مقالاتمقالات مختارة

لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه

بقلم فضيلة د. هشام بن عبدالقادر عقدة

لما أرادَ المسلمون أن يأذنَ لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في قتلِ عبد الله بن أُبي ابن سلول المنافق قال لهم: «لا يتحدث الناس أن محمدًا يَقتُل أصحابَه» (البخاري: 4905). ألا ليت هذا البُعد يكون موجودًا في تفكير المسلمين اليوم، وفي طريقة تعاطيهم مع الأحداث التي تموج بها بلادنا، ولكن للأسف كثيرًا ما يغيبُ عنا هذا البُعد في كثير من تصرفاتنا؛ بل ربما وصل الأمر إلى تعمد تحدث الناس أن هذا الفريق من المسلمين مضادون لأصحابهم، وراغبون في إسقاطهم. وفي هذه المقالة النبوية بُعدٌ آخر وهو أن وقوع فرد أو جماعة في خطأ ما ليس مبررًا لعدم مبالاتنا بنتائج هجومنا عليه وعقوبته، وليس من خطأ أشنع من النفاق، ومع ذلك نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يقع من فتنة إذا أوقع المسلمون بصاحبه العقوبة. إن بعض الناس درج على مقالة مغلوطة وهي: “ما دمتُ على حقٍ أو ما دام خصمي قد أخطأ فلا أبالي بالنتائج!”. تُرى لو كان الحسن بن علي رضي الله عنه على سبيل المثال يفكر بهذه الطريقة أكان يتنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه جمعًا لشمل المسلمين مع كون الحسن أفضل وأدنى إلى الحق من معاوية! إن المسلمين وبخاصة الدعاة يجب أن يعوا معنى كونهم جسدًا واحدًا أو كالجسد الواحد، وما يوجبه هذا المعنى عليهم من تبعات؛ أولها المحافظة على هذا الجسد واحدًا قويًّا حتى ييأس الذين كفروا من النيل منه، أولئك الذين ينتظرون وقوع الفتنة بين المسلمين؛ بل يجتهدون ليل نهار في إيقاعها، ولذلك من العجب أن يتراشق أعضاء هذا الجسد بالحجارة على الملأ، والعدو يفرك يديه فرحًا بما يحدث، وربما ظن بعض القاصرين أنه إذا فضح مخالفه، أو لمزه بشيء، فقد حقق نصرًا، وهذا شعور أحمق لأنه في الحقيقة قد لمز نفسه، ثم من العجب أيضًا أن يقوم أعضاء الجسد، برشق من قدر الله أن يكون في موضع الرأس بالحجارة، حتى يهلك، مع كون هلاك الرأس هو هلاك للجسد وهي حقيقة واضحة! وأخيرًا فمن تبعات معنى الجسد الواحد ألا نصنع شيئًا يفت في عضد هذا الجسد، ولهذا كان تكثير سواد المشركين أو تقوية شوكتهم من أعظم المنكرات؛ بل من المنكرات أيضًا أن يقع بعض المسلمين في تكثير سواد الخصوم الذين لا يبالون بالدين، بما يحدث إضعافًا لإخوانهم وفتًّا في عضدهم، ويهدد السفينة كلها بالغرق من جرَّاء الخروقات الكثيرة؛ وهذا خروج أي خروج على معنى الجسد الواحد، وما يفرضه علينا من تبعات. نسأل الله تعالى أن يبصرنا بحقيقة ما نقول ونفعل، وأن يجعلنا سببًا في حفظ وحدة هذا الجسد، وأن يعيذنا أن نكون سببًا في إيقاع أي فتنة بين أعضائه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(المصدر: رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى