مقالاتمقالات مختارة

كم من فئة قليلة

كم من فئة قليلة

بقلم د. سعد الكبيسي

كم أطرقت رؤوس قوم كانوا فئة قليلة في العدد أو الإمكانات سواء كانوا فرداً أو مؤسسة أو دولة أو أمة أو حضارة حزناً وحيرة واستغراباً أنهم كانوا فئة قليلة فهُزموا وفشلوا والله قال لهم: “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”، فإما فهموها خطأ أو فهموها كما يتمنون بشعور أو بلا شعور.

لنقرأ معاً:

(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249}) (البقرة).

وفي الآية هنا أمور:

أولاً: إن الفئة القليلة في الآية التي يحكمها قانون الغلبة لا يشترط أن تكون جيشاً، بل قد تكون فرداً أو مؤسسة أو دولة أو أمة أو حضارة.

ثانياً: إن قانون نصر الفئة القليلة لا يتعلق بمجال الجهاد والقتال كما في الآية فحسب، بل يشمل كل مجال بالحياة في السياسة والاقتصاد والإعلام والإدارة.. وغيرها.

ثالثاً: “كم” هنا للتكثير، ومعنى ذلك أن هناك كثيراً من الفئات القليلة التي ينصرها الله، وهي التي استكملت المقومات المادية والمعنوية للنصر، وليس كل قليل ينصره الله حتى لو أخل بالشروط الواجبة للنصر.

رابعاً: إنها “فئة” أي إنها مجموعة مترابطة متراصة متماسكة، فالمجموعة والفئة الممزقة المشتتة المتفرقة لن يأتيها نصر الله، قلت أو كثرت.

خامساً: إنها فئة تغلبت على شهواتها حين لم تشرب من النهر المغري الذي رأته، وبذلك حققت نصراً وغلبة في عالم الروح قبل عالم المادة.

سادساً: إنها فئة شجاعة ثابتة مكافحة متصبرة لا تخور قواها أمام القوي ما دامت قد أخذت بالأسباب المادية والمعنوية.

سابعاً: إن النصر يأتي للفئة القليلة إذا أذن الله -كما في الآية- فالله لا يأذن إلا للفئة التي استكملت المقومات المادية والمعنوية وأخذت بكل ما تستطيع في عالم الأسباب.

ثامناً: إن هذه الفئة القليلة همها الآخرة “قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله”، ولم تستعبدهم الدنيا بشهواتها ومطامحها.

تاسعاً: إن هذه الفئة مجموعة “صابرة” استحقت معية الله تعالى وهو أبرز ما فيها؛ لذا ذكرت هذه الصفة في نهاية الآية، لأنها لقلتها بحاجة إلى صبر أكبر من صبر الفئة الكثيرة.

عاشراً: إنها فئة اجتازت الاختبار والامتحان وابتليت فتمكنت، فالآية في بدايتها ووسطها تتحدث عن ابتلاء الله لجنود طالوت بعدم الشرب من النهر فتمايزوا، فمنهم فئة قليلة لم تشرب ونجحت في الاختبار، ثم تمايزوا مرة أخرى حين رأوا قوة طالوت وجنده فخاروا وجبنوا، وفئة قليلة منهم هم الذين ثبتوا وصبروا وهم الذين قالوا: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن والله مع الصابرين.

الخلاصة:

الفئة القليلة -مهما كانت- التي تستحق الغلبة -في أي مجال- هي فئة استكملت المقومات المادية والمعنوية، وكانت مترابطة متماسكة موحدة متعالية على شهواتها شجاعة ثابتة صابرة ترجو الله والدار الآخرة، وليس كونها قليلة بالمطلق هو من يؤهلها للغلبة والانتصار.

(*) عضو وممثل المجمع الفقهي العراقي في الخارج

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى