنسان حتى الآن.
جـ ـ الوهن المعنوي:
إن بيت العنكبوت من الناحية المعنوية هو أوهن من بيت على الإطلاق، لأنه بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد، وذلك لأن الأنثى في بعض أنواع العنكبوت تقضي على ذكرها بمجرد إتمام الإخصاب، وذلك بقتله وافتراس جسده، لأنها أكبر حجماً وأكثر شراسة منه، وفي بعض الحالات تلتهم الأنثى صغارها دون أدنى رحمة، وفي بعض الأنواع تموت الأنثى بعد إتمام إخصاب بيضها الذي عادة ما تحتضنه في كيس من الحرير، وعندما يفقس البيض تخرج العنيكبات فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض، فيبدأ الإخوة الأشقاء في الاقتتال من أجل الطعام أو المكان أو من أجلهما معاً، فيقتل الأخ أخاه وأخته وتقتل الأخت أختها وأخاها، حتى تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العنيكبات التي تنسلخ من جلدها، وتمزق جدار كيس البيض لتخرج الواحدة تلو الأخرى، والواحد تلو الآخر بذكريات تعيسة، لينتشر الجميع في البيئة المحيطة وتبدأ كل أنثى في بناء بيتها ويهلك في الطريق إلى ذلك من يهلك من هذه العنيكبات، ويكرر من ينجو منها نفس المأساة التي تجعل من بين العنكبوت أكثر البيوت شراسة ووحشية، وانعداماً لأواصر القربى، ومن هنا ضرب الله تعالى به المثل في الوهن والضعف، لافتقاره إلى أبسط معاني التراحم بين الزوج وزوجه، والأم وصغارها، والأخ وشقيقه وشقيقته، والأخت وأختها وأخيها.(الكاتب،2006، ص489)
ح ـ ” لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”:
هذه الحقائق لم تكن معروفة لأحد من الخلق في زمن الوحي، ولا لقرون متطاولة من بعده، حيث لم تُكتشف إلا بعد دراسات مكثفة في علم سلوك العنكبوت استغرقت مئات من العلماء لعشرات من السنين حتى تبلورت في العقود المتأخرة من القرن العشرين، ولذلك ختم ربنا تبارك وتعالى الآية الكريمة بقوله: ” لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”.(الكاتب،2006، ص489)
مراجع البحث:
علي محمَّد الصَّلابي، المعجزة الخالدة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 2013م،صص186-187
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار طيبة، الرياض، 1999
سيف الدين الكاتب، دلائل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، دار الشرق العربي، ط1، 2006م