مقالاتمقالات مختارة

كورونا بين الإسلاميين والعلمانيين

كورونا بين الإسلاميين والعلمانيين

بقلم نعيم مصطفى

لابد بداية من الإشارة إلى أنني أستهدف العلمانيين  العرب، ولا أوجه سهامي إلى العلمانيين الأجانب؛ لأن العلمانيين الأجانب معتدلون، وليس عندهم مشكلة مع الدين، وإنما يرون بفصل الدين عن السياسة فحسب، وعلى الرغم من اختلافنا معهم في هذا الجانب الذي تبنوه إثر ردة فعل على تسلط الكنيسة وطغيانها عليهم، إلا أننا نجد أن لديهم المرونة ورحابة الصدر مع من يخالفهم في الرأي والمعتقد، فهم يسمحون للمسلمين الذين هاجروا ولجؤوا إلى بلادهم بممارسة كافة عباداتهم وأنشطتهم الدينية سواء كان ذلك في المساجد أو الجمعيات أو غير ذلك، ولا يضيقون بهم ذرعاً.

أما الأمر اللافت للانتباه والمريب هو حقد العلمانيين العرب على الإسلام والمسلمين وديكتاتوريتهم في التعامل معهم، فعلى الرغم من أنهم ولدوا ونموا وترعرعوا في بيئة إسلامية وبلاد إسلامية، وربما تكون عائلاتهم محافظة، إلا أنهم تمردوا على تلك البيئة والديار، وراحوا ينفثون جلّ أحقادهم على أبناء جلدتهم الذين يختلفون معهم في الأيديولوجية.

وكلما طغت على السطح ظاهرة جديدة على الدنيا، يحاولون تجييرها لصالحهم وسحبها لميدانهم عبثاً، وفي الآونة الأخيرة كما نعلم خرج علينا من شغل الدنيا وملأ الناس، وهو فيروس كورونا، الذي جعل العالم بأسره في حالة قلق وهلع ورعب واستنفار، وقد رأى كثير من الغربيين العلمانيين والدينيين على حد سواء أن هذا المرض يحتاج إلى الدعاء والتضرع إلى الله عزّ وجلّ حتى يخلّصنا منه، ومن ذلك دعوة ترامب الأمريكيين للصلاة من أجل صرف كيد هذا الداء عن الأمة الأمريكية، وكذلك تصريح رئيس الوزراء الإيطالي بأن حلول الأرض وصلت إلى مرحلة العجز وينبغي تحويل الأمر إلى السماء، وقد اتخذت إجراءات جديدة لافتة للانتباه وذلك بالسماح للمساجد في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا أن تصدح بالأذان عبر مكبرات الصوت…وما إلى ذلك من روحانيات.

ولكن العلمانيين العرب إزاء هذه الأحداث ازدادوا صلفاً وتكبراً، وراحوا يتمحّلون الافتراءات بقولهم إن المؤمنين ينتظرون من الكفار أن يصنعوا لهم المصل الشافي، ويتحدثون بغبطة، عن سعادتهم العارمة بسبب إغلاق المساجد والحرمين الشريفين.

وأظن أن هاتين الفريتين مردود عليهما بل تدينهم وتكشف سطحيتهم وسذاجتهم في التفكير، وتكشف الضغائن السوداء التي رانت على قلوبهم وعقولهم.

أما الجواب عن المسألة الأولى، فهو أن معظم الأطباء المسلمين في أوربا وأمريكا لهم قصب السبق وعلو الكعب هناك باعتراف الساسة أنفسهم، فقد ذكرت المستشارة الألمانية ميركل فضل الأطباء السوريين على الألمان وأنهم هم الرافعة الأساسية لمنظومة الصحة، وتطالعنا الصحف بين الفينة والأخرى عن الإنجازات والتضحيات التي يقوم بها الأطباء المسلمين، وآخرها وفاة ثلاثة أطباء مسلمين متطوعين في بريطانية أثناء تصديهم لهذا المرض الفتاك، وكذلك وفاة ثلاثة أطباء مسلمين في إيطاليا، كانوا يقومون بمساعدة الشعب الإيطالي (غير المسلم) من أجل إنقاذ حياته، ولو أن الحكام العرب هم من الشعب فعلاً وليسوا نبتة غريبة عنه، لكان للأطباء العرب شأو وشأن كبير على مستوى الدنيا، ولكن أولئك الحكام الطغاة يحاربون كل مبدع وعالم ويدفعون به إما إلى المعتقلات وإما إلى المنافي.

ولا ننسى أن هذا المرض لم يخرج من أراضي المسلمين المحصنة إزاء هذه الأمراض بسبب طهارة أهلها، وإنما خرج من أراضي غير المسلمين بسبب القذارة وتناول الخبائث والفطائس.

وأما المسألة الثانية وهي سعادتهم و نشوتهم  في إقفال المساجد، فهي إن دلت على شيء فإنها تدل على ضحالة ثقافتهم، وضيق أفقهم، وجهلهم بما عند خصومهم.

فالواقع أن الحبور يجب أن يغمر المسلمين؛ لأن كورونا قد استهدف كل شهوات وملذات العلمانيين التي طالما يناضلون من أجلها ليل نهار، بحجة الحرية والتقدم، فدور البغاء أوصدت، وشواطئ العراة أغلقت، ودور السينما والملاهي والخمارات وكل ما يعشقه العلمانيون قد ضُرب عليه الحجر، ولا يمكن للعلماني أن يذهب بهذه الترسانة الشهوانية إلى بيته.

في حين أننا نجد الإسلاميين لم يعرقل حياتهم أي إجراء قامت به الدول.

فا لإسلام ليس مسجد كما يظن الجهلاء، لأننا يمكن أن نجعل بيوتنا ومعاملنا وحدائقنا كلها مساجد، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

” جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فإيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِ “.

لم يكن المسجد في صدر الإسلام و ما تلاه من العصور الذهبية للعبادة فحسب – على خلاف الكنيسة والدير – وإنما مهمته الأساسية هي تلقي العلم، ورسم سياسة الدولة في السلم والحرب.

وأختم بقول أحدهم: لوكان لكورونا دين، لكان بلا ريب هو دين الإسلام؛ لأنه لم يستطع أحد قبله أن ينهى عن المنكر، ويأمر بالمعروف بهذه الطريقة العجيبة.

(المصدر: رسالة بوست)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى