مقالاتمقالات مختارة

كورونا… الوباء والرسالة

كورونا… الوباء والرسالة

بقلم عمرو عاشور

بعد أن صنفت منظمة الصحة العالمية رسميا فيروس كورونا “بالوباء العالمي”، أصاب المجتمع الدولي حالة من التأهب والهلع واستعدت الجيوش ورصدت الميزانيات، وكأن الحرب العالمية الثالثة قد دقت طبولها لمواجهة “كوفيد 19″، وهو ما أكده الرئيس الفرنسي ماكرون في خطابه لشعبه مطلع الأسبوع الماضي بأن الفرنسيون في حالة “حرب” لمجابهة المرض الأكثر خطرا على العالم، وبعد أن تزايدت اعداد الإصابات والوفيات في دول عده جاء الإعلام بمناقشاته وبرامجه وإعلاناته ناصحا العالم باتخاذ التدابير والاحتياطات وكان كورونا سيقضي علي جنس البشر.

هذا الفيروس القاتل كورونا حتي وإن تعاملت معه بعض الدول الكبرى علي أنه حرب بيولوجية لضرب اقتصادات دولا بعينها، فلا شك أنها خدعه جديده لتوريط الشعوب في لعبه غير نظيفة لفرض نظام عالمي جديد في وقت لاحق، فدعونا من تلك التكهنات وضعوا الأمور في مسارها وتأكدوا قبل إغلاق المساجد أن لله جند لا نعلمهم يسلطهم علي العباد حين تشيع فيهم الفحشاء والمعاصي، وانظروا إلى حجم هذا الفيروس الذي لا يتجاوز جزءا من عشرة آلاف جزء من الميليمتر! هذا الكائن المتناهي الصغر قادر علي تدمير الاقتصاد العالمي وقادر على قتل عشرات الملايين من البشر إنه مجرد جندي صغير من جنود الله القائل (وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر).

وإذ إن العالم مشغول الآن في تلك الحرب المزعومة أشعر بأن الخطر لا يكمن في كوفيد كونه داء أصابنا به الله للعودة إليه بعد أن شغلتنا الذنوب عن التضرع والاستقامة وسلوك الطريق القويم الذي إن سلكناه سخر لنا الدواء ويأتي الخطر الحقيقي في دعوة الناس للصلاة في بيوتهم خوفا من انتشار الوباء وقيام بعض الدول العربية بإغلاق المساجد ومنع صلاة الجماعة!

ذلك الإجراء الذي اتجهت إليه دول إسلاميه هل تعتقد عزيزي القارئ انه سيقدم حلا لتحجيم الفيروس دون غلق الأسواق والمقاهي وأماكن التجمعات الأخرى؟.. ولماذا لا يتحدث الاعلام العربي عن الحالة التي آلت إليها الشعوب الإسلامية في زمن كثر فيه الخبث؟! إننا حتى اللحظة لم نعترف بسوء حالنا مع الله وانغمسنا في غياهب الجهل والمعاصي والانحطاط الأخلاقي، فحين ظهر الطاعون في عهد سيد الخلق رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم لم يدع إلى غلق المساجد داعيا لعدم الخروج من مكان الوباء قائلا “الطاعون بقية رجز أُرسل على طائفة من بني إسرائيل، فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه، وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها”.

ولما خاضت البشرية غمار الصراع مع الأمراض المعدية منذ أزمنة بعيدة وسجلت أسماء الأوبئة في صفحات التاريخ ليسجل للطاعون خمسة مراحل جاء أولها طاعون شيرويه بالمدائن في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سنة 6هـ، والثاني طاعون عمواس سنة 18هـ في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و كان بالشام ومات فيه 25 ألفا وعاش المسلمون في ظل هذا الوباء أياماً عصيبة حتى كانت نهايته على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث خطب في الناس قائلا «أيها الناس إن هذا الوجع إذا وقع فإنما يشتعل اشتعال النار، فتحصنوا منه في الجبال» وكأنّه يعني أن حال هذا الوباء كحال النار فإذا لم تجد النار ما تحرقها خمدت فكانت نصيحته للناس أن يتفرقوا في النواحي فترة من الزمن وبهذه النظرة السديدة ارتفع الوباء وانتهى، وهو ما نسميه اليوم الحجر الصحي.

والثالث فهو طاعون كان بالكوفة سنة 50هـ وفيه مات المغيرة بن شعبة رضي الله عنه والرابع في زمن خلافة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه سنة 69هـ ومات به في ثلاثة أيام 210 ألفاً ومات فيه لأنس بن مالك 83 ولداً ومات فيه لعبد الرحمن بن عوف أربعون ولداً، والخامس طاعون الفتيات في شوال سنة 87هـ وسمّى طاعون الفتيات لأنه بدأ في العذارى بالبصرة وواسط والشام والكوفة.

تلك الطواعين الخمس التي أصابت ما قبلنا لم يأتي في ذكرها منع لصلاة أو دعوة لإغلاق بيوت الله، إنما تعاملوا معها بما جائت به السنة الشريفة المليئة بالقيم الوقائية التي أمر بها الإسلام منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وجعلها جزءاً من تعاليم الدين الحنيف والتي ارتبطت بالنظافة العامة والشخصية، وجعل الشرط الأساس لصحة الصلاة الوضوء، ففي تلك الأزمات علينا أن نلجأ إلى الله معمرين لبيوته متضرعين له طالبين عفوه ورفعه البلاء والوباء وسيئ الأسقام.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى