مقالاتمقالات مختارة

كيف تتخلص الشعوب من تدخل العسكر في السياسة؟

كيف تتخلص الشعوب من تدخل العسكر في السياسة؟

بقلم وليد ظاهري

الذي يزور أوروبا والدول المتقدمة يستغرب وكأنها دول بلا جيوش ولا عسكر والسياسة فيها يصنعها المدنيين ويديرها السياسيين، ومع ذلك نراها دولا قوية يهابها القوي قبل الضعيف.. فهل هذه الدول وجدت في العالم هكذا أم مسيرة وصلت هي في حين ما زلنا في أخر الطريق؟! في الواقع لا نرى في الواجهة السياسية إلا الرئيس والكونجرس والسياسيين يتكلمون عن حروبهم في شتى أنحاء العالم، وأما القادة العسكريين عندهم لا يتكلمون إلا في الأمور التقنية والإجرائية فقط ولا يتعدون ذلك أبدا وبسليم ورضا منهم، وكذلك هي الدول الغربية كلها.. أما نحن في الدول العربية نرى أحيانا العسكر يتدخلون ليس في السياسة فقط بل في أمور إدارية بحتة لا علاقة لهم بها، وبطبيعة الحال نرى ثلة عندنا من الشعب ومن النخبة تهلل لقادة العسكر ويمجدون قراراتهم ويحاولون تبرير الوضع بحجج مضحكة وعجيبة.

إذا كنا نحن المتخلفين نريد أن نتحول إلى دول ديمقراطية مثل أوروبا فلماذا إذا نمجد العسكر ونصنع بعبعا للشعب، وأننا في حرب مع بعض الدول وأن هناك دسائس هنا وهناك، وكأننا نريد تسليم الشعلة والراية للعسكر ليحاربون فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا. الصراع مع هذه الدول هو صراع سياسي اقتصادي، يعني إجعل لك نظام سياسي قوي وساسة شرعيين وحاول بناء اقتصاد متين وسترى أنك تستطيع مجابهة أعتى وأكبر دول العالم، العلاقات الدولية هي بين دول وأنظمة سياسية وليست بين جيوش كما كانت في القرون الماضية.

كيف يتدخل العسكري في السياسة؟
في كل دول العالم الجيش يدخل بنسب متفاوتة في الشأن العام مثله مثل غيره من القوى من أصحاب المال أو الفن أو العلم و الفكر كلهم لهم تأثير في الشأن العام وصناعة القرار السياسي

لتوضيح هذه هذه الفكرة لا بد من تسليط الضوء حول محورين إثنين، الأول إجرائي وشكلي والثاني سياسي.. فأما المحور الإجرائي فيتمثل في مجموعة من الإجراءات القانونية والدستورية قد تكون سببا لتدخل قادة الجيش في السياسة وتتمثل في عدم وجود قضاء مستقل، حين يكون القاضي غير مستقل وغير حر في إصداره للأحكام القضائية ستصبح السلطة القضائية كلها لعبة لدى أصحاب القوة في الدولة من أثرياء وسياسيين وقادة جيش، ويكون ذلك بعلاقات ذلكم الأشخاص ونفوذهم فيتدخلون لمعاقبة القضاة الغير طائعين لهم عن طريق حرمانهم من الامتيازات والترقيات، وعن طريق الضغط لتحويلهم لمناطق بعيدة أو إحالتهم على التقاعد أو حتى بتلفيق تهم لهم ومحاكمتهم عند قضاة أخرين طائعين لهم، وهذا يكون عن طريق المجلس الأعلى للقضاء أو المؤسسة المشرفة على تسيير الحياة المهنية للقضاة والحل هو أن تكون هذه الهيئة مستقلة استقلالا تاما ولا تتدمل فيها أي جهة أخرى ويعين أعضاؤها عن طريق الانتخاب الداخلي للقضاة وعندها يعود القاضي سيدا في حكمه ويتحرر المواطن من كل ظلم أو جور.. كما أن النيابة لا بد هي أيضا تتحرر من سلطة النافذين في البلاد فلا تبقى عصا في أيديهم.

الجانب الإجرائي الأخر في تدخل العسكر في السياسة هو الإعلام والصحافة، فالصحفي بعلاقاته يصل إلى حقائق أو اختلاسات فلا يستطيع التكلم عنها بسبب أنه ليس محميا ومحصنا من سلطة النافذين في المجتمع، ولو وضعت قوانين تحمي الصحفي والإعلامي في إيصال الحقيقة إلى السلطة الحقيقية في الدولة متمثلة في الشعب لأصبح الفساد مخاطرة كبيرة يهابها كل الناس البسطاء والنافذين. تبقى مشكلة أخرى لتحرير المجتمع من تدخل العسكر -بحكم أنهم يملكون القوة- في السياسة هي منع الاستبداد السياسي بوضع قوانين تحمي التداول السلمي على السلطة بالانتخابات الدورية الشفافة والنزيهة.

الجانب السياسي.. تكلمنا عن الجانب الإجرائي القانوني في منع تدخل العسكر والنافذين داخل المجتمع في السياسي، ولكن هذا لوحده لا يكفي لأن النافذين سيضغطون على المشرعين داخل الدولة ويزيلوا تلك القوانين التي تمنعهم من التدخل ويعود الأمر كما كان، وهنا يكمن الأمر في وجود قوى سياسية متينة تحمي النظام القائم وتمنع تراجعه للوراء وهذه القوى هي الأحزاب والنقابات والجمعيات وكل هيئات المجتمع المدني، لأن العمل السياسي هو عمل عام تدخل فيه كل فروع وجهات المجتمع وفي حالة وجود فراغ فيه فإن القوي سيملأ ذلك الفراغ، يعني أن في كل دول العالم الجيش يدخل بنسب متفاوتة في الشأن العام مثله مثل غيره من القوى من أصحاب المال أو الفن أو العلم و الفكر كلهم لهم تأثير في الشأن العام وصناعة القرار السياسي، وبالتالي فإن أي فراغ سيملأ من أطراف أخرى غالبا تكون مالكة للقوة مثل الجيش والعسكر، أما أن في الساحة رأي عام قوي وأحزاب قوية ومجتمع مدني متين فإن القوى الأمرى ستلزم الصمت خاصة في أمور السياسة التي لا تعنيهم بل تعني الشعب الممثل في الأحزاب وفي المجتمع المدني.

ملاحظة: العملية السياسية هي عبارة عن دورة الأول يحمي ويقوي الثاني والثاني يقوي الثالث حتى نصل لرقم يكون تأثيره على الرقم الأول وهكذا، في دورة تشتغل كلها مع بعضها وتحمي نفسها وأي خلل قد يكسر الدورة ونعود إلى الحالة القديمة لحياة المجتمعات، يعني أن الشعب ينتخب ممثليه وممثليين يشرفون على الدولة من اقتصادة وثقافة وسياسة وعسكر أيضا، والإعلام والصحافة يراقب الممثلين ويفضح أخطاءهم والقضاء يعاقبهم إن أخطؤوا، والقانون يحمي الإعلام والصحافة والقضاة، والشعب هو من يصنع القوانين عن طريق ممثليه ويعدلها ويلغيها.. دورة كاملة.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى