مقالاتمقالات مختارة

كيف تصبح نظرية المؤامرة سلاحاً ذو حدين؟

كيف تصبح نظرية المؤامرة سلاحاً ذو حدين؟

بقلم نور الدين الرفاعي

ما هو تفسير ما يحدث في أوطاننا العربية من قتل وتدمير ونزاعات؟ ومن هو المسؤول عن كل هذا الخراب؟ كثيرا ما يطرح مثل هذا السؤال على مواطنين عرب من المحيط إلى الخليج، وسواءً أكان هذا العربي مثقفاً أم أمياً، معلماً أو بائع بسطة فإن الإجابة كثيرا ما تختزل بهذه الكلمة: مؤامرة!

ربما يكون لهذه الكلمة سحرها الخاص وجاذبيتها التي تنبع من قدرتها العجيبة على تفسير أي حدث وتبسيط أي مشهد معقد! تكمن قوة نظرية المؤامرة في أنها ترتكز على تفسير خفي وافتراضات لا يمكن نفيها، وقد تمنحها نزعتها التأويلية التي تشترك فيها مع “الفكر الأسطوري” قدرة على التجدد والتوالد، لكن عدم القدرة على إثبات “نظرية المؤامرة” في كثير من الأحيان لافتقارها إلى دليل، قد يكون من نقاط ضعفها التي تنزع عنها صفة العلمية، وتجعلها أقرب إلى الفرضية منها إلى النظرية التي تستند إلى دليل.

قد يكون من الغباء أن نعتقد أن العالم يخلو من المؤامرات، لكن من الغباء أيضا أن نعتقد أن كل ما يحدث لنا هو بسبب المؤامرات! فعلى الرغم من أن نظرية المؤامرة قد تصح في كثير من الأحيان، ما يستدعي أخذها بعين الاعتبار، إلا أن الإفراط في استخدامها قد يحمل آثارا سلبية أشد خطورة من المؤامرة نفسها، فنظرية المؤامرة قد تكون طريقة سهلة للتنصل من المسؤولية وإلقاء التبعة على الآخرين، وقد لا تخلو من تبسيط للأمور وإلغاء للعوامل الموضوعية مع إضاعة فرصة كبيرة للنقد الذاتي.

الخطورة تكمن أيضاً في الحالة النفسية التي ينتجها “هوس المؤامرة”، إذ تنتج مثل هذه الحالة التي قد تصل إلى مرحلة البارانويا (عقدة الاضطهاد) شعورا عميقا باليأس والإحباط يستبطن حالة من الاستسلام والخضوع مع التسليم بالأمر الواقع، وكأنه قضاء وقدرلا نملك أمامه حيلة ولا يمكننا دفعه أو تغييره، مع ما يترتب على ذلك من روح سلبية انهزامية.

في عالمنا العربي المؤامرات على شعوبنا موجودة وربما لم تتوقف يوماً، ولكنها في الغالب لم تكن لتنجح لولا ثغراتنا ونقاط الضعف الموجودة فينا. هل نسأل أنفسنا مثلاً لماذا لا تستطيع الدول العربية أن تتآمر على القوى الكبرى وتمزقها من الداخل أو تجعلها دولاً تابعة لها؟! قد يكمن جزء من الجواب في أن هذه الدول ليست فيها نقاط ضعفنا، أو أنها تحسن استخدام نقاط قوتها ومعالجة نقاط ضعفها. فالدول التي تآمرت على شعوبنا عملت على نقاط ضعفنا بالدرجة الأولى ونفذت من خلالها، ونقاط ضعفنا كثيرة مثل الاستبداد والظلم والطائفية والعنصرية والتعصب والجهل والفقر والتبعية وغيرها، ولو عالجنا نقاط الضعف لوجدت القوى الخارجية صعوبة كبيرة في العبث بدولنا، فالجرثومة تكون أشد فتكاً إذا وقعت على جسد ذو مناعة ضعيفة.

ربما كان مثال سايكس بيكو الأكثر حضوراً واستحضاراً في أذهان كثير من العرب، كمثال على مؤامرة ما زلنا نعاني من آثارها إلى اليوم، لكن نظرة متفحصة تشير إلى أن هذه المؤامرة لم تكن لتنجح في تمزيق الإمبراطورية العثمانية لولا استبداد الأتراك وغفلة العرب، علاوة على الروح القومية التي انتشرت لدى الطرفين، دون إغفال عوامل أخرى كتدهور الدولة العثمانية علمياً وحضارياً.

منذ بضع سنوات اندلعت الاحتجاجات الشعبية في العالم العربي وما زال بعضها مشتعلاً، إلا أن بعض مثقفينا سارعوا إلى وصم تلك الاحتجاجات بالمؤامرة الأجنبية، وانسجموا –من حيث يشعرون أو لا يشعرون- مع الطرح المشترك لجميع الأنظمة الدكتاتورية التي لجأت إلى فزاعة المؤامرة، في محاولة لتخدير الجماهير وتخوين المعارضين، مع أن هذه الأنظمة باستبدادها وقمعها وسوء إدارتها قد أعطت الذريعة وفتحت الباب مشرعاً أمام تدخل القوى الخارجية، فكانت بذلك جسراً عبرت عليه المؤامرة التي يحذرون منها!

كان الاستبداد والقمع والتهميش والفقر والجهل والتعصب والظلم بمثابة برميل بارود جاهز للإنفجار في أية لحظة، غفل هؤلاء عن برميل البارود وانهمكوا في إثبات أن شرارة الانفجار لم تكن عفوية بل كانت بفعل فاعل، مع أن الانفجار لم يكن ليحدث لولا وجود البارود! غفل كثير من المثقفين –أو تغافلوا- عن أننا لو عالجنا نقاط ضعفنا الداخلية وعلى رأسها الاستبداد الذي يقتل الحرية ويضعف بنية المجتمع، وقضينا على الجهل والتعصب، وتخلصنا من الثقافة القبلية والعنصرية والطائفية التي مزقت شعوبنا وفتحت الباب واسعا للتدخل الخارجي، فسنكون أكثر مناعة في وجه المؤامرات، وسنكون قد قطعنا شوطاً طويلاً في طريق التخلص من التبعية وإنجاز الاستقلال الحقيقي.

ختاماً فإن من الخطورة بمكان التخلي تماما عن فرضية المؤامرة، ومن السذاجة والسطحية عدم أخذها بعين الاعتبار، ومن المفيد أن تبقى فرضية المؤامرة على طاولة البحث إلى جانب أدوات التحليل الأخرى، لكن من الخطورة أيضاً أن تهيمن فرضية المؤامرة لتصبح تفسيراً وحيداً لمشهد مركب ومعقد لما في ذلك من تشويه واختزال. بكلمة أخرى فإن الإبقاء على جرعة معقولة من عقلية المؤامرة قد يكون ضرورياً لأخذ الحيطة والحذر، ورفع مستوى المناعة لكن الإفراط في هذه الجرعة له آثاره الجانبية ومضاعفاته الخطيرة التي تمتد من السذاجة والسطحية إلى اليأس والاستسلام!

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى